كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الخميس، عن الخطة الحكومية لـمواجهة الفقر بكلفة 8 مليارات يورو (9.3 مليارات دولار)، والتي كانت في صميم البرنامج الانتخابي له. والتي اعتبرها الناطق باسم الحكومة، بنجامين غريفو، خطة "ثورية".
ويريد ماكرون من خلال خطة مكافحة الفقر، التي كان من المفترض الإعلان عنها في بداية يوليو/تموز الماضي، تجاوز كثير من سوء الفهم لطريقته في الحكم، كما يريد التخلص من صورة "رئيس الأثرياء" التي ألصقت به، والتي جعلت غالبية الفرنسيين (79 في المائة)، وفق استطلاع للرأي نشر اليوم الخميس، لا يثقون في سياساته بشكل عام، ولا يتوقعون أن تُحسّن من وضعيتهم الاقتصادية، كما أن 72 في المائة لا يتوقعون تحسنا في النظام الصحي، و54 في المائة يرون أنه فشل في "توفير الحماية للضعفاء".
وشدّد الرئيس، في خطاب حماسي على أن "الفقر لا يجب أن يتحول إلى إرث"، مضيفاً: "أن تكون فقيرا، فمعناه أنك تكافح على جبهات عديدة، ولهذا يجب شنّ حرب جديدة". متحدثا عن "تغيير النموذج الاجتماعي الفرنسي، لأنه لا يُقدّم الوقاية ولا يُساعد على اجتثاث الفقر".
وفصّل ماكرون خطته ضد الفقر، والتي قُدّرت كُلفتها بـ8 مليارات يورو في أربع سنوات، والتي ستدخل حيّز التنفيذ في الأول من يناير/كانون الثاني 2019، ومن بين ما تضمنته، زيادة دور حضانة الأطفال في الأحياء الفقيرة (الانتقال من 40 إلى 300 دار حضانة)، وزيادة عدد المستفيدين من نظام "التغطية الصحية الشاملة".
وتشمل الخطة مراجعة المساعدات الاجتماعية التي تقدمها الحكومة، والغرض منها تأمين الحد الأدنى للعيش، والذي عادة لا يسمح بالوصول إلى عتبة الفقر، ولكنه يمنح موارد ضرورية من أجل البقاء على قيد الحياة والإفلات من الفقر الشديد.
كما تضمنت تمديد إلزامية التكوين من سن السادسة عشرة إلى الثامنة عشرة، وتعميم إجراء "ضمانة الشباب" بالنسبة لمن هم بين 16 و25 سنة والبعيدين عن الشغل، بحيث سيشمل 500 ألف شخص قبل نهاية ولايته، مقابل 100 ألف شخص حاليا.
ورأى المتحدث باسم الحكومة، بنجامين غريفو، الذي قدم الخطة باعتبارها "خيارا سياسيا قويا من طرف الرئيس ماكرون. في فترة تتشدد فيها الحكومة فيما يخص الإنفاق العمومي"، أنه كان من الملحّ التشديد على توفير المُرافَقَة للأشخاص المتواجدين في وضعية هشاشة.
وهكذا تتضمن "ّخطة مكافحة الفقر" خطوات مهمة، منها تقصيرُ المدّة التي يستغرقها اللقاء الأول من أجل الاستفادة من دخل التضامن الفعّال، الذي يستفيد منه الأشخاص الذين لا مورد لهم أو من يتوفرون على مورد متواضع.
كما أن بين العناصر الأساسية في هذه الخطة، استمرار إلزامية التكوين حتى سن الثامنة عشرة، وهي "طريقة لمكافحة الفشل المدرسي". إضافة إلى أن المساعدة الاجتماعية للطفولة ستشمل حتى الشباب البالغين ممن تتراوح أعمارهم ما بين 18 و21 سنة.
ومن جهة أخرى، اعتبر المسؤول الحكومي أن هذه الخطة تختلف عمّا فعلته الحكومات السابقة المتعاقبة التي لم تعالج سوى الأعراض، ولم تتصدَّ للأسباب العميقة التي جعلت الناس تسقط في الفقر. وفسّر الأمر، في الوقت الراهن، بوجود العديد من المواطنين الذين يحصلون على "دخل التضامن الفعّال"، خلال سنوات، دون أن يخرجوا منه (من الفقر ومن التبعية لمساعدات الدولة). ولخّص مأساوية الوضع: "حين تكون أباً فقيراً فإن ثمة حظوظا كبيرة في أن يصبح أبناؤك، بدورهم، آباءً فقراء".
ومن الحلول الملموسة، التي كان ينتظرها طالبو مساعدات الدولة، تقصير فترة الانتظار الطويلة التي يجب على طالب "دخل التضامن الفعّال" قضاءَها، والتي كانت تمتد خلال أكثر من ستة أشهر، للحصول على الموعد الأول، وهي حالة مأساوية، لأنّ ما يقرب من "30 في المائة ممن لهم الحقّ في هذه المساعدة لا يصلون حتى إلى تقديم الطلب". و"من الآن فصاعدا، ففي شهر واحد، على أبعد تقدير، سيكون المستفيد الجديد قد أجرى لقاءً لتحديد كفاءاته وأيضا حاجياته في ميادين التكوين والصحة والسكن".
وفي ما يخص المرافقة نحو الشغل، يجيب المسؤول الحكومي بأن 140 ألف شخص يستفيدون، اليوم، من "الإدماج بواسطة النشاط الاقتصادي". وهي عبارة عن عقود حول مشاغل وورش ومحترَفات أو مع جمعيات. وسوف تضاف 100 ألف أخرى، خلال ولاية ماكرون الحالية. كما ستقوم الحكومة الحالية بخلق "ضمانة خدمة"، سوف تتيح، سنويا، لـ300 ألف شخص من طالبي الشغل، المتابَعة والمرافقة نحو الخدمة.
ويظهر الشباب في صلب الخطة الجديدة لمكافحة الفقر، وقال: "لن نتخلى عن الشباب في حالة هشاشة بعد وصولهم إلى سن البلوغ. إذ على الرغم من بلوغهم سيكون من الممكن الاستفادة من المساعدة الاجتماعية للطفولة حتى سن الحادية والعشرين".
وفيما يخص الأطفال، الذين يعيش خُمسهم تحت عتبة الفقر، تنص الخطة على توفير 30 ألف مكان في دور الحضانة. وأيضا على مساعدة العائلات من أجل الحصول على حارسة أطفال. كما ستقوم الحكومة بتوزيع طعام الإفطار على تلاميذ المدارس الابتدائية في الأحياء الفقيرة، حيث ينتشر مرض السمنة، بسبب عدم تناول هؤلاء الأطفال نظاما غذائيا متوازنا، أو عدم تناولهم أي شيء. كما أن وجبة الطعام الواحدة لن تكلِّفَ العائلات الفقيرة أكثر من يورو واحد.
واعترف غريفو بتزايد كبير في عدد الراغبين في التعليم بنسبة 45 في المائة، مقارنة مع العام الماضي، بسبب الوعود الحكومية بمنح تعويضات أكبر، وبالمساعدة على الحصول على رخصة السياقة، إضافة إلى إدخال المرونة في ولوج التلقي.
ومن أجل رسم أهداف محددة للحد من الفقر، يعترف المسؤول الحكومي بحقيقة تواجد نحو مليونين من المستفيدين من "دخل التضامن الفعال"، وثلاثة ملايين طفل تحت عتبة الفقر، وتسعة ملايين، تقريبا، من الفقراء، ويؤكد بأنه "إذا استطاعت الحكومة التقليص من عدد ونسبة الفقراء الحاليين، فإن الأمر سيُعتَبَر نجاحاً".