شوارع تونس مليئة بالمدخنين

06 مايو 2018
عدّل قانون التدخين أكثر من مرة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
في الشوارع، تجد عشرات الأطفال يدخنون السجائر علناً أو في الخفاء، وفي بعض الأماكن المعزولة، ما قد يشير إلى ارتفاع نسبة التدخين في تونس، حتى بين الأطفال. يصعب تحديد نسبة التدخين بين الأطفال بصفة عامة. لكنّ إدارة الطب المدرسي والجامعي أعلنت أنّ آخر بحث تجريبي أنجز منذ أربع سنوات، وشمل عينة 800 تلميذ في محافظة تونس، بيّن أن نحو 50 في المائة من التلاميذ الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و17 عاماً قد جربوا التدخين، ويزداد استهلاكهم للسجائر مع التقدّم في العمر.

ونادراً ما تنجح محاولاتك التحدث إلى بعض هؤلاء الأطفال، عن الأسباب والظروف التي تدفعهم إلى التدخين. فبمجرد طرح سؤال كهذا على طفل، قد ينهرك ويهرب من أمامك، لا سيما إذا حدث ذلك قرب إحدى المدارس.

منير (14 عاماً) يدخّن منذ سنتين من دون علم عائلته، ولا يجد حرجاً في الحديث عن الأمر. في البداية، أراد تجربة التدخين مع أحد أبناء جيرانه الذي يكبره بخمس سنوات، قبل أن يتحول الأمر إلى عادة. واليوم، يدخن نحو 20 سيجارة في اليوم، أو بحسب مصروفه. يقول إنّه يعرف مخاطر التدخين لكنّه اعتاده، ولم يعد في استطاعته الانقطاع عنه على الرغم من خوفه من أهله. نُخبره أنّه قد لا يستطيع شراء السجائر في حال المصادقة على قانون منع بيع السجائر لمن هم دون 18 عاماً. يقول ضاحكاً: "الأمر ليس صعباً. يمكن لأيّ أحد شراء السجائر من الشارع لأنّها تباع على قارعة الطريق، ولن يطبق أيّ أحد القانون".




وبحسب إحصائيات رسمية لوزارة الصحة، فإنّ التدخين يؤدي إلى وفاة 10 آلاف شخص سنوياً، متأثرين بأمراض متنوعة ناتجة عن التدخين، منها أمراض سرطان الرئة والثدي والحنجرة واللسان والمثانة وعنق الرحم وأمراض القلب والشرايين وغيرها من الأمراض، 80 في المائة منهم رجال و20 في المائة نساء. ويفوق عدد المدخنين في تونس مليون و500 شخص. كما تشير إحصائيات إلى أن 20 في المائة من التلاميذ يدخنون منذ سن الثالثة عشرة.

ارتفاع ظاهرة التدخين في تونس أدّى إلى تعديل قانون التدخين أكثر من مرّة. منع التدخين في الأماكن العامة، وفرض على المقاهي والمطاعم تخصيص أماكن محددة بالمدخنين. كما خصّصت 17 عيادة في كامل الجمهورية للإقلاع عن التدخين وإطلاق برنامج "يكفي" للراغبين في الإقلاع عن التدخين، وذلك منذ عام 2016. ويمكن للراغبين في الإقلاع عن التدخين بعث رسالة قصيرة تتضمن كلمة "يكفي"، لتوفّر لهم وزارة الصحة المراقبة والمتابعة والدعم.

وعلى الرغم من كلّ الإجراءات وتعديل قانون التدخين وإدخال فصول جديدة عليه، إلّا أنّ استراتيجية مكافحة التدخين تواجه تحديات عدة، لا سيما مع انتشار التجارة الموازية، وانتشار بيع السجائر خصوصاً قرب المدارس والمعاهد، وعدم تطبيق القانون. وفي ظلّ غياب الرقابة على المقاهي أو المطاعم، وعدم التقيّد بتوفير أماكن خاصة بالمدخنين، أعلنت وزارة الصحة في عام 2017، عن اقتراح مشروع قانون جديد على مجلس الوزراء لتشديد العقوبات، ومنع التدخين بشكل كامل في الأماكن العامة، وزيادة التوعية والتنبيه من مخاطر التدخين على علب السجائر من 30 إلى 70 في المائة. مؤخراً، قُدّم نص المشروع إلى رئاسة الحكومة.

وينصّ مشروع القانون الجديد على منع بيع السجائر بالتفصيل لمن هم دون 18 عاماً، ومنع بيعها قرب المدارس والمستشفيات. كما ورد في نص المشروع منع التدخين كلياً داخل المطاعم والمقاهي والفضاءات العامة، وزيادة الغرامة المالية بحق المخالفين من 12 دولاراً إلى 25 دولاراً، لضمان حق غير المدخن في فضاء محمي كلياً من آثار التدخين.

ويقول مسؤول البرنامج الوطني للوقاية من التدخين إبراهيم السماعلي، لـ "العربي الجديد": "التدخين في تونس يؤدي إلى وفاة أكثر من 30 شخصاً يومياً"، مضيفاً أنّ برنامج الوقاية من التدخين يهدف إلى التوعية أكثر حول مخاطر التدخين، خصوصاً في الأوساط الجامعية والمدرسية، لا سيما بعد تسجيل ارتفاع نسبة التدخين لدى التلاميذ. ويؤكّد على ضرورة سن قوانين جديدة للوقاية من مخاطر التدخين ومنعها في الأماكن العامة، مع ضرورة تطبيق القانون. يذكر أنّ تقرير منظمة الصحة العالمية حول التدخين في العالم، بيّن أنّ تونس تحتل المرتبة الأولى عربياً بنسبة المدخنين الذكور، مشيراً إلى إمكانية ارتفاع النسبة خلال السنوات العشر المقبلة.




على صعيد آخر، وبحسب مصالح الديوانة، يهرّب سنوياً نحو 300 مليون سيجارة من ليبيا والجزائر، ما قد يصعب تطبيق فصل القانون المتعلق بمنع بيع السجائر لمن هم دون 18 عاماً. وستركّز الرقابة على نقاط البيع القانونية، في وقت يوجد مئات الباعة الذين يبيعون السجائر المهربة في عدد كبير من الشوارع.