ترفض زهرا صديقي عزل الأشخاص ذوي الإعاقة في إيران، وتسعى إلى حلّ مشكلات هؤلاء. بالنسبة إليها هذه قضية كبرى، وهو الأمر الذي يجعلها استثنائية.
لم ترضخ الإيرانية زهرا صديقي لواقعها وتلازم المنزل لأنّه من الصعب عليها التحرك والتنقّل، بل راحت تعمل على الرغم من أنّها على كرسيّ متحرك. وهي كانت قد تابعت دراستها الجامعية وخاضت تحدياً كبيراً إذ نشطت في حملة تدعو إلى التصويت على مشروع قانون يدعم الأشخاص ذوي الإعاقة.
وصديقي البالغة من العمر 38 عاماً درست برمجة الحاسوب، وتصف نفسها بأنّها حرّة وتطير كما الفراشة وكأنّها ليست على كرسيّ متحرك. وهذا كله لأنّها تملك دراجة نارية صممتها بنفسها وبالطريقة والمواصفات اللازمة بمساعدة مهندسين وخبراء. وعلى الرغم من أنّ لا يُسمح للمرأة في إيران بالحصول على رخصة لقيادة الدراجات النارية، فإنّها تقودها اليوم في كل أنحاء مدينة مشهد حيث تسكن وتتنقل بها بين المدن. فهي تحوّلت إلى رمز يدعم الأشخاص ذوي الإعاقة.
لطالما واجهت صديقي صعوبات في التنقل، لذا خلال دراستها خطرت في بالها فكرة اختراع وسيلة نقل مناسبة لها. وتشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّه "لا يمكن القول إنّ أفراد المجتمع لا يساعدون الأشخاص ذوي الإعاقة أو يتعمّدون رفض ذلك، فأصحاب سيارات الأجرة وسائقو النقل العام يتوقفون لي ولأمثالي بصعوبة. ليس من السهل أن أستقل سيارة مع كرسيّ المتحرك".
وصديقي التي تبدو إيجابية جداً في تعاطيها مع مشكلتها، رأت أنّ الدراجة النارية هي التي تحلّ أزمتها. لكنّ الدراجات الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة تنطوي على مشكلات كثيرة، إذ يجب أن يكون شخص إلى جانبها لمساعدتها في حمل الكرسي بعد نزولها منه وركوب الدراجة، ووضعها على متنها. من هنا، فكرت ملياً بتصميم جديد. وراحت تزور مواقع إلكترونية خاصة بشركات عدّة وغير ذلك، لتعلم كيفية الحصول على وسيلة تؤمن لها الحركة، "فأنا أريد إكمال حياتي". وبعد الأبحاث، أجرت اتصالات كثيرة وتواصلت مع باحثين ومهندسين وظلت تقارن أشكال الدراجات المتوفّرة في السوق حتى وصلت إلى التصميم الذي تريده في ذهنها. وتشرح أنّ ذلك التصميم يتيح لها الصعود لوحدها وهي على كرسيها، لتقود الدراجة كذلك وهي على الكرسي المتحرك. ووجدت المكان المناسب الذي لصناعة ما تريد، فصاحب متخصص في دراجات ذوي الإعاقة. وبعد تبادل للأفكار، وصلت إلى ما تبتغيه بدقة.
تسلمت صديقي دراجتها بعد ستة أشهر من طلبها، "ليبدأ التحدي الحقيقي"، تحدي النزول إلى الشارع لتقود الدراجة النارية. وتؤكد أنّ "أفراد عائلتي جميعاً دعموني ووقفوا إلى جانبها، على الرغم من بعض التحفظ الذي يعود إلى تخوّف، فأنا امرأة والسلطات في إيران لا تمنح رخصة قيادة دراجات نارية للنساء. لكنّ إصراري أقنع أفراد العائلة فكانوا في صفي".
تتابع صديقي: "ركبت دراجتي وشعرت بأنّني دخلت حياة جديدة. ولا يمكن لأحد أن يفهم هذا الشعور إلا إذا كان من أمثالي". وتوجّهت صديقي إلى المركز الذي يمنح رخص قيادة وشرحت مشكلتها وأكدت للمعنيين أنّها تجد صعوبة كبيرة في التنقل. وقد لاقت تعاوناً وتضامناً من قبل المعنيين معها، مؤكدة أنّهم حاولوا مساعدتها. لكنّ القانون عرقل ذلك ولم تحصل على الرخصة، غير أنّه سُمِح لها بقيادة دراجتها شريطة عدم إلحاق الضرر بنفسها ولا بالآخرين. وصارت صديقي تتحرك براحة كبيرة، ومشيرة إلى أنّ ذلك أعطى دفعاً إيجابياً للأشخاص على الكراسي المتحركة، والذين يعانون من عدم توفر وسائل نقل مناسبة لهم. يُذكر أنّ تصميمها هذا ربّما يتحوّل مستقبلاً إلى دراجة نارية معتمدة.
تقول صديقي: "سوف أعيش لمرّة واحدة، لذا عليّ أن أحيا مثلما أريد. لكن حين يفتقر المرء إلى قدمَين ليتحرّك بهما، فإنّه من الصعب جداً تحقيق هذا. لكنّني لن أنزوي ولن ألازم المنزل، لأجلي ولأجل أمثالي". وتؤكد أنّ الذين يصادفونها في الشارع يدعمونها على الرغم من استغرابهم. هم شجّعوها لأنّها امرأة تقود دراجة نارية ولأنها لم تستسلم على الرغم من إعاقتها. وهو الأمر الذي كان كفيلاً لحثّها على الاستمرار. أمّا الذين وجّهوا لها ملاحظات سلبية فهم قلة قليلة.
في خطوة لاحقة، استطاعت صديقي الاجتماع مع مجموعة من الأصدقاء من ذوي الإعاقة، ليتابعوا معاً ملف مشروع قانون يتعلق بحقوقهم كان قد وصل إلى مجلس الشورى الإسلامي قبل أكثر من 12 عاماً. اجتمع هؤلاء واتفقوا مع أمثالهم في مدن أخرى، وعملوا لمدّة ليست قصيرة بهدف جمع تواقيع لعريضة تحمل النواب على إعادة مناقشة مشروع يضمن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. وقبل مدة، صوّت النواب على المشروع بالإيجاب، ودخل حيّز التطبيق العملي، على أن يتحول إلى قانون فاعل وملزم قريباً جداً.
وتوضح صديقي أنّ المشروع الذي تحول إلى قانون ما زال في حاجة إلى دعم إعلامي، في حين يجب تسليط الضوء أكثر على مشكلات الأشخاص ذوي الإعاقة التي لا يمكن إحصاؤها. تضيف أنّ "مشكلة وسائل النقل والطرقات غير المجهزة لا سيّما في المناطق الريفية والمدن الصغرى، من أبرز المسائل التي تعترضنا جميعاً، وليس فقط من هم على كراس متحركة"، لذا تطالب بمزيد من الاهتمام، لعلّ ذلك يؤدّي إلى حلول وتطبيق أمثل للقانون. والحملة لم تكن فقط لجمع التواقيع ولا يجب أن ينتهي عمرها هنا". تجدر الإشارة إلى أنّ درّاجة صديقي ساعدتها كثيراً في الحملة لجمع تواقيع الأشخاص ذوي الإعاقة وداعميهم، وكذلك من المسؤولين.
وتشير صديقي إلى أنّه "نحن شباب، وحالنا كحال بقية الشباب الإيرانيين. فنحن نعاني من المشكلات ذاتها، وعلى الجميع أن يعرفوا أنّ ثمّة مشكلات تضاف إليها تتسبب فيها إعاقاتنا. بالنسبة إلى صديقي، "لا بدّ من أن يعرف الإيرانيون أنّ الإعاقة لا تتسبب في العزلة". إلى ذلك، تملك صديقي صفحة خاصة على موقع "تويتر"، لكنّ عدد متابعيها ليس بكبير. وتؤكد أنّها استخدمت مواقع التواصل لمساعدتها في تحقيق هدفها، مضيفة أنّ "في إحدى المرات دعمتني مستشارة الرئيس الإيراني معصومة ابتكار لأنني امرأة وأقود دراجة نارية وأصارع لتحصيل حقوقي وحقوق أمثالي".