خطوة نحو الحرية

31 اغسطس 2016
"جوهر في مهب الريح" (باتريك باز/ فرانس برس)
+ الخط -

على مدى سنتين، كان عمل مضنٍ وجهد مستمر يهدف إلى منح الحرية لعدد من المحكومين بالمؤبد وراء قضبان السجون اللبنانية، على خلفيّة مرض أو عقوبة تخلّى عن تنفيذها القانون قبل عشرات السنين. ونجحت أخيراً مؤسِسة المركز اللبناني للعلاج بالدراما (كثارسيس)، زينة دكاش، في جذب اهتمام المجتمع والسلطات السياسية على حدّ سواء، إلى الوضع المتردي داخل السجون اللبنانية.

طرحت دكاش، بدعم من الاتحاد الأوروبي وبتعاون مع القاضي حمزة شرف الدين وممثلين عن عدد من الوزارات (وزارة الداخلية والبلديات ووزارة الصحة ووزارة الشؤون الاجتماعية)، إلى جانب حقوقيين ومدراء سجون وجمعيات، مشروع قانون (تعديل) لتحسين الوضع النفسي والقانوني للسجناء ذوي الأمراض العقلية أو النفسيّة وللمحكومين بالمؤبد. وقد أحيل الاقتراح إلى مجلس النواب اللبناني.

جاءت هذه الخطوة بعد دراسة أعدّها مركز "كثارسيس" تحت عنوان "الصحة النفسيّة في السجون اللبنانية"، تناولت الوضع الاجتماعي والصحي والإنساني للمحبوسين في السجون اللبنانية الذي يخالف ما نصّت عليه المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان - والمكرَّس ضمن الدستور اللبناني - أي "منع المعاملة القاسية اللاإنسانية أو المهينة التي تمسّ بالكرامة". فظروف الاحتجاز في السجون اللبنانية، من اكتظاظ وبنى تحتية مهترئة وخدمات طبية سيئة وظروف معيشية صعبة، تفرض معاناة على السجين الذي من المفترض أن يمضي فترة عقوبته في مكان مطابق للمعايير الأساسية للاحتجاز. يُضاف إلى ذلك، ما يعانيه السجين الذي يفترض أن يبقى طوال حياته وراء القضبان، من وضع صحي ونفسي.

"يعدّ هذا الواقع خرقاً لمبدأ العدالة الاجتماعية المكرّس في مقدّمة الدستور ومبدأ المساواة بين المواطنين"، بحسب ما يقول القاضي حمزة شرف الدين، معدّ القانون المعدّل والمشرف عليه. ويوضح لـ"العربي الجديد": "من هنا، بدأ العمل بمشاركة مجموعة من كبار قضاة الجزاء بلبنان وإيطاليا، على اقتراح قانون لتعديل بعض القوانين المتعلقة بالمحكومين بالمؤبد". يضيف شرف الدين أنّ أبرز النقاط تنصّ على أن "يستفيد كل من المحكوم عليهم بعقوبات جنائية مؤبدة والمحكوم عليهم بالإعدام من تخفيض عقوبته، على ألا تزيد عن 25 سنة. أما المحكوم عليه وسبق أن استفاد من استبدال عقوبة الإعدام بمؤبد، فيجب ألا تزيد عقوبته عن 35 سنة".




أما أبرز نقاط التعديل الخاصة بقانون المرضى النفسيين، فهي: "إطلاق سراح المحكوم عليهم الذين تشخّص حالتهم الصحية ميؤوساً منها أو أصبحوا مقعدين غير قادرين على خدمة أنفسهم أو القيام بعمل ما، أو الذين بلغوا من العمر 75 سنة وقاموا بإنفاذ نصف مدة عقوبتهم على الأقل. ويُشترط أن يثبت للجنة أنّ إطلاق سراح المحكومين من هذه الفئة لا يشكّل خطراً على غيرهم". كذلك، "إذا أصيب الموقوف أو المحكوم عليه بمرض عقلي أو نفسي أو نفس - عصبي، فللقاضي الناظر في الملف أن يأمر بوضعه في مأوى احترازي أو في أحد مستشفيات الأمراض النفسية والعقلية".

ويؤكد شرف الدين على أنّ "المشكلة الجوهرية هي في مجتمعنا الشرقي، حيث بعض الحيثيات والجوانب العشائرية. إلى ذلك، فإنّ المحكوم لا يستطيع توفير المال ولا العمل داخل السجن، لأنّ السجون في لبنان لا توفّر أعمالاً مأجورة. يُذكر أنّ دولاً أوروبية عدّة وكذلك الولايات المتحدة الأميركية والإمارات العربية المتحدة، تمنح الضحايا تعويضات من الدولة، ثم تحصل على المال من نتاج عمل المساجين". يتابع أنّ "ثمّة شريحة مغبونة حُكم عليها بين العامين 1994 و2001، نحاول إيجاد حل عادل لها حتى يحصل أفرادها على حريتهم. كذلك، من المعيب الرجوع إلى قانون وُضع في عام 1943 يستخدم عبارة ممسوس، بدلاً من عبارة المريض النفسي. هذا التوصيف كان يطلق أيام العصر الحجري وليس في يومنا هذا".

وعن المسار القانوني، يقول شرف الدين إنّ "عشرة نواب وقّعوا على الاقتراحين وسجّل ذلك في قلم المجلس ليسلك طريقه نحو الإقرار. ومن المتوقّع أن يُحوَّل إلى لجنة إدارة العدل وبعدها إلى اللجان المشتركة، ليصل أخيراً إلى الهيئة العامة فيصبح نافذاً".

تعبّر دكاش عن فرحة كبيرة لأنّ مشروعها خطى خطوة نحو النجاح، ولأنّ نحو مائة سجين سوف ينالون الحرية. وتقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "المسيرة بدأت منذ أكثر من سنة، مع مسرحية (جوهر في مهب الريح)، التي أداها محبوسون في سجن رومية، منهم مرضى نفسيّون. من بعدها، أجرينا دراسة قانونية عن وضع السجناء ذوي الأمراض العقلية أو النفسيّة والسجناء المحكومين بالمؤبد وكانت النتائج صادمة. فالأحكام غير واضحة والواقع الصحي مزر جداً والإهمال بحقّهم لا يصدّق. ووجدنا أنّ ثمّة أطباء نفسيين معيّنين من وزارة العدل، يتقاضون أجراً على مهام خمسة أيام أسبوعياً، لكنّهم لا يحضرون إلى السجن سوى يوم أو اثنين. وهذا أمر غير مقبول". تضيف أنّ "جمعية كثارسيس تقدّم منذ عشر سنوات الخدمات النفسية والعلاجية للسجناء داخل السجون، وقد أنشأنا مسرحاً مع السجناء ليطالبوا بحقوقهم".

دلالات