ظروف عدة أرغمت شباناً من ريف حمص الشمالي على البقاء في بلداتهم وقبول التسوية مع النظام السوري، وكان الاعتقاد لدى المئات منهم أنّ الملاحقات الأمنية لن تطاولهم ما لم يعبروا حواجز النظام أو يقتربوا منها، لكنّ المشكلة بدأت مع إرسال النظام برقيات إلى المطلوبين للالتحاق بصفوف قواته ومراكز التجنيد.
شبان الحولة كانوا من بين المطلوبين مثل أبناء بلدات أخرى كالرستن وتلبيسة، إذ اعتقل النظام أكثر من ثلاثين شاباً من الحولة خلال الأشهر الأربعة الماضية، ليبدأ البقية بالبحث عن حلول للتخلص من الملاحقة، ومنها حلول يائسة بالتوسط لدى المتعاملين مع المليشيات الإيرانية للالتحاق بصفوفها أو التطوع للعمل ضمن صفوف المليشيات التي تدعمها روسيا بوصاية قادة في "جيش التوحيد" (المعارض سابقاً والملتزم بالتسوية حالياً).
اقــرأ أيضاً
"عمر م." (36 عاماً) آثر اللجوء إلى أحد الحلول الصعبة، وذلك بالبقاء متخفياً ضمن الحولة. يقول لـ"العربي الجديد": "بقيت في البلدة لأنّي أجريت تسوية مع النظام كوني معلماً سابقاً، وبقيت الأمور جيدة نسبياً حتى تلقيت برقية تخص مراجعة شعبة التجنيد بمدينة حمص، بالإضافة إلى برقية أخرى لمراجعة شعبة أمنية في المنطقة، وهنا كان الخوف، فقد اعتقل العديد من رفاقي بعدما تلقوا برقيات مشابهة، ومنهم من اقتيد للتحقيق وتعرض للضرب والتعذيب بعد اعتقال دام أكثر من شهرين، ومنهم من اعتقل ولم يفرج عنه حتى الآن. وبالنسبة لشبان آخرين فقد جرى إرسالهم للالتحاق بمراكز تجنيد قوات النظام".
يتابع: "في الوقت الحالي، أعيش وضعاً صعباً، إذ لا يمكنني النوم في المنزل أبداً، وتكون زياراتي له متقطعة وقصيرة كون مخبري النظام في المنطقة يراقبون تحركات الجميع. أنام في بعض الأحيان في إحدى المزارع القريبة أو أمضي أياماً عند بعض الأصدقاء، مع الحفاظ على التنقل المستمر. مرت فترة نمت خلالها في أرض زراعية قريبة من البلدة، فاعتقالي قد يكون نهايتي بسبب نشاطي في إحدى المنظمات الإنسانية في المنطقة".
في مدينة كفرلاها كان وضع الشاب أنس (26 عاماً) مختلفاً نسبياً عن عمر. يوضح لـ"العربي الجديد" أنّ والده اضطر لدفع مبلغ مالي كبير لقاء التحاقه بصفوف قوات النظام. يقول: "كان والدي يرفض فكرة خروجي مع أخي إلى الشمال السوري والابتعاد عن العائلة، بل أصر على إجرائنا التسوية والبقاء. وخلال الفترة التي بدأت فيها قوات النظام بملاحقتنا، تواسط أبي لدى أحد الضباط في المنطقة لإلحاقي بالتجنيد الإجباري لقاء دفع مبلغ مالي شهري لضمان بقائي في المدينة وذهابي إلى القطعة العسكرية في حلب ليومين في الشهر على أمل إنهاء الخدمة العسكرية التي تقدر بعامين بهذه الطريقة. صحيح أنّ المبالغ كبيرة لكنّه باعتقاده كان هذا الحلّ الأمثل لي". يضيف: "بالنسبة لأخي، كان الحلّ أفضل، إذ قدم أوراق الشهادة الثانوية الخاصة به إلى إحدى الجامعات الخاصة في ريف دمشق والتحق بها، وبالفعل جرى قبوله فيها برسوم سنوية تعادل 7 آلاف دولار أميركي. ويضمن من خلال ذلك الحصول على تأجيل دوري يعفيه من الخدمة العسكرية طوال فترة دراسته. والدي تاجر وقادر على تحمل هذه الكلفة المرتفعة، ومن ناحية أخرى هناك كثيرون ممن ليست لديهم قدرة على ذلك".
من ناحيته، يتحدث "طارق ع." (30 عاماً) إلى "العربي الجديد" عن أخيه المعتقل منذ أكثر شهرين: "نصحه رفاقه بالخروج من البلدة كونه عنصراً منشقاً عن قوات الأمن الجنائي، لكنّ رده كان أنّ التسوية قد تمنع النظام من ملاحقته واعتقاله، لكن ما كنا نتخوف منه حصل فعلاً، وجرى اعتقال أخي". يتابع: "نحاول في هذه الفترة الوصول إلى طريقة للإفراج عنه. والدي مسنّ، وليس لدينا المال الكافي لدفع رشاوى للضباط أو توكيل محامين له، أو حتى الوصول إلى أحد القضاة في النظام لإيجاد مخرج له، في بعض الأحيان ألوم أخي بشدة على قراره، لكن ما باليد حيلة بعدما حدث ما كنا نتخوّف منه، فلو غادر معنا إلى الشمال السوري لكانت الأمور أفضل، ولكان والدي ووالدتي مطمئنين عليه، ولا يعيشان اليوم مع زوجته حالة الخوف من بقائه تحت التعذيب في المعتقل".
اقــرأ أيضاً
إخلال بالاتفاق
في شهر مايو/أيار 2018، توصلت لجنة المفاوضات في ريف حمص الشمالي إلى اتفاق يقضي بتهجير رافضي التسوية مع النظام السوري إلى مناطق الشمال، مع سعيها إلى إبقاء السكان ضمن المنطقة، حرصاً على تجنب التغيير الديموغرافي فيها. لكنّ النظام أخلّ بالعديد من الشروط التي جرى الاتفاق عليها مع اللجنة، ومنها عدم دخول قواته إلى المنطقة، بل نشر دوريات الشرطة العسكرية الروسية فقط.
شبان الحولة كانوا من بين المطلوبين مثل أبناء بلدات أخرى كالرستن وتلبيسة، إذ اعتقل النظام أكثر من ثلاثين شاباً من الحولة خلال الأشهر الأربعة الماضية، ليبدأ البقية بالبحث عن حلول للتخلص من الملاحقة، ومنها حلول يائسة بالتوسط لدى المتعاملين مع المليشيات الإيرانية للالتحاق بصفوفها أو التطوع للعمل ضمن صفوف المليشيات التي تدعمها روسيا بوصاية قادة في "جيش التوحيد" (المعارض سابقاً والملتزم بالتسوية حالياً).
"عمر م." (36 عاماً) آثر اللجوء إلى أحد الحلول الصعبة، وذلك بالبقاء متخفياً ضمن الحولة. يقول لـ"العربي الجديد": "بقيت في البلدة لأنّي أجريت تسوية مع النظام كوني معلماً سابقاً، وبقيت الأمور جيدة نسبياً حتى تلقيت برقية تخص مراجعة شعبة التجنيد بمدينة حمص، بالإضافة إلى برقية أخرى لمراجعة شعبة أمنية في المنطقة، وهنا كان الخوف، فقد اعتقل العديد من رفاقي بعدما تلقوا برقيات مشابهة، ومنهم من اقتيد للتحقيق وتعرض للضرب والتعذيب بعد اعتقال دام أكثر من شهرين، ومنهم من اعتقل ولم يفرج عنه حتى الآن. وبالنسبة لشبان آخرين فقد جرى إرسالهم للالتحاق بمراكز تجنيد قوات النظام".
يتابع: "في الوقت الحالي، أعيش وضعاً صعباً، إذ لا يمكنني النوم في المنزل أبداً، وتكون زياراتي له متقطعة وقصيرة كون مخبري النظام في المنطقة يراقبون تحركات الجميع. أنام في بعض الأحيان في إحدى المزارع القريبة أو أمضي أياماً عند بعض الأصدقاء، مع الحفاظ على التنقل المستمر. مرت فترة نمت خلالها في أرض زراعية قريبة من البلدة، فاعتقالي قد يكون نهايتي بسبب نشاطي في إحدى المنظمات الإنسانية في المنطقة".
في مدينة كفرلاها كان وضع الشاب أنس (26 عاماً) مختلفاً نسبياً عن عمر. يوضح لـ"العربي الجديد" أنّ والده اضطر لدفع مبلغ مالي كبير لقاء التحاقه بصفوف قوات النظام. يقول: "كان والدي يرفض فكرة خروجي مع أخي إلى الشمال السوري والابتعاد عن العائلة، بل أصر على إجرائنا التسوية والبقاء. وخلال الفترة التي بدأت فيها قوات النظام بملاحقتنا، تواسط أبي لدى أحد الضباط في المنطقة لإلحاقي بالتجنيد الإجباري لقاء دفع مبلغ مالي شهري لضمان بقائي في المدينة وذهابي إلى القطعة العسكرية في حلب ليومين في الشهر على أمل إنهاء الخدمة العسكرية التي تقدر بعامين بهذه الطريقة. صحيح أنّ المبالغ كبيرة لكنّه باعتقاده كان هذا الحلّ الأمثل لي". يضيف: "بالنسبة لأخي، كان الحلّ أفضل، إذ قدم أوراق الشهادة الثانوية الخاصة به إلى إحدى الجامعات الخاصة في ريف دمشق والتحق بها، وبالفعل جرى قبوله فيها برسوم سنوية تعادل 7 آلاف دولار أميركي. ويضمن من خلال ذلك الحصول على تأجيل دوري يعفيه من الخدمة العسكرية طوال فترة دراسته. والدي تاجر وقادر على تحمل هذه الكلفة المرتفعة، ومن ناحية أخرى هناك كثيرون ممن ليست لديهم قدرة على ذلك".
من ناحيته، يتحدث "طارق ع." (30 عاماً) إلى "العربي الجديد" عن أخيه المعتقل منذ أكثر شهرين: "نصحه رفاقه بالخروج من البلدة كونه عنصراً منشقاً عن قوات الأمن الجنائي، لكنّ رده كان أنّ التسوية قد تمنع النظام من ملاحقته واعتقاله، لكن ما كنا نتخوف منه حصل فعلاً، وجرى اعتقال أخي". يتابع: "نحاول في هذه الفترة الوصول إلى طريقة للإفراج عنه. والدي مسنّ، وليس لدينا المال الكافي لدفع رشاوى للضباط أو توكيل محامين له، أو حتى الوصول إلى أحد القضاة في النظام لإيجاد مخرج له، في بعض الأحيان ألوم أخي بشدة على قراره، لكن ما باليد حيلة بعدما حدث ما كنا نتخوّف منه، فلو غادر معنا إلى الشمال السوري لكانت الأمور أفضل، ولكان والدي ووالدتي مطمئنين عليه، ولا يعيشان اليوم مع زوجته حالة الخوف من بقائه تحت التعذيب في المعتقل".
إخلال بالاتفاق
في شهر مايو/أيار 2018، توصلت لجنة المفاوضات في ريف حمص الشمالي إلى اتفاق يقضي بتهجير رافضي التسوية مع النظام السوري إلى مناطق الشمال، مع سعيها إلى إبقاء السكان ضمن المنطقة، حرصاً على تجنب التغيير الديموغرافي فيها. لكنّ النظام أخلّ بالعديد من الشروط التي جرى الاتفاق عليها مع اللجنة، ومنها عدم دخول قواته إلى المنطقة، بل نشر دوريات الشرطة العسكرية الروسية فقط.