تلاميذ من دون اختبارات في غزة

20 نوفمبر 2017
لا امتحانات بعد اليوم! (محمد الحجار)
+ الخط -
في السادس من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، صدر قرار تربوي في قطاع غزة يقضي بـأسلوب تعليم جديد يعفي التلاميذ الصغار من الاختبارات

يبدو الفرح واضحاً لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية في غزة، من الصف الأول إلى الرابع، بعدما أعلنت وزارة التربية والتعليم العالي بالاشتراك مع وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) قرارها إلغاء الامتحانات النهائية لفئتهم في كلّ المدارس الحكومية وتلك التابعة للوكالة في قطاع غزة، والاستعاضة عن ذلك بتقييم المدرّسين لكل تلميذ.

ويبدأ العمل بالقرار في إطار السياسة العامة الجديدة للعام الدراسي 2017-2018 في القطاع، التي تُنفَّذ في مدارس كل محافظات الضفة الغربية منذ أكثر من ستة أعوام. ويأتي ذلك على خلفية أنّ تلك المناطق محتلة وتشهد يومياً صراعات مع الاحتلال وسط الحواجز الكثيرة والمستوطنات، وبالتالي فلا بدّ من مراعاة الظروف العامة وعدم الضغط على الأطفال من خلال الامتحانات.

ويوضح مدير عام التعليم العام في وزارة التربية والتعليم العالي، أيوب عليان، لـ "العربي الجديد" أنّ "تطبيق القرار في غزة أمر مهم جداً أتى أخيراً في إطار القرارات المطبقة في كل وزارات الضفة وغزة، في ظل المصالحة الفلسطينية". يضيف أنّ "هذا القرار نجح في تخفيف الأعباء والهموم الدراسية على الأطفال في مدارس الضفة، وقد لاحظ المعنيون في الوزارة ارتفاع نسبة الأنشطة التطبيقية والوعي الثقافي لدى هؤلاء، الأمر الذي يجعل هذا القرار صائباً".



ويشير عليان إلى أنّ "السياسة التعليمية التي تُعدّ جديدة في غزة، لا تتضمّن امتحانات تقييمية نهائية، في حين تضمن تأمين ما يحتاجه الأطفال مع تقييمهم من خلال نشاطهم اليومي. وإذا نظرنا إلى دول أوروبية كثيرة، لا سيّما السويد وفنلندا، فإنّ تجربتها في عدم اللجوء إلى امتحانات رفعت من مستوى التلاميذ الثقافي والمعرفي".

وقد بدأ برنامج التربية والتعليم في وكالة "أونروا" بوضع خطة عمل وأنشطة للتلاميذ، يُصار من خلالها إلى تقييم علمي عام لكلّ تلميذ من تلك الفئة التي يستهدفها القرار. ويقول رئيس البرنامج فريد أبو عاذرة إنّ العمل يجري على تصميم النشاطات في لجنة تضمّ متخصصين في الأساليب التربوية ومرشدين من داخل مدارس الأونروا، ليُصار بعدها إلى تدريب المدرّسين والمرشدين على البرنامج الجديد الذي يتقلَّص فيه أسلوب التلقين.



في السياق، يعلّق الأستاذ المحاضر في الأساليب التربوية في عدد من جامعات غزة، أيمن أبو طويل، على القرار قائلاً إنّه "لا بدّ من اتباع برنامج مصمم بجودة عالية يراعي الأزمات التي تؤثّر على تلاميذ غزة، وعدم الاعتماد على تجارب التعليم في دول العالم الأوّل بطريقة كاملة. فالطفل في غزّة له وضعه الخاص". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "أساليب الأنشطة التي يجري على أساسها التقييم الدراسي في المدارس تأتي بخطوات عدّة، منها برنامج شامل يراعي الاختلافات الفكرية التي يتربّى عليها أطفال غزة، لأنّنا مجتمع تحكمه أحزاب. كذلك لا بدّ من الاعتماد على المشاركة من خلال اللعب وكذلك الشرح الذي يقوم به التلميذ نفسه. هكذا، يُكسَر حاجز الخوف والصمت وتزيد نسبة تفاعل التلميذ وملاحظته الأشياء من حوله".

من جهته، يشيد الكاتب ومدرّس الرياضيات السابق في مدارس الأونروا، عبد الله أبو شرخ، بالقرار، ويلفت إلى أنّه "ونظراً إلى الأوضاع السيكولوجية السيئة للطفل دون العاشرة في غزة، فإنّه غير قادر على تحمّل الخوف الذي يسود أجواء الامتحانات. كذلك، من الناحية العلمية والتربوية، أن تصنّف المدرسة التلميذ ناجحاً أو راسباً، أمر خاطئ والحكم بالفشل على طفل دون العاشرة جريمة لا تُغتفَر". ويقول لـ "العربي الجديد" إنّه "انطلاقاً من خبرتي في تعليم المرحلة الإعدادية التي تترافق مع تطوّرات نفسية وجسمانية لدى الأطفال، ألاحظ حجم التوتّر والقلق الناجمَين عن أجواء الامتحانات واللذَين يستمران طوال فترة تصحيح الامتحانات، في انتظار النتائج". ويشدد على أنّ "الطفل دون العاشرة في حاجة إلى التعلم من خلال اللعب، وإلى العطف والحنان في المدرسة والبيت".



في المقابل، يرى مدرّس المرحلة الأساسية الابتدائية، إياد أبو النور، أنّ "القرار سوف يكون سلبياً على فئات من الأطفال بخلاف آخرين". ويشرح لـ "العربي الجديد" أنّ "ثمّة أطفالاً لا يتمتّعون بروح المشاركة داخل الفصل، وهم يميلون إلى الدراسة النظرية والتطبيق النظري، ويُصنَّفون عقلانيين أو انطوائيين". ويشير أبو النور إلى أنّ "ألمانيا خاضت تجربة في التعليم المختلط الذي يجمع بين أساليب تعليمية كثيرة، فكانت مدارس تعتمد على النظرية ومدارس أخرى تعتمد على العملية والأنشطة. وهو أمر قد ينجح في فلسطين لأنّ ظروف العدوان والحصار تخلق أطفالاً يعتمدون على التجارب وآخرين على القراءة والتركيز".
المساهمون