السجناء في البال

22 ديسمبر 2015
يدرك المهندس الشاب صعوبة التسويق لمشروعه (حسين بيضون)
+ الخط -

يأمل المهندس اللبناني الشاب جاد الحاج أن يجد مشروع "مركز التأهيل النموذجي" الذي أعدّه للجامعة، طريقه إلى التنفيذ. وكان الحاج قد تعمّق في أنظمة العقاب الحديثة، من أجل بناء منظومة تأهيل للسجناء تعتمد نظام التدرج في إعادة السجين إلى المجتمع.

أنهى الحاج دراسة الهندسة في الجامعة اللبنانية فيما كانت عمليات التمرد تحصل في السجون، وأبرزها سجن رومية المركزي، شمال العاصمة بيروت. يُذكر أن 11 حادثاً أمنياً سُجّل في سجن رومية وحده، خلال فترة دراسة جاد (2011-2015)، تخللها سقوط قتيلين بين السجناء وإصابة العشرات بجروح، خصوصاً خلال اقتحام قوى الأمن للسجن.

يقول لـ"العربي الجديد": "قررت ألّا يكون مشروع التخرج من الجامعة عادياً، فبدأت بإعداد بحث مطول عن مراكز التأهيل الحديثة وأثر البنية الهندسية للسجون على تحقيق مبدأ إعادة تأهيل المجرمين". وبدأ العمل على مشروع معماري "يراعي الظروف والقوانين والأسس المتعلقة بالسجون، ويحقق في الوقت نفسه مفهوم تأهيل المحكومين بدلاً من حبسهم فقط".

ساعدت نشاطات "العلاج بالدراما" التي نظمتها المخرجة اللبنانية زينة دكاش في السجون اللبنانية، الحاج في "التأكيد على أنّ السجين الذي ارتكب جرماً ما زال قادراً على الإنتاج الفني ولعب دور في مجتمعه بعد انتهاء فترة السجن". وهو كان قد تابع فيلم "اثنا عشر رجلاً لبنانياً غاضباً" الذي أخرجته دكاش ومثّل فيه سجناء من رومية في عام 2009، وفيلم "يوميات شهرزاد" في سجن بعبدا للنساء في عام 2013. كذلك تابع التقارير التلفزيونية التي كشفت الجانب الفني لسجناء رومية، من خلال حصص الموسيقى والغناء التي تقدمها جمعيات مدنية.

قادته الأبحاث إلى إعداد مشروع مركز تأهيل في داخل المدينة وليس في ضواحيها. هو مشروع تتقاطع فيه بحسب ما يشرح، "الوظيفة الاجتماعيّة للمؤسسات العقابية في الفكر الجنائي الحديث مع تحقيق هذه الوظيفة في مشروع هندسي قابل للبناء في لبنان".

اختار الحاج منطقة كورنيش النهر (أحد مداخل العاصمة الشمالية) لبناء المركز "وهي منطقة صناعية تراعي الاعتبارات الأمنية للمركز الممتد على مساحة عشرة آلاف متر مربع، وتضمن عدم تأثر المحيط السكاني سلباً بالمشروع". كذلك فإنها تراعي "تأمين حد أدنى من التفاعل بين السجين والمجتمع المحيط به". ويتألف المشروع من ثلاث طبقات "تمثل مراحل إعادة التأهيل الثلاث التي يقوم عليها نظام المركز". وهي مراحل تؤمّن، بحسب الحاج، انتقال السجين من وضعية العقاب إلى إعادة الدمج مع المجتمع، بدل الاكتفاء بالحبس وخروج السجين بعد إتقانه مختلف أنواع الجرائم داخل السجن.

اقرأ أيضاً: عاملات المنازل في لبنان لا يرغبن في الانتحار

لا يشبه مشروع الحاج أياً من السجون والنظارات القائمة في لبنان وعددها 32، لا في الشكل ولا في المضمون. تبلغ قدرته الاستيعابية القصوى 300 محكوم، يتوزعون بالتساوي بين مراحل التأهيل الثلاث، في حين يتجاوز عدد نزلاء سجن رومية وحده ستة آلاف سجين، على الرغم من أنّ قدرته الاستيعابية هي 2500 نزيل.

وقد أحاط الحاج مشروعه بمساحات خضراء وألغى استخدام القضبان الحديدية بالكامل، مستعيضاً عنها بنوع خاص من الزجاج غير قابل للكسر. ويشير إلى أنّ "لجنة التحكيم الجامعية توقفت عند ذلك، مطولاً خلال النقاش. لكنني أكدت لهم أنّ كلّ ما في المركز، وحتى الزجاج، يراعي المخاطر الأمنية وخطر اندلاع حريق".

تبدأ المرحلة الأولى لمشروع إعادة التأهيل في طبقة كاملة تحت الأرض، يقيم فيها المحكوم في غرفة منفردة مع حمام خاص ومساحة خضراء صغيرة، من دون أي اتصال بالمجتمع المحيط بالمشروع. أما المرحلة الثانية فينقل السجين خلالها إلى غرفة أوسع فوق الأرض يتشاركها مع زميل له، بمساحة زجاجية تسمح له بالاتصال بالمحيط الخارجي. وفي المرحلة الثالثة يُمنح السجين مزيداً من الامتيازات في التنقل عبر أدراج مفتوحة والاستفادة من المساحة الخضراء المحيطة بطبقات المركز. وهذه المرحلة الأخيرة تجري في الأشهر القليلة قبل انتهاء المحكومية، وتمهّد لاندماج سلس مع المجتمع.

يُذكر أنّ السجناء يستفيدون خلال المراحل الثلاث بحمامات خاصة بهم، وصفوف ومحترَفات للعمل والإنتاج. ويقود شكل المشروع الخارجي المتجه صعوداً بزوايا غير حادة، إلى برج للمراقبة يُشرف على كل أقسام المركز.

يدرك المهندس الشاب صعوبة التسويق لمشروعه في لبنان، لكنه يأمل في أن يتمكن من تقديمه لوزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بعد إعلان الأخير عن تخصيص 55 مليون دولار أميركي لتأهيل السجون اللبنانية. كذلك كان المشنوق قد أعلن عن "تخفيض عدد المساجين في كل زنزانة إلى ثلاثة فقط، ووضع صناديق شكاوى في كل طبقة وتطوير آليات الرقابة الأمنية فيها، بالإضافة إلى استعجال بناء مبنى خاص بالسجناء ذوي الخصوصية الأمنية، المتوقع إنجازه في يونيو/ حزيران 2016، وبناء سجون جديدة في الجنوب والبقاع (شرقاً) خلال سنتين". وهي المرة الأولى منذ عام 1962 التي تخصص فيها الحكومة موازنة لبناء سجون.

اقرأ أيضاً: "خخخخ" قصة للأطفال ليست عن حرف الخاء 
دلالات