أفراح مصرية في غزة

04 ديسمبر 2018
من أحد الأعراس (محمد الحجار)
+ الخط -

ما زال الغزيّون يتحمّسون لتنظيم الأعراس على الرغم من الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعيشونها. وهذه المناسبات تضفي على حياتهم بعضاً من الفرح، خصوصاً أنهم يحرصون على الزينة التقليدية والفلكلور الفلسطيني. لكن يُلاحظ مؤخراً تأثر بعضها بالأفراح المصرية الشعبية.

الأغنيات التي تصدح في الأحياء خلال حفلات الزفاف تنقل الغزيّين إلى مصر. وبات الغزيون يتفاعلون ويرقصون بطريقة مختلفة لا تتناسب مع تراثهم الفلسطيني الأصيل. وفي الكثير من الأحيان، ينظّم مكان الحفل على الطريقة المصرية. ويرى البعض أنه كان للطقوس الجديدة والأغنيات المصرية تأثير سلبي على المجتمع الغزي، خصوصاً أن فيها كلمات تشجع الشبان على معاكسة الفتيات، فيما تتضمن أخرى بعض الشتائم.

صالح الشريف، أحد أصحاب محال تأجير مسارح الأفراح ومتعهد حفلات، كان من أوائل متعهدي الأفراح الذين أدخلوا النمط المصري إلى الأفراح الغزية، خصوصاً خلال سهرات الشباب المختلفة، على غرار حفلات الشوارع أو حفلات وداع العزوبية وغيرها. ويلاحظ أن كثيرين يعمدون إلى تنظيم أفراح على الطريقة المصرية، التي كان هناك إقبال عليها. ويشرح الشريف أن الأفراح المصرية تعني أن شكل مكان الفرح يكون وفقاً للنمط المصري. ويرقص أصحاب العرس إلى جانب الفرقة، ويستعان ببعض المغنين المحليين الذين يغنون بعض الأغاني المصرية الشعبية أو "أغاني الشوارع". ويقول لـ "العربي الجديد" إن "الكثير من الغزيين يشاهدون الأفلام المصرية ولها جمهور كبير. وعادة ما يعجبون بالأفراح المصرية والأغنيات ويتفاعلون معها. لذلك، يرغب كثيرون في تنظيم أفراح مماثلة. فأدخلت الكوشة المصرية وأسلوب الإنارة من مصر عن طريق الأنفاق ما بين عامي 2007 و2008"، لافتاً إلى أنها تشهد إقبالاً كبيراً. ولا ينكر الشريف أن تنظيم الأفراح على الطريقة المصرية ينتقد من حين إلى آخر. على الرغم من ذلك، يلاحظ أن بعض الشباب يطلبون تنظيم تلك الأفراح، وبثّ بعض أغنيات الشوارع المصرية، وإن كان مضمون بعضها يحتوي على شتائم ومصطلحات جنسية.



من جهته، يقول الشاب أحمد نهاد (25 عاماً) إن الأغنيات المصرية تعطي روحاً جميلة للأفراح في غزة، وتُنسيهم همومهم اليومية ومظاهر القصف والدمار المؤلمة. ويؤيّد كثيرون الانفتاح على الأغاني المصرية كلون جديد يضاف إلى أفراح غزة، في ظل تشابه طقوس الأفراح الفلسطينية مع تلك اللبنانية والأردنية والسورية.



في المقابل، يُعارض الشاب بشار الفار (27 عاماً) الأفراح ذات النمط المصري، لافتاً إلى أنها لا تمثّل الثقافة الفلسطينية، وقد انعكست سلباً على المجتمع الغزي. ويرى أن المجتمع الغزي يعمد إلى تقليد الأفراح المصرية من دون النظر إلى عواقبها على الأطفال والشباب. ويقول لـ "العربي الجديد": "الفن بشكل عام والأغنيات بشكل خاص هي لتهذيب الناس والارتقاء في المجتمع. نحن في مجتمع محاصر ويعاني من أزمات كثيرة. لكنّنا نعتبر الغناء والأفراح متنفساً للابتعاد عن جو الأحزان الذي اعتدنا عليه". ويستغرب أن يرقص الناس على أغنية تقول: "ما فيش صاحب يتصاحب ما فيش راجل بقى راجل"، وأن يغني الأطفال: "آه يا بنت يا موزة. كأن هذه الأفراح عادية جداً". محمد مهنا (25 عاماً) ينتقد كذلك الأفراح المصرية التي تنظّم في القطاع، واصفاً إياها بـ "المزعجة". ويقول لـ "العربي الجديد": "للأسف، تبث هذه الأغنيات من دون أي اعتبار أو حرص على الأخلاق العامة. في ما مضى، لم نكن نرفع السكين خلال الرقص. لكن رفعه اليوم يعدّ من علامات الرجولة". 



في السياق، يقول صاحب فرقة أجيال للتراث الفلسطيني في غزة أيمن العبيد، إن طبيعة الأفراح المصرية في المجتمع الغزي تنتشر بصورة كبيرة من دون التطلّع للمحتوى الغنائي والرقص وتفاعل الحاضرين، علماً أنها تختلف مع العادات والتقاليد الفلسطينية التي تقتصر على الفلكلور الفلسطيني والأغاني التراثية ورقص الدبكة. يضيف لـ "العربي الجديد": "الموسيقى والطرب العربي يخلقان ذوقاً مجتمعياً راقياً تتعزز فيه الأخلاق. ولطالما كانت الأغنية العربية نموذجاً. وتتعرض الكثير من الفرق الموسيقية المصرية والمغنين الذين نقلدهم في أفراحنا إلى نقد كبير. يمكننا إغناء ثقافتنا الفلسطينية، لكن ليس بهذه الطريقة".




إلى ذلك، يرى الباحث الاجتماعي أشرف أبو طويلة أنّ دخول الثقافة المصرية للأفراح في غزة هو نتاج طبيعي في مجتمع يعيش تحت تأثير الصراعات والمشاكل النفسية والهموم، ما يدفع الشباب إلى اختيار هذا النمط، لأنهم عادة ما يحبون التميّز والتجديد، ويميلون لكل ما هو غريب وبعيد عن ثقافتهم، حتى لو كانت تحمل الكلمات السلبية والشتائم. ويقول لـ "العربي الجديد": "شباب غزة يميلون إلى تناسي الهموم عبر الموسيقى، وهذا أمر إيجابي في علم الاجتماع سعياً إلى التخلص من الأزمات الاجتماعية والنفسية الصعبة. لكن في الوقت نفسه، يجب النظر في تأثير محتواها. ففي غزة، نسبة العاطلين من العمل كبيرة. وهؤلاء الشباب يستمعون إلى الأغنيات للتفريغ عن أنفسهم، من دون التركيز على المضمون".
دلالات