ولكنكم تحبون الكاذبين

17 مارس 2016
هؤلاء مفضوحون في كلّ مكان وزمان (فرانس برس)
+ الخط -
يفشل الحاكم ويفسد الأوضاع الداخلية لبلاده، فتتدهور أحوال الناس على كل المستويات؛ لدرجة أن بعضهم يقرر مغادرة البلاد بلا رجعة، في حين يلجأ آخرون إلى الانتحار، ويفضل المتماسكون منهم الانزواء، وتصاب قلة بالجنون أو الخرف.

لا يعني هذا أنه ليس هناك مقاومة للحاكم، أو للفساد، أو لفساد الحاكم، لكن للمقاومة درجات متفاوتة، فهناك من يصطدم وهناك من يطالب بالتغيير، وهناك من يحاول إصلاح الأوضاع من الداخل، وهناك من يطالب بإسقاط النظام.

كل ما سبق يمثل نسبة محدودة من الشعوب في كثير من دول العالم التي يحكمها فاسدون أو مجرمون أو مجانين، بينما الغالبية العظمى من شعوب تلك الدول، وربما كل دول العالم، لا تنتمي إلى أي من الفئات السابقة، هؤلاء الذين يقال عنهم "السواد الأعظم"، وهؤلاء يتركون الأمور تسير في مسارها دون أدنى تدخل مكتفين بالمشاهدة أو التحسر أو السخرية.

يقول أحدهم: "كيف لي أن أغير هذا الوضع القائم وأنا لا أملك قوت يومي؟". غير مدرك أن في التغيير الوسيلة لامتلاك قوت يومه. ويقول آخر: "لن أرمي نفسي في التهلكة". رغم أنه يعيش في التهلكة أصلاً. أو يقولون: "لماذا أتصدر أنا وليس غيري؟". والواقع أن تكرار الأفراد لتلك النوعية من المقولات هو سبب بقاء الفاشلين والمجرمين في سدة الحكم لأنهم باتوا لا يخافون من شعوبهم التي بات الخوف مكوناً أساسياً في طريقة تفكيرها.

هل الناس وحدها مسؤولة عن حالة الخوف؟ بالطبع لا، لكنها ثقافة الشعوب وطريقة تطويعها التي تفعل بهم ذلك، وهل تجارب التاريخ من حولنا تشير إلى أن تلك الصفات المذمومة لا تتغير؟ بالطبع لا أيضاً، فكثير من الشعوب تغيرت مرات عدة على مر التاريخ، وإن كان لذلك علاقة مباشرة بالوعي الجمعي للشعب، والذي يتغير أيضاً بحسب الأحداث والوقائع، والذي يتسبب غيابه في الخضوع والتدهور.

يبقى فصيل آخر هو ذلك الداعم للأنظمة الفاشلة، وهذا الفصيل ليس عدده كبيراً في العادة، لكن تأثيره يتم تضخيمه والتركيز عليه لدرجة تجعل منه وكأنه يمثل السواد الأعظم من الناس، حتى أنّ بعض العقلاء ينخدعون في ذلك.

هذا الفصيل الأخير هو الأسهل فهماً، فلا يحتاج تفسير تصرفاتهم إلى عالم نفس أو عالم اجتماع؛ هم فئة من البشر قرروا العمل إلى جوار الحاكم ليستفيدوا من سلطته ويتفادوا غضبته، وهم عادة يروجون أنهم الأكثر وطنية والأكثر فهماً لأوضاع البلاد والأكثر حرصاً على مصالح العباد.

ورغم أن هؤلاء مفضوحون في كلّ مكان وزمان، لكنّ البعض يسير في دربهم ويكرر مزاعمهم ويصدق أكاذيبهم، ربما هرباً من الواقع المرير إلى واقع كاذب.

اقرأ أيضاً: متى يحكم الناس؟
دلالات
المساهمون