فالتر هيرمان الذي مات داعماً للقضية الفلسطينية

02 يوليو 2016
مات داعماً للقضية الفلسطينية طوال 22 عاماً (العربي الجديد)
+ الخط -
قليلون هم الغربيون الذين يذهبون إلى أبعد مدى في نصرة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، بالرغم من الضغوط، حتى يصبحوا جزءاً من الذاكرة الفلسطينية. لمعت أسماء عديدة أخيراً، لعلّ واحداً من أبرزها هو الألماني فالتر هيرمان، الذي توفي أخيراً عن عمر 78 عاماً، أمضى أكثر من 22 عاماً منها داعماً للقضية الفلسطينية، خصوصاً غزة.

عرف هيرمان في أوساط الفلسطينيين والناشطين الغربيين الداعمين للقضية الفلسطينية من خلال مشروعه الذي أطلق عليه "حائط المبكى"، وهو عبارة عن معرض في الهواء الطلق، موجود بشكل دائم أمام كاتدرائية مدينة كولن الألمانية المشهورة عالمياً التي يزورها آلاف السياح يومياً. عرض هناك مع رفاقه صور جرائم الاحتلال الصهيوني ضد الفلسطينيين، إلى جانب شعارات تنادي بحرية فلسطين وتؤكد على رفض الاحتلال.

بدأت فكرة "حائط المبكى" بعد انطلاق حرب الخليج الثانية عام 1991 التي وقف هيرمان ضدها. وبدأت قصة تضامنه مع فلسطين نتيجة تأثره بما روت له فتاة فلسطينية تعرّف عليها أثناء زيارته إلى مدينة بيت لحم حول ما يعانيه شعبها جراء الاحتلال. وعدها حينها بأنّه سيناصر فلسطين بكل ما يستطيع، واستمر في الوقوف في المكان نفسه في مدينة كولن بشكل يومي - حتى في درجات حرارة تتدنى إلى 5 تحت الصفر - حتى بداية هذا العام حين تدهورت حالته الصحية ونقل إلى المستشفى.

كان هدف هيرمان من المعرض أن يعرّف الزائرين بالقضية الفلسطينية، ودحض الرواية الإسرائيلية الكاذبة التي تقلب الأدوار في فلسطين. كما يهدف المعرض إلى فتح نقاشات مع المارة الذين يبدون استغرابهم للوهلة الأولى لما يرون من صور ويقرأون من معلومات واردة على "حائط المبكى" والتي تؤدي إلى اكتشافهم معلومات كانوا مغيّبين عنها، نتيجة انحياز الإعلام، كما كان يقول هيرمان.

اقــرأ أيضاً

خلال مسيرته النضاليّة، تعرّض هيرمان إلى الكثير من المجابهات والمضايقات من قبل الاحتلال الصهيوني بشكل مباشر، ومن قبل اللوبي الداعم له في ألمانيا. لم تبدأ هذه المضايقات بسرقة الأحجار الخاصة بتثبيت صور المعرض ليلاً، ولم تنتهِ بتنظيم عمدة تل أبيب، وهي المدينة التوأم لمدينة كولن، في العام 2010، طاولة مستديرة دعا إليها عدداً من الأحزاب وممثلي الكنائس للعمل ضد مشروعه، والتي جرّمت ما يقول به هيرمان واصفةً إياه بـ"معادٍ للسامية". كما دعت وبذلت الكثير من الجهود لإزالة المعرض. وهي دعوة نجحت بدفع الشرطة الألمانية إلى مصادرة المعرض في وقت متأخر من العام 1996، واعتقال هيرمان وإساءة معاملته في مركز الشرطة.

كذلك، تقدم عدد من المعادين لهيرمان وفكرته بدعوى لدى إحدى المحاكم الألمانية تطالب بإزالة المعرض، إلّا أنّه استطاع الطعن بهذا الادعاء، وانتزع حقه بممارسة ما يقوم به بشكل قانوني بقرار من خلال المحكمة الإدارية في مدينة لايبزغ يعطي الصلاحية له ولرفاقه بالاستمرار في ما يقومون به.

في المقابل، دعم العديد من الشخصيات السياسية والاجتماعية الألمانية والعالمية ما كان يقول به هيرمان من خلال الدفاع عنه ضد هجمات التشويه التي استهدفت عمله، أو من خلال زيارة موقع "حائط المبكى". ومن هؤلاء الزعيم الروحي للتبت الدالاي لاما.

وطوال فترة المعرض، عكف هيرمان ورفاقه في معرض "حائط المبكى" على جمع تواقيع من مواطنين ألمان وأجانب للمطالبة بوقف تصدير السلاح لسلطات الاحتلال كون هذه الأسلحة تستخدم في قتل الفلسطينيين، وقد نجحوا بالفعل في جمع نحو 300 ألف عريضة موقّعة.

سأله أحد الناشطين قبل شهرين من دخوله المستشفى ماذا يتمنى لمشروعه، فأجابه أن يكمل رفاقه المشروع بكل تأكيد، وأمنيته أن ينظّم المناصرون للقضية الفلسطينية والفلسطينيون أنفسهم في ألمانيا وفي أوروبا وكلّ العالم مشاريع مشابهة ودائمة، تهدف إلى نقل رسالة الفلسطينيين المطالبة بالحريّة والعدالة وتفضح ما يقوم به الاحتلال.

أوصى هيرمان، الذي رحل قبل أيام، بدفنه في المقبرة المخصصة للمشرّدين الذين ناصرهم ووقف إلى جانبهم أيضاً في حياته. وقد أصرّ على أن يستمر حتى على فراش المرض بارتداء سوار علم فلسطين حتى آخر لحظة من حياته.