ما الذي يدفع شاباً إلى التظاهرات بكل عزمه وغضبه، ينزل إليها متحمساً، يهبها مساحة وازنة من يومياته، ويضحي من أجلها بالقليل الذي يملكه، حتى لو وصل إلى أن يخسر إحدى عينيه؟
لقد حلم هذا الشاب، وغيره من الشبان والشابات، قبل أن يصلوا إلى هذه اللحظة الحاسمة، بغد مقبول أرادوه يشبههم ويتواءم مع أحلامهم بالحياة، لكنهم أدركوا أن هذه الأحلام لا تتقاطع مع الواقع فقرروا أن يرفعوا صوتهم وأن يقولوا لا. حصل هذا الأمر بعدما أيقنوا أن المنظومة الحاكمة دمّرت أملهم بكل جيد وكل ممكن وكل معقول. هؤلاء الشباب، العشرينيون المتحمسون بمعظمهم، ورثوا تراكماً مديداً من الفساد والفوضى والمذهبيات والوساطات سدّ كل أفق كان من الممكن أن يكون متاحاً لهم ولغيرهم ممن يستحق.
توجهوا إلى الجامعة الرسمية، فوجدوا كلياتها محكومة من الأحزاب الطائفية تنهش إدارتها وتبتلع كادرها التعليمي وتحتكر المجالس التمثيلية للطلاب، وقد تصل حتى إلى كافيتريا الجامعة أحياناً. والصورة في الجامعات الخاصة لم تكن أفضل حالاً. فهذه جامعات إما تقدم ولاءها للمجموعات الحزبية أو الطائفية نفسها، أو لا تقبض أقساطها إلا بالعملة الصعبة جداً في هذه الأيام. أدركوا أنهم غرباء في هذا الوسط وأن ثمن الشهادة الجامعية سيكون غالياً. فهو إما قسط خيالي لا يقدرون عليه أو ولاء لحزب الطائفة الذي لا يريدون أن يطأطئوا رؤوسهم له.
ذهبوا يبحثون عن العمل في مهن عادية فلم يجدوا من يستلم طلباتهم. قيل لهم هاتوا لنا مسؤولاً يزكيكم أو يقول كلمة جيدة بحقكم. هؤلاء الشبان والشابات نفسهم تفرّجوا على أهاليهم ومعارفهم وجيرانهم يستجدون للدخول إلى المستشفى والعملية الجراحية والكشف الطبي ولطلب الدواء. بحثوا كثيراً عن دولة، كان من المفترض أن تكون مظلة لهم، فلم يجدوها. لم يقعوا إلا على وطاويط وعناكب وأفاع تترصد لهم في الزوايا، منتظرة أن تطوّعهم في منظومتها.
وبعد كل هذه الدورة الطويلة أدركوا أن لا حل ممكناً إلا عبر كسر سلاسل هذه المنظومة مهما كان الثمن غالياً. ولم يجدوا ما يقدمونه غير أنفسهم. فقرروا أن يثوروا.
اقــرأ أيضاً
هؤلاء الشبان والشابات، الذين يتعرضون للضرب والأذى والرصاص المطاطي في عيونهم وفي أجسادهم، هم ثائرون حقيقيون. هؤلاء الشبان هم أجمل ما فينا، وهم أملنا بغد نظيف.
أما نحن، الصامتون الذين قضينا وقتاً طويلاً نعاتب به أنفسنا ونكتفي بالامتعاض والتذمر على الوضع الذي ورثناه، فسندينُ لهم طويلاً بعيوننا التي لم تستح من واقعنا الذي وصلنا إليه، وببصرنا الذي صار يرى الطريق، بفضلهم، أكثر وضوحاً.
لقد حلم هذا الشاب، وغيره من الشبان والشابات، قبل أن يصلوا إلى هذه اللحظة الحاسمة، بغد مقبول أرادوه يشبههم ويتواءم مع أحلامهم بالحياة، لكنهم أدركوا أن هذه الأحلام لا تتقاطع مع الواقع فقرروا أن يرفعوا صوتهم وأن يقولوا لا. حصل هذا الأمر بعدما أيقنوا أن المنظومة الحاكمة دمّرت أملهم بكل جيد وكل ممكن وكل معقول. هؤلاء الشباب، العشرينيون المتحمسون بمعظمهم، ورثوا تراكماً مديداً من الفساد والفوضى والمذهبيات والوساطات سدّ كل أفق كان من الممكن أن يكون متاحاً لهم ولغيرهم ممن يستحق.
توجهوا إلى الجامعة الرسمية، فوجدوا كلياتها محكومة من الأحزاب الطائفية تنهش إدارتها وتبتلع كادرها التعليمي وتحتكر المجالس التمثيلية للطلاب، وقد تصل حتى إلى كافيتريا الجامعة أحياناً. والصورة في الجامعات الخاصة لم تكن أفضل حالاً. فهذه جامعات إما تقدم ولاءها للمجموعات الحزبية أو الطائفية نفسها، أو لا تقبض أقساطها إلا بالعملة الصعبة جداً في هذه الأيام. أدركوا أنهم غرباء في هذا الوسط وأن ثمن الشهادة الجامعية سيكون غالياً. فهو إما قسط خيالي لا يقدرون عليه أو ولاء لحزب الطائفة الذي لا يريدون أن يطأطئوا رؤوسهم له.
ذهبوا يبحثون عن العمل في مهن عادية فلم يجدوا من يستلم طلباتهم. قيل لهم هاتوا لنا مسؤولاً يزكيكم أو يقول كلمة جيدة بحقكم. هؤلاء الشبان والشابات نفسهم تفرّجوا على أهاليهم ومعارفهم وجيرانهم يستجدون للدخول إلى المستشفى والعملية الجراحية والكشف الطبي ولطلب الدواء. بحثوا كثيراً عن دولة، كان من المفترض أن تكون مظلة لهم، فلم يجدوها. لم يقعوا إلا على وطاويط وعناكب وأفاع تترصد لهم في الزوايا، منتظرة أن تطوّعهم في منظومتها.
وبعد كل هذه الدورة الطويلة أدركوا أن لا حل ممكناً إلا عبر كسر سلاسل هذه المنظومة مهما كان الثمن غالياً. ولم يجدوا ما يقدمونه غير أنفسهم. فقرروا أن يثوروا.
هؤلاء الشبان والشابات، الذين يتعرضون للضرب والأذى والرصاص المطاطي في عيونهم وفي أجسادهم، هم ثائرون حقيقيون. هؤلاء الشبان هم أجمل ما فينا، وهم أملنا بغد نظيف.
أما نحن، الصامتون الذين قضينا وقتاً طويلاً نعاتب به أنفسنا ونكتفي بالامتعاض والتذمر على الوضع الذي ورثناه، فسندينُ لهم طويلاً بعيوننا التي لم تستح من واقعنا الذي وصلنا إليه، وببصرنا الذي صار يرى الطريق، بفضلهم، أكثر وضوحاً.