لطالما عانى شبان عراقيون من نظرة سلبية تجاههم، من قبل نسبة كبيرة من المجتمع. نظرة لا تخلو من احتقار، تمكنوا من استبدالها تماماً حين أنجحوا الاحتجاجات من دون خوف من القمع الذي قتل كثيرين منهم، وأصاب عدداً آخر، وأدى إلى اعتقالات عديدة في صفوفهم. كلّ ذلك جعلهم محطّ أنظار الجميع، بل مصدر فخر لدى أولئك الذين كانوا يحتقرونهم بالذات. فهؤلاء الشبان لم تكن تتوقع شريحة واسعة من المجتمع العراقي منهم شيئاً، ولطالما عايرتهم بالاهتمام فقط بقصات الشعر الغريبة وارتداء السراويل الممزقة، ونقش الوشوم على مناطق ظاهرة من أجسادهم، والالتهاء المطلق بألعاب الفيديو والألعاب الإلكترونية. مع ذلك، باتوا اليوم، خارج كلّ التوقعات، رموزاً يفتخر بها كثيرون.
في ساحة التحرير ببغداد، صباح يوم الجمعة 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، التقطت ولاء جعفر مجموعة من الصور بكاميرا هاتفها المحمول، مع شبان كانوا يشاركون في الاحتجاجات. قالت لهم يومها إنّهم "عظماء"، وأخبرتهم بأنّها تعلمت منهم دروساً عديدة في الشجاعة والوطنية والإنسانية والتربية أيضاً، بحسب قولها. تقول ولاء، لـ"العربي الجديد"، إنّها فوجئت بالصورة الإيجابية التي عكسها المتظاهرون الشبان، الذين كانت تصفهم سابقاً بأنّهم "متخلفون" و"غير مدركين". وتشير أيضاً إلى أنّها كانت تعتبر في فترة قريبة أنّ هؤلاء الشبان "في حاجة إلى حملة حكومية لزجهم في مصحات خاصة لتأهيلهم". كلّ هذا لأنّ تصرفاتهم كانت تعتبرها "غير لائقة"، بل تذهب إلى أبعد من هذا وتقول: "كنت أفكر كثيراً كيف سيكون حال بلدنا مستقبلاً بوجود هؤلاء الشبان، نظراً إلى أنّ الشباب هم عماد مستقبل أيّ بلد في أيّ زمان ومكان".
لكنّ ولاء، التي تشاطرها رأيها صديقتها ميادة، فرحت كثيراً بالجيل الشاب، وتقول ميادة: "لقد علمنا هؤلاء الشبان درساً مهماً مفاده ألا ننظر للمظهر الخارجي ونحكم عليه، بل لا بدّ من النظر إلى الأفعال وحدها، فالرجل الحقيقي يظهر معدنه في وقت الشدة، وقد أثبت شباننا هؤلاء الذين كنا نحتقرهم أنّهم خير الرجال".
اقــرأ أيضاً
في هذا الإطار، باتت مواقع التواصل الاجتماعي في العراق تتغنى ببطولات هؤلاء الشبان، والأكثر إدهاشاً أنّ هذه الفئة من الشبان اعتبرها كثيرون رمزاً للثورة والوطن، وتناقل كثيرون أهزوجة قيلت بحقهم مفادها "اليوم الكذلة (خصلة الشعر الطويلة) تسولف (تتكلم)، خلي عكالك للدكات (اترك عقالك للنزاعات العشائرية)". ومعنى الأهزوجة وهي موجهة لكبار القوم من شيوخ العشائر المعروفين بلباسهم التقليدي العربي، ومنه العقال، أنّ فعل الرجال اليوم هو لأصحاب الشعر الطويل، في إشارة إلى الشبان الذين ينظر إليهم كثيرون بفوقية واحتقار. وتتابع الأهزوجة أنّ على زعماء القبائل، في الوقت الراهن، التفرغ لحل النزاعات القبلية وحدها، والعبارة تعتبر قاسية بحق شيوخ العشائر، إذ تلغي دورهم التقليدي، كونهم لم يكونوا حاضرين في الاحتجاجات التي تتطلب وقفة الرجال، على العكس من هؤلاء الشبان الذين قادوا وأنجحوا الاحتجاجات.
من بين آلاف المتظاهرين الذين أصيبوا في الاحتجاجات التي شهدتها بغداد مطلع الشهر الجاري، الشاب محمد عبد الرحمن (19 عاماً)، الذي نصحه الطبيب بملازمة الفراش بسبب الأورام التي ما زالت آلامها تنتابه، وبسبب رضوض عديدة في قدميه وأجزاء من جسده، فضلاً عن جرح في رأسه لم يندمل بعد، لكنّ هذا الشاب كان حاضراً بين المحتجين في التحركات التي تجددت الجمعة.
اقــرأ أيضاً
محمد، الذي نقش وشماً لأفعى على رقبته، ووشوماً أخرى على ذراعيه، يقول إنّه لم يعد يأبه بالموت، بل يشعر بسعادة غامرة منذ تعرض للإصابة في ثالث أيام الاحتجاجات، مبيناً: "لم أسمع من قبل كلمات الإشادة من أحد. صرت بين أهلي وأقاربي وجيراني أنادى بالبطل، بل إنّ أشخاصاً لا أعرفهم من بينهم نساء حين رأوني أشارك مجدداً في الاحتجاجات برأسي المعصوب ويظهر عليّ الألم، أبدوا مشاعر الاحترام، خصوصاً حين علموا أنّ الإصابة كانت من جراء مشاركتي بالاحتجاجات".
أما رشيد الصالحي (58 عاماً)، فيرى أنّ "شباب البوبجي أثبتوا أنّهم أكثر وطنية من غيرهم ولن نزايد على رجولتهم وشجاعتهم ووطنيتهم بعد اليوم". ويطلق العراقيون تسمية "شباب البوبجي" على هذا الجيل، نسبة إلى لعبة "بوبجي" المشهورة على الهواتف الذكية، إذ بات كثير من الشبان لا يلقون بالاً لأيّ أحداث، وينقطعون عن العالم لممارسة هذه اللعبة، والتسمية هنا تأتي في سياق تحقير الشخص. يضيف الصالحي الذي يسكن في منطقة باب الشيخ القريبة من مواقع الاحتجاجات في منطقة الباب الشرقي، وسط بغداد، لـ"العربي الجديد": "كنت أقف على ناصية الشارع وأراقبهم كيف استنفروا للمشاركة في الاحتجاجات. لقد كانوا أبطالاً فعلاً، كلما سمعوا بسقوط عدد أكبر من القتلى والجرحى زادت حماستهم لمواصلة الاحتجاجات. فرضوا علينا جميعاً احترامهم. سيذكرهم التاريخ بأنّهم الأبطال الذين واجهوا الموت بصدور عارية وأيادٍ تحمل علم العراق".
في ساحة التحرير ببغداد، صباح يوم الجمعة 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، التقطت ولاء جعفر مجموعة من الصور بكاميرا هاتفها المحمول، مع شبان كانوا يشاركون في الاحتجاجات. قالت لهم يومها إنّهم "عظماء"، وأخبرتهم بأنّها تعلمت منهم دروساً عديدة في الشجاعة والوطنية والإنسانية والتربية أيضاً، بحسب قولها. تقول ولاء، لـ"العربي الجديد"، إنّها فوجئت بالصورة الإيجابية التي عكسها المتظاهرون الشبان، الذين كانت تصفهم سابقاً بأنّهم "متخلفون" و"غير مدركين". وتشير أيضاً إلى أنّها كانت تعتبر في فترة قريبة أنّ هؤلاء الشبان "في حاجة إلى حملة حكومية لزجهم في مصحات خاصة لتأهيلهم". كلّ هذا لأنّ تصرفاتهم كانت تعتبرها "غير لائقة"، بل تذهب إلى أبعد من هذا وتقول: "كنت أفكر كثيراً كيف سيكون حال بلدنا مستقبلاً بوجود هؤلاء الشبان، نظراً إلى أنّ الشباب هم عماد مستقبل أيّ بلد في أيّ زمان ومكان".
لكنّ ولاء، التي تشاطرها رأيها صديقتها ميادة، فرحت كثيراً بالجيل الشاب، وتقول ميادة: "لقد علمنا هؤلاء الشبان درساً مهماً مفاده ألا ننظر للمظهر الخارجي ونحكم عليه، بل لا بدّ من النظر إلى الأفعال وحدها، فالرجل الحقيقي يظهر معدنه في وقت الشدة، وقد أثبت شباننا هؤلاء الذين كنا نحتقرهم أنّهم خير الرجال".
في هذا الإطار، باتت مواقع التواصل الاجتماعي في العراق تتغنى ببطولات هؤلاء الشبان، والأكثر إدهاشاً أنّ هذه الفئة من الشبان اعتبرها كثيرون رمزاً للثورة والوطن، وتناقل كثيرون أهزوجة قيلت بحقهم مفادها "اليوم الكذلة (خصلة الشعر الطويلة) تسولف (تتكلم)، خلي عكالك للدكات (اترك عقالك للنزاعات العشائرية)". ومعنى الأهزوجة وهي موجهة لكبار القوم من شيوخ العشائر المعروفين بلباسهم التقليدي العربي، ومنه العقال، أنّ فعل الرجال اليوم هو لأصحاب الشعر الطويل، في إشارة إلى الشبان الذين ينظر إليهم كثيرون بفوقية واحتقار. وتتابع الأهزوجة أنّ على زعماء القبائل، في الوقت الراهن، التفرغ لحل النزاعات القبلية وحدها، والعبارة تعتبر قاسية بحق شيوخ العشائر، إذ تلغي دورهم التقليدي، كونهم لم يكونوا حاضرين في الاحتجاجات التي تتطلب وقفة الرجال، على العكس من هؤلاء الشبان الذين قادوا وأنجحوا الاحتجاجات.
من بين آلاف المتظاهرين الذين أصيبوا في الاحتجاجات التي شهدتها بغداد مطلع الشهر الجاري، الشاب محمد عبد الرحمن (19 عاماً)، الذي نصحه الطبيب بملازمة الفراش بسبب الأورام التي ما زالت آلامها تنتابه، وبسبب رضوض عديدة في قدميه وأجزاء من جسده، فضلاً عن جرح في رأسه لم يندمل بعد، لكنّ هذا الشاب كان حاضراً بين المحتجين في التحركات التي تجددت الجمعة.
محمد، الذي نقش وشماً لأفعى على رقبته، ووشوماً أخرى على ذراعيه، يقول إنّه لم يعد يأبه بالموت، بل يشعر بسعادة غامرة منذ تعرض للإصابة في ثالث أيام الاحتجاجات، مبيناً: "لم أسمع من قبل كلمات الإشادة من أحد. صرت بين أهلي وأقاربي وجيراني أنادى بالبطل، بل إنّ أشخاصاً لا أعرفهم من بينهم نساء حين رأوني أشارك مجدداً في الاحتجاجات برأسي المعصوب ويظهر عليّ الألم، أبدوا مشاعر الاحترام، خصوصاً حين علموا أنّ الإصابة كانت من جراء مشاركتي بالاحتجاجات".
أما رشيد الصالحي (58 عاماً)، فيرى أنّ "شباب البوبجي أثبتوا أنّهم أكثر وطنية من غيرهم ولن نزايد على رجولتهم وشجاعتهم ووطنيتهم بعد اليوم". ويطلق العراقيون تسمية "شباب البوبجي" على هذا الجيل، نسبة إلى لعبة "بوبجي" المشهورة على الهواتف الذكية، إذ بات كثير من الشبان لا يلقون بالاً لأيّ أحداث، وينقطعون عن العالم لممارسة هذه اللعبة، والتسمية هنا تأتي في سياق تحقير الشخص. يضيف الصالحي الذي يسكن في منطقة باب الشيخ القريبة من مواقع الاحتجاجات في منطقة الباب الشرقي، وسط بغداد، لـ"العربي الجديد": "كنت أقف على ناصية الشارع وأراقبهم كيف استنفروا للمشاركة في الاحتجاجات. لقد كانوا أبطالاً فعلاً، كلما سمعوا بسقوط عدد أكبر من القتلى والجرحى زادت حماستهم لمواصلة الاحتجاجات. فرضوا علينا جميعاً احترامهم. سيذكرهم التاريخ بأنّهم الأبطال الذين واجهوا الموت بصدور عارية وأيادٍ تحمل علم العراق".