لا يمكن الحديث عن انفراجات كبيرة في عام 2018 بالعراق، على الرغم من هزيمة تنظيم "داعش". وتستمرّ الأزمات في البلاد، من نزوح وغياب للخدمات واغتيالات وغيرها... لكنّ العراقيين ما زالوا يأملون.
التقدّم الكبير الذي حقّقه العراق في ملف الحرب على الإرهاب وتحرير كل المدن والأراضي العراقية، لم ينهِ المشكلات المتعلّقة بنقص الخدمات وتفاقم أزمة النازحين الإنسانية والتضييق على الحريات من قبل الفصائل والمليشيات المسلحة والاغتيالات التي طاولت ناشطين وكذلك ناشطات وفنانات وشخصيات نسوية تختلف هويّتها.
لكنّ ثمّة إيجابيات تبقى، من قبيل بروز التيار المدني المطالب بسنّ قوانين وتشريعات تضمن الحريات الشخصية للمواطن العراقي، وإفشال تمرير قانون في البرلمان يتعلق بالحريات والأحوال المدنية، إلى جانب رفع الكتل الإسمنتية التي كانت تُطبق على صدر بغداد منذ 15 عاماً وفتح أكثر من ألف شارع فيها وتفكيك ما يعرف بالمنطقة الخضراء.
عمليات الخطف
شهد عام 2018 عمليات خطف كثيرة كانت تنتهي عادة بقتل الضحايا. وطاولت تلك العمليات عشرات المدنيّين ورجال الأمن والناشطين في التيار المدني ونسويات فاعلات في مجال الحريات والحقوق المدنية. وتتّهم قوات الأمن العراقية تنظيم "داعش" وكذلك "مليشيات منفلتة" بالوقوف وراءها. من أبرز تلك العمليات خطف 10 أفراد من قوى الأمن وقتلهم بالقرب من كركوك (شمال)، وامرأتَين من الجنسية الفيليبينية في ديالى (شرق)، وثلاثة زعماء قبليّين في صلاح الدين (وسط)، و30 من رعاة الأغنام في نينوى (شمال)، و14 نازحاً كانوا في طريق عودتهم إلى مدينتهم قرب تلعفر (شمال غرب)، إلى جانب عدد من الأطباء في الأنبار (غرب) وبغداد. كذلك عُثر على جثث مجهولة كثيرة في بغداد، وقد وجّهت الشرطة أصابع الاتهام إلى مليشيات مرتبطة بإيران بالوقوف وراءها.
في السياق، أعلنت الشرطة والحكومات المحلية في المحافظات الشمالية والغربية العثور على أكثر من 150 مقبرة جماعية تضمّ رفات ضحايا قُتلوا على يد عناصر "داعش" وجماعات راديكالية أخرى على الأرجح. وقد شهدت البلاد حملة اغتيالات طاولت أكثر من 20 ناشطاً في بغداد والبصرة (جنوب)، لعلّ أبرزهم نساء من أمثال رفيف الياسري ورشا الحسن وسعاد العلي، وكذلك مراهقون اتهموا من قبل مليشيات بأنّهم من ذوي الميول الجنسية المثلية، مثل الطفل محمد المطيري في بغداد.
قرارات البرلمان
في عام 2018، أصدر البرلمان العراقي قوانين عدّة. ففي الخامس من مارس/ آذار الماضي، أُقرّ قانوناً يقضي بتسمية بابل (وسط) عاصمة العراق الحضارية، الأمر الذي يعزز الدورَين الحضاري والديني لمحافظة بابل ويساهم في تنشيط الحركة السياسية والثقافية والدينية في العراق. في اليوم نفسه، أُقرّ قانون حماية المدرّسين والمشرفين التربويين، الذي يهدف إلى حمايتهم من الاعتداءات وابتزاز العشائر في خلال قيامهم بأعمالهم في الإدارات الرسمية، وكذلك إلى رفع مستوى هؤلاء العلمي والمعيشي والصحي. وأُقرّ كذلك قانون يقضي بتسمية سامراء عاصمة العراق للحضارة الإسلامية، الأمر الذي يهدف إلى تعزيز الدورَين الحضاري والديني لمحافظة صلاح الدين وينشّط الحركة السياحية والدينية والثقافية في البلاد. إلى جانب تلك القوانين، يأتي قانون المختارين الذي يهدف الى إفساح المجال أمام شريحة أكبر للمساهمة في تقديم الخدمات للمواطنين في مناطق عملها، مع تعزيز دور هؤلاء المختارين كونهم حلقة الوصل بين المواطن والحكومة المحلية.
ملف النازحين
ولم يُحسَم ملف النازحين خلال العام الذي انقضى. صحيح أنّ بعض المهجّرين عادوا إلى قراهم وبيوتهم، إلا أنّ آخرين رفضوا العودة لأسباب أمنية بالإضافة إلى انعدام الخدمات في مناطقهم الأصلية. كذلك، سُجّل نزوح عكسي في بعض المناطق لأسباب عدّة. وفي السادس من مارس/ آذار الماضي، أعلن وزير الهجرة والمهجّرين جاسم محمد الجاف أنّ أسباباً عدّة تمنع عودة النازحين إلى ديارهم، منها الوضع العام في المناطق التي شهدت معارك ضارية، وخشية بعضهم من انعدام الخدمات والأمن، مشيراً إلى أنّ المبالغ المخصصة للنازحين في موازنة عام 2018 كانت ضئيلة. وفي 22 يوليو/ تموز الماضي، أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين عودة نحو خمسة آلاف نازح إلى مناطقهم الأصلية في مراكز وأقضية ونواحٍ ومناطق مختلفة من محافظة نينوى. وفي الرابع من سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة عودة نحو أربعة ملايين شخص نزحوا بسبب "داعش". كذلك أعلنت الوزارة عودة 724 نازحاً، أي ما يقارب 127 أسرة نازحة، من مخيمات عامرية الفلوجة والكيلو 18 إلى مناطق سكناهم الأصلية في قضاء القائم وجزيرة الرمادي في محافظة الأنبار غربيّ البلاد.
وشهدت البلاد موجات نزوح عكسية كذلك. ففي السابع من سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العراق عودة عكسية للنازحين من مناطق سكنهم الأصلية إلى مخيمات النزوح في مناطق مختلفة من العراق. وتؤكد المنظمة أنّ 1.9 مليون نازح تقريباً لن يتمكن معظمهم من العودة إلى ديارهم في وقت قريب.
تظاهرات
وشهدت البلاد في عام 2018 تظاهرات حاشدة، انطلقت في الثامن من يوليو/ تموز الماضي من جنوب العراق، إذ إنّ شرارتها كانت في البصرة، وذلك للمطالبة بتحسين واقع الخدمات العامة، خصوصاً المياه والكهرباء، وتوفير فرص عمل للشباب. وقد امتدّت التظاهرات لتشمل كل مدن جنوب العراق وصولاً إلى العاصمة بغداد. يُذكر أنّ التظاهرات خرجت عن السيطرة ولم يقبل المحتجون بالوعود التي أطلقها رئيس الحكومة السابقة حيدر العبادي، مطالبين بإنجازات حقيقية. وأحرق هؤلاء مقار الأحزاب والمليشيات والقنصلية الإيرانية، في وقت وقعت اشتباكات بينهم وبين القوى الأمنية التي استخدمت الرصاص الحيّ، ما تسبب في سقوط قتلى وجرحى.
وبصعوبة بالغة وتدخل سياسي، استطاعت الحكومة السابقة تهدئة التظاهرات من دون أن تخمد. وتجدّدت التظاهرات في ظل حكومة عادل عبد المهدي، انطلاقاً من البصرة كذلك، في ديسمبر/ كانون الأول المنصرم. وطالب المحتجون بتحسين الخدمات وتوفير فرص العمل للعاطلين من العمل، فأطلقت أجهزة الأمن النار معللة الأمر بأنّها اضطرت الى تفريقهم.
سيـول وإعمار
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، غمرت السيول الجارفة مناطق عراقية عدّة نتيجة الأمطار الغزيرة، ما أدّى إلى مقتل وإصابة أكثر من 200 شخص، كذلك ألحقت أضرارا كبيرة بمناطق كثيرة، ولا سيّما هدم عشرات المنازل.
من جهته، لم يسجّل ملف الإعمار في المحافظات العراقية التي شهدت معارك عسكرية، إنجازات كبيرة. لم تُزل مخلّفات الحرب وأنقاض المباني، كذلك تنعدم الخدمات خصوصاً في الجانب الأيمن من الموصل (شمال). فسُجّلت إنجازات بسيطة قياساً بحجم الخراب، من بينها، تأهيل ستة جسور في الموصل لإعادة الحياة الطبيعية الى المدينة، وهي جسر الموصل القديمة، والجسر الرابع، وجسر الخوصر، وجسر المثنى، وجسران آخران يربطان الجانب الأيمن بالأيسر. كذلك استحدث جسر عائم من قبل وزارة الدفاع، وآخر حديدي مؤقت بدلاً من الجسر الخامس إلى حين تأهيله.
وفي 16 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وضعت السلطات المحلية في الموصل حجر الأساس لمشروع إعادة بناء جامع النوري الكبير غربي المدينة، والذي تعرّض إلى التخريب والهدم على يد "داعش".
فتح المنطقة الخضراء
في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فتحت السلطات العراقية المنطقة الخضراء المحصّنة في قلب بغداد أمام المواطنين، بعد نحو 15 عاماً على تحصينها، ما يشير إلى تحسّن في الملف الأمني. فرُفعت أكثر من 100 ألف كتلة إسمنتية وفُتح أكثر من ألف شارع مغلق منذ بدء الاحتلال الأميركي في عام 2003.
في سياق متصل، يؤكّد خبراء أنّ عام 2018 الذي شهد حكومتين متعاقبتين، لم يكن على مستوى الطموح، ولا يمكن الحكم على الفترة المقبلة لأنّ الحكومة جديدة. من جهته، يقول الخبير السياسي مهند العوادي لـ "العربي الجديد" إنّ "البرلمان استطاع خلال العام الماضي تمرير قوانين عدّة مهمة، وهذا إنجاز يُحسب للبرلمان السابق". ويؤكد أنّ "الوضع العام للبلاد طوال العام الفائت لم يكن بمستوى الطموح"، موضحاً أنّ "ملف الإعمار سجّل فشلاً، ولم تستطع الحكومة التقدّم به، في حين تُعدّ إعادة فتح المنطقة الخضراء بادرة جيّدة". ويشير العوادي إلى أنّه "لا يمكن الحكم على الحكومة الجديدة كونها لم تحصل بعد على الوقت الكافي لتحقيق أي شيء".