وتقدّم التطبيقات إمكانية تصفح صور الآلاف من العاملات المنزليات، مصنفة حسب العرق، ويمكن شراء أي منهن مقابل بضعة آلاف من الدولارات، فيما يشبه سوق نخاسة يمثل ستاراً لأحد أشكال العبودية الحديثة، وتُعرض النساء للبيع عبر هاشتاغات مثل "خادمات للنقل" أو "خادمات للبيع".
ولإنجاز التحقيق، تنكر عضوان من فريق "بي بي سي" بصفة زوجين، وتحدّثا إلى 57 من مستخدمي هذه التطبيقات في الكويت، وزارا أكثر من 10 أشخاص يحاولون بيع خادماتهم عبر تطبيق معروف يحمل اسم "4sale".
ويمكن التطبيق من تصنيف وانتقاء العاملات وفق العرق، وتحدد الأسعار بحسب الطلب.
وبحسب التحقيق، فقد اتفق العديد من مستخدمي التطبيق على ضرورة مصادرة جواز السفر الخاص بالعاملة، والتضييق الشديد على استخدامها الهاتف، أو منعه تماماً، وسمع فريق التحقيق منهم تعليقات متكررة من أمثال "الهنديات هن الأقذر".
كما طلب مستخدموه الذين يقولون إنّهم "يمتلكون" العاملات، من فريق التحقيق، عدم منح العاملات أيّاً من حقوق الإنسان الأساسية، مثل العطلات، "ولو ليوم أو دقيقة أو حتى ثانية".
Twitter Post
|
وذكر فريق التحقيق، أنّ من بين مستخدمي تطبيق "4sale" ضابط شرطة يسعى للتخلص من العاملة المقيمة لديه، وقال للفريق: "صدقني، إنها لطيفة جداً. إنها تضحك وذات وجه بشوش. ولن تتذمر أو تشكو، حتى لو أبقيتها مستيقظة حتى الخامسة صباحاً".
ولم يكتفِ الشرطي بهذا، بل إنّه وجه نصيحة أخيرة للمشترين قائلاً: "لا تعطها جواز سفرها. أنت من يكفلها، فلمَ تعطيها جواز السفر؟"، مشيراً إلى أنّ عاملات المنازل يعتبرن سلعة، "فستجد أحدهم يشتري عاملة مقابل 600 دينار كويتي (ألفي دولار)، ويبيعها مقابل (3300 دولار)" حسب قوله.
وعرض أحد البائعين على الفريق، شراء فتاة من غينيا تبلغ من العمر 16 عاماً، رغم أنّ القانون الكويتي ينص على أنّ عاملات المنازل يجب أن يزيد عمرهن عن 21 عاماً.
وقالت المرأة التي عرضت الفتاة للبيع، إنّها لم تحصل على أي عطلات، وقد صودر جواز سفرها وهاتفها، ولم يُسمح لها أبداً بمغادرة المنزل وحدها، وكلها أفعال يجرمها القانون الكويتي.
واستنكرت المقررة الأممية الخاصة لأشكال العبودية الحديثة أورميلا بولا، ما يجري بحق العاملات المنزليات في الكويت، قائلة: "نرى هنا أطفالاً يباعون ويُشترون كالعبيد، كأنهم ممتلكات". كما دعت إلى محاسبة غوغل وآبل وفيسبوك، في حال ثبوت ضلوع أي منها في السماح بنشر هذه التطبيقات، والترويج لسوق نخاسة إلكترونية.
وتُجلب عاملات المنازل في معظم دول الخليج عن طريق وسطاء، ثم يُسجلن رسمياً لدى السلطات، وتدفع الأسر الراغبة في خدماتهن رسوما للوسطاء، لتصبح الأسرة هي الكفيل الرسمي للعاملة.
وتنص بنود الكفالة على عدم حق العاملة في تغيير أو الاستقالة من عملها، أو مغادرة البلاد من دون إذن الكفيل.
وفي عام 2015، صدر قانون في الكويت لحماية عاملات المنازل، اعتُبر الأكثر صرامة في الخليج. لكن هذا القانون لم يلق قبولاً لدى الجميع.
وتسمح تطبيقات مثل "4Sale" لصاحب العمل بنقل كفالة العاملة لآخرين مقابل ربح، ويلغي ذلك دور الوسطاء، ويخلق سوقاً سوداء غير مراقبة، تجعل العاملات أكثر عرضة للاستغلال والانتهاكات.
السعودية أيضاً
وبحسب التحقيق الاستقصائي، فإنّ هذه السوق الإلكترونية لا تقتصر على الكويت، ففي السعودية، كشفت المعطيات عن بيع مئات النساء عن طريق تطبيق آخر باسم "حراج"، إلى جانب بيع مئات أخريات عبر تطبيق إنستغرام.
كما سافر فريق التحقيق إلى غينيا، في محاولة للوصول إلى عائلة الفتاة الغينية، التي عثروا عليها معروضة للبيع في الكويت. وعثرت السلطات الكويتية لاحقا على الفتاة، وأودعتها في ملجأ حكومي لعاملات المنازل. وبعد يومين، رحلتها السلطات إلى غينيا لكونها قاصرا.
وقالت الفتاة لفريق التحقيق: "كانوا يصرخون في وجهي، ويقولون إنني حيوانة. كان الأمر مؤلما، وشعرت بالحزن، لكن لم يكن بمقدوري فعل أي شيء".
وتقول الحكومة الكويتية إنّها "تخوض حرباً مع هذا النوع من الممارسات"، وتؤكد أنّ تطبيقات بيع العاملات "محل استهداف قوي".
وأكدت السلطات الكويتية، بحسب ما ذكرته "بي بي سي"، أنّها استدعت رسمياً مالكي العديد من الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي تستخدم لبيع عاملات منازل كعبيد.
وتقول السلطات إنّ الأفراد المعنيين تلقوا أوامر بإزالة إعلاناتهم من المواقع التي توجد عليها. كما أُجبروا على توقيع التزام قانوني بعدم المشاركة في نشاطات مماثلة. وأوقفت العديد من الحسابات الأكثر استخداماً لبيع وشراء عاملات المنازل نشاطها.
وقال القائمون على تطبيق إنستغرام، إنّهم اتخذوا إجراءات أيضاً، بعد أن اتصلت "بي بي سي" بهم، مؤكدين أنّهم أزالوا المحتويات المماثلة من فيسبوك وإنستغرام، واعدين بأنّهم سيحولون دون إنشاء حسابات جديدة مصممة للاستخدام في سوق الرقيق عبر الإنترنت.
السلطات الكويتية تتحرك
وقال مبارك العازمي رئيس الهيئة العامة للقوى العاملة في الكويت، إنّه يحقق مع المرأة التي ظهرت في تحقيق "بي بي سي"، والتي باعت فتاة من غينيا تبلغ من العمر 16 عاماً (أطلق عليها اسم فاتو)، عبر أحد التطبيقات.
وأضاف العازمي أنّ الشرطي الذي ظهر أيضاً في التقرير يخضع هو الآخر للتحقيق. وقال إنّ الأمور قد تفضي إلى اعتقالات بحق المتورطين، وتعويضات للضحايا.
وقالت كيمبرلي موتلي، المحامية الدولية الأميركية التي تتولى قضية الفتاة القاصر فاتو، "أعتقد أنّ مطوري التطبيقات يجب أن يقدموا تعويضاً لفاتو، وشركتي آبل وغوغل كذلك".
وقالت شركتا غوغل وآبل، إنهما تعملان مع مطوري التطبيقات لمنع أي نشاط غير قانوني على منصاتهما.