ألغام في علب المعكرونة بسورية

04 ابريل 2017
يفككان لغماً (حسين ناصر/ الأناضول)
+ الخط -
يفيد "المعهد السوري للعدالة" بأنّ الجهات التي زرعت ألغاماً في الأراضي السورية هي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، يليه نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ثم الحزب الديمقراطي الكردي، إضافة إلى قوّات المعارضة في مناطق محدودة. ففي مدينة منبج وحدها، قضى نحو 210 أشخاص بسبب الألغام، 59 في المائة منهم من المدنيّين، فيما أصيب 350 آخرون.

يقول المتحدّث باسم المعهد، أحمد المحمد، لـ "العربي الجديد"، إن "الجهات التي تحارب داعش تملك خططاً للتخلص منه، من دون أن يكون هناك تفكير في كيفيّة التخلّص من مخلّفاته، كالألغام، ومعالجة الضحايا، وغيرها". يضيف أنّ الألغام التي صنعها داعش وزرعها كانت وما زالت الأخطر على حياة الناس، لافتاً إلى أنّها غير تقليدية، ويصعب كشفها، إذ تفنن التنظيم في تمويهها.

أمر يؤكّده طه، وهو من أهالي منبج السورية. يقول: "استخدم التنظيم كلّ شيء لتمويه ألغامه. وضع ألغاماً تحت علب من الكرتون، وبين أرغفة الخبز، وفي علب المعكرونة وغيرها". يروي قصة أحد المصابين: "عاد رب عائلة إلى منزله بعدما خرج التنظيم من منبج. وما إن حرّك صورة والده الموجودة على الحائط، حتّى انفجر لغم كان موضوعاً خلفها".

مع بداية مارس/آذار الماضي، هطلت أمطار غزيرة مصحوبة بحبّات برد على مناطق عدّة في الشمال السوري، من بينها مدينة الباب التي كان يسيطر عليها داعش، وما زالت مليئة بالألغام. فوجئ بعض الأهالي بسماع دوي تفجيرات في الأراضي المحيطة، ليتبين أنّ حبّات البرد أدت إلى انفجار عدد من الألغام، علماً أنّ مياه الأمطار ساهمت في تعطيل ألغام عدّة في المناطق المكشوفة. لكن الخطورة تكمن في الألغام المزروعة في البيوت.

واقتصرت عمليّات إزالة الألغام على مبادرات القوات العسكرية لأهداف عسكرية في معظم الأحيان، فيما لم تتدخّل فرق دوليّة متخصّصة حتى اليوم لإزالتها. يكشف مصدر ينتمي إلى منظّمة حقوقيّة سورية، بعد لقائه مسؤولاً في فريق تفكيك الألغام التابع للأمم المتحدة، أن الفرق الدولية لم تعمل على إزالة الألغام في سورية لحاجتها إلى إذن من الحكومة السورية، إذ هدّد النظام باستهداف فرق الأمم المتحدة حين طُرِح إزالة الألغام في مدينة تدمر السورية. يشار إلى أن الأمم المتحدة ليست مستعدة إلّا للمساهمة في مشاريع توعويّة حاليّاً.

إلى ذلك، أجبر ارتفاع عدد الضحايا مديريّة الدفاع المدني على التدخّل، رغم أنّها ليست متخصّصة في عمليّات من هذا النوع. يوضح مدير الدفاع المدني السوري، رائد الصالح، لـ "العربي الجديد"، أنّ "70 في المائة من الأراضي السورية اليوم مليئة بمخلفات الحروب، من ألغام وقنابل عنقودية وقنابل جدباء". ويوضح أن خطورة الألغام التي زرعها النظام السوري تكمن في عشوائيتها. أمّا الألغام التي زرعها داعش في الراعي والباب وجرابلس، على سبيل المثال، فتكمن خطورتها في كونها ألغام مبتكرة وغير تقليدية.



يضيف الصالح: "قبل نحو عام، بدأ الدفاع المدني تدريب أشخاص وتجهيز فرق متخصصة للتعامل مع مخلفات الحروب. أيضاً، أطلقنا حملات توعية شملت 600 ألف سوري حتى الآن في المستشفيات والمخيمات ومدارس الأطفال. ورغم أن فرقنا باتت مدربة، إلّا أنّنا فقدنا منذ نحو شهر أحد أفراد الدفاع المدني خلال تفكيكه لغماً، الأمر الذي أثّر سلباً على عمل الفريق. وهناك صعوبة كبيرة في التعامل مع الألغام التي يزرعها داعش في المناطق السكنية".

زهرة، وهي شابة سورية من قرية عون الدادات في شمال مدينة منبج، قضت عن عمر 28 عاماً بانفجار لغم زرعه داعش عند باب بيتها. تروي جارتها فاطمة تفاصيل ما حدث: "كان التنظيم يسيطر على قريتنا حين بدأت المعارك مع الأكراد. نزح أهالي القرية إلى الوديان المجاورة، وصارت القرية خط اشتباك. بعد نحو يومين، اتفقتُ وزهرة على أن نغامر ونعود إلى القرية لجلب بعض الذهب والمال، وتفقّد الأبقار. تسللنا إلى القرية وتوجهت كل منا إلى بيتها. ما إن وصلت إلى باب بيتي حتى سمعت صوت انفجار كبير من جهة منزلها، حتى إنني لم أسمعها تصرخ. ناديت عليها ولم ترد. لم أجرؤ على الاقتراب وعدت سريعاً إلى المكان الذي نزحنا إليه وأخبرت عائلتها بالأمر. لم أكن متأكدة من وفاتها، لكنها لم تعد".

تضيف فاطمة: "لم نستطع دخول القرية إلا بعد خمسة أيام، لنجد أشلاءها". تبيّن أنها توفيت بلغم زرعه التنظيم عند باب البيت. تتابع: "في قريتنا الصغيرة وحدها قضى 10 أشخاص بسبب هذه الألغام".

أما جابر (23 عاماً)، فيتحدّر من قرية العوسجلي الواقعة غرب مدينة منبج، والتي انتزعتها القوات الكردية من أيدي داعش. يقول: "بعدما سيطرت القوات الكردية على القرية، زرعت بعض الأراضي المحيطة بالألغام منعاً لتقدم داعش. كنت أعرف بوجود ألغام في المنطقة من دون أن أتمكن من تحديد أماكنها. في أحد أيام الشتاء، خرجت لجمع الحطب، وقصدت حرج الخاروفية. وبينما كنت أجمع الأغصان والأخشاب، انفجر لغم وأغمي علي. سمع الناس صوت اللغم وأسعفوني إلى الحدود ودخلت تركيا. حين صحوت، وجدت نفسي في مستشفى في غازي عنتاب، وقد بُترت ساقاي. اليوم، صرت في حاجة إلى رعاية، ولا أستطيع القيام بأي شيء وحدي. حاولنا التواصل مع منظمات عدة لتأمين أطراف اصطناعية من دون جدوى. بعد فترة، ركّبت طرفين جامدين مصنوعين من البلاستيك، تصنعهما إحدى المنظمات السورية. لكن بالكاد أستطيع المشي".