بعد ساعات من مصادقة البرلمان التونسي على مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، الذي قوبل بانتقادات جمّة لعدم تضمنه إجراءات تنموية واجتماعية، اندلعت احتجاجات في جهة القصرين وسط غربي البلاد، تنديداً بغياب التنمية فيها واستفحال البطالة بين شبانها.
واندلعت ليل أمس الثلاثاء مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن. وأضرم المحتجون الإطارات المطاطية في حيّ الزهور وسط مدينة القصرين، وفي معتمدية تالة، حين تدخل الأمن لمواجهة المحتجين وتفريقهم. ورفعت هتافات منددة بالحكومة الحالية ومطالبة بالالتفات إلى الجهة التي تعاني من الفقر والحاجة. وتعتبر منطقة القصرين إحدى أكثر جهات البلاد فقراً وانتشاراً للبطالة. وتتخذ جماعات إرهابية من جبالها معاقل لها، ويعيش سكانها على وقع ظروف اجتماعية صعبة يهددهم الإرهاب الذي يحاصر أطراف المدينة.
بطالة الخريجين... واعتصامهم المفتوح
ويعود الشتاء إلى الجهة، حاملاً معه تأثيراته التي تعمّق أزمة السكان الذين يفتقرون إلى أبسط مرافق الحياة في أغلب أرجاء المحافظة، لتندلع احتجاجات عامة تجابه كالعادة بالتسويف والمماطلة والوعود.
وقبل أن يخرج سكان القصرين إلى الشوارع، شهدت الجهة على امتداد الأسبوع الماضي تحركات لأصحاب الشهادات الجامعية العليا، ونفّذ الخريجون المعطلون عن العمل وقفة احتجاجية يوم الخميس الماضي، وهي جزء من تحرّك أكبر ضمن اعتصامهم لمدة فاقت العشرة أشهر. وساندت المنظمات الأهلية بالقصرين وفروع هيئات المحامين والمهندسين والأطباء، علاوة عن هياكل نقابية، مطالب المعتصمين الذين لم يعلّقوا اعتصامهم بعد. وتعد أهم مطالب المحتجين منذ أشهر في مقر محافظة القصرين، التشغيل وإنهاء بطالتهم المستمرة منذ عشر سنوات، والتوازن الإيجابي بين الجهات وتحقيق العدالة الاجتماعية لفائدة محافظتهم المهمشة.
يطالبون بماء صالح للشرب
وانتفضت منطقة دوار السلاطنية، التي تذكّر التونسيين براعيي الغنم اللذين ذُبحا على يد مجموعات إرهابية في المرتفعات، إثر انكشاف تزويدهما للقوات العسكرية بمعطيات حول تحركات الإرهابيين في الجبال. وتحرك سكانها هذا الأسبوع، طلباً لأدنى مقومات الحياة، أبرزها الماء الصالح للشرب، وقطعوا الطريق الرابط بين الجهة والجزائر للفت أنظار السلطات المحلية والمركزية. ورغم كل الوعود والزيارات والتكريمات والخطابات الفخرية في الجهة التي قاومت الإرهاب ولم تسمح له باحتلال القرية، فإن السلطات لم تتخذ إجراءات لتحسين واقع السكان.
وبعد يوم صاخب شهده البرلمان أول من أمس، والمصادقة على تمتيع شركات موردة بإعفاءات جبائية وتأجيل فرض الضرائب على المساحات الكبرى، خرج عدد من شباب القصرين إلى الشارع، مطالبين بتوزيع عادل للضرائب على المواطنين والشركات، معتبرين أنه من الحيف أن لا يتم تخصيص اعتمادات للتنمية في جهتهم المهمشة، في حين تحظى الشركات ورجال الأعمال بتخفيف العبء الجبائي عنهم.
56% نسبة البطالة في القصرين
وأوضح الناشط السياسي والنقابي مهران بوعزي، لـ"العربي الجديد"، أن تراكمات عدة أدت إلى خروج الشباب إلى الشارع، أولها تواصل التهميش والفقر وتغافل الحكومة عن الوضع الحقيقي في الجهة. وأضاف أن التحرك الذي سيتواصل إلى حين لفت انتباه السلطة وتحركها، سبقته احتجاجات في أكثر من قطاع لم تلق أبداً آذاناً صاغية.
وقال بوعزي: "على السلطة ألا تنتظر من الشارع أن يحافظ على سلميته"، منبهاً من أن استمرار التجاهل سيكون له وقعه في الجهة. وأكد أن التونسيين يعلمون معاناة حيّ الزهور الذي انطلقت منه الاحتجاجات على ظروف معيشية صعبة واكتظاظ سكاني، مقابل ضعف الخدمات وانعدام فرص العمل للشباب المهمش، من دون التغافل عن محاولات اختراقه مراراً من قبل الإرهابيين.
وفسّر لـ"العربي الجديد" أن "التحرك طابعه شبابي على خلفية الوضع الاجتماعي، ووصول نسبة البطالة بين أبناء الجهة إلى 56 في المائة، لذلك عمّق قانون المالية الشعور بالتهميش ودفع الشباب إلى التظاهر والاحتجاج". وعن التحركات المقبلة، أكّد بوعزي أن الأيام المقبلة ستشهد توتراً طالما لم تذعن السلطات لمطالب الجهة.
هل تستخدم المعارضة حراك الشارع؟
وعلّق النائب عن حراك الإرادة وأصيل الجهة، مبروك الحريزي، في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قائلاً "إن صراع آخر السنة يخفي وراءه صراع نصف المنظومة المسيطر على السلطة ونصفها الآخر الذي اختطف دور المعارضة واصطف إلى جانب الرئيس وابنه". وألمح إلى أن "من سيخرج للشارع هي الفئات المتضررة والمنكوبة وسيخترقها جزء المنظومة مدعي المعارضة ويرسل مشعلي الحرائق إلى المحافظات المنكوبة ليحسن شروط تفاوضه على نصيبه من السلطة".
وأفصح الحريزي عن معارضته خيار الخروج إلى الشارع طالما لم تكن له أجندة محددة، وتتحمل مسؤوليته وجوه مكشوفة لتعارض المنظومة بشقيها المتخاصمين، وإلا فإن ذلك لن يعدو أن يكون مجرد إعادة ترتيب البيت الداخلي للمنظومة فيما بينها.