خبأوني من الصهاينة في برميل طحين

11 يوليو 2016
أبنائي مشتّتون... كلّ واحد في بلد (العربي الجديد)
+ الخط -
كثيرة هي القصص التي تحكي خروج الفلسطينيين من أرضهم خلال النكبة، بعد تهجيرهم من قبل الصهاينة. لكلّ لاجئ فلسطيني ذكرياته ومعاناته الخاصة. لكنّ تلك القصص تبقى متشابهة في أنّها لأناس أجبروا على ترك بلادهم ليصيروا لاجئين في بلدان الشتات. هذه قصة الحاجة أم أحمد السهلي.

لم تكن أم أحمد صغيرة عندما خرجت من فلسطين، بل في الثامنة عشرة من عمرها، إذ هي من مواليد عام 1930. خلال النكبة، كانت شابة وتعرف كلّ شيء عن وطنها وعن الحياة فيه. وتشدّد على ذلك. وقد عرفت التهجير مذ ذلك الحين، مرّات عدّة. في البداية من فلسطين إلى لبنان بالشاحنات، وثمّ من لبنان إلى سورية بالباصات، وبعدها من الأخيرة إلى لبنان مجدداً. أمّا أولادها، فكلّ واحد منهم في بلد اليوم، بسبب الحرب في سورية.

عن النكبة، تقول أم أحمد: "كان والدي يعمل في بستان في بلد الشيخ (بلدتنا)، وهي سمّيت كذلك لأنّ جدنا كان شيخاً. وبينما كان والدي في البستان، هجم الصهاينة على البلدة من الجبل، فقتلوا العديد منّا. أمّا نحن، فقتلنا منهم اثنين. بعدها، سحبوا قتيليهما بواسطة الحبال". تضيف: "لم نكن على خلاف في البداية مع اليهود، فقد كانوا جيراناً لنا. لكنّ الإنكليز أعطوهم السلاح وحرمونا منه وقوّوهم علينا. بعدها، أحضر الإنكليز الباصات وطلبوا منا ركوبها حتى نرحل عن البلدة. صعد أهل البلدة بمعظمهم في الباصات، حتى كبارها. أنا لم أصعد معهم، فقد طلبت أمي منّي البحث عن أخي البالغ من العمر عشرة أعوام. وبينما كنت أبحث عنه، انطلق الباص من دوني". وتكمل سردها: "لم أكن أعلم ماذا أفعل. وفي طريق عودتي إلى البيت، التقيت بزوجة خالي التي اصطحبتني إلى بيتهم القريب من الساحل. بتنا ليلتنا هناك. لكنّ الصهاينة هجموا على البيت ليلاً وراحوا يفتّشونه. تحدّثت زوجة خالي معهم، وأخبرتهم بأنّ لا وجود للسلاح في البيت. لكنّهم لم يستمعوا إليها، فخافت عليّ وخبأتني في برميل طحين في المطبخ. وبعدما غادروا، طلبت منّا التوجّه إلى بيتنا وأخذ بعض الأغراض وترك المكان".

وتتابع أم أحمد: "لم نجد في البلدة غير شاب وأخته، فركبنا معهما في شاحنتهما إلى الناصرة. هناك، وجدت أمي وإخوتي. مكثنا في مدرسة، وحاولنا البحث عن أهل أمي هناك، لكن من دون جدوى. وبعدما وصلنا إلى لبنان، التقينا بهم في منطقة الميناء في طرابلس (شمال) بعدما كان الإنكليز قد رحّلوهم عن طريق البحر لأنّهم كانوا يعيشون في حيفا". وتذكر أنّ "في طريقنا إلى مدينة طرابلس، ركبنا في شاحنات مفتوحة. كنّا محشورين كالأغنام، وكانت أشعة الشمس حادة فحرقت أجسادنا. وعندما وصلنا إلى طرابلس، توجّهنا إلى منطقة الميناء حيث مكثنا فترة من الزمن. هناك، تعذّبنا كثيراً. كنّا ننام في العراء، ولا ملابس ولا أغطية ولا طعام".

تشير أم أحمد إلى أنّ "أهلي كانوا قد تركوا أخي في فلسطين، في حيفا، لأنّه كان طالباً جامعياً. وقد صار في وقت لاحق أستاذاً في الجامعة. لكن، في الميناء، علمنا أنّه أتى إلى لبنان في باخرة مع العديد من أهالي مدينة حيفا هرباً من الصهاينة الذين كانوا يغيرون على البلدات والمدن الفلسطينية لاحتلالها. بعد الميناء، توجّهنا إلى منطقة التلّ في سورية، حيث عشنا فترة من الزمن أيضاً، قبل أن ينتقل أهلي إلى منطقة الميدان. أمّا أنا فتزوجت وانتقلت للعيش في مخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيين. أنجبت سبع بنات متن جميعهنّ، وأربعة أبناء. اليوم، واحد من أبنائي معوّق دماغياً، وآخر ما زال في سورية، أما الثالث ففي تونس والرابع في السويد. هكذا، تشتّت كلّ واحد منهم في بلد".

بعد اندلاع الحرب في سورية، ومقتل أخيها الذي كان يصغرها في السنّ والذي كان ضابطاً في الجيش السوري في بدايات الحرب، "خفت ولجأت إلى لبنان لأعيش في مخيّم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في بيروت، مع ابني المعوّق الذي تزوّج من شابة لبنانية. ونحن اليوم نعيش في بيت متواضع جداً، فيما أقضي معظم وقتي في مركز الشيخوخة النشطة".

المساهمون