مع اشتداد أزمة الجفاف وتناقص منسوب نهري دجلة والفرات، يتجه العراقيون لحفر الآبار كي يعوضوا النقص الحاد بمياه الشرب والريّ خصوصاً في جنوب البلاد. ويهدد الجفاف الفعلي بعض مدن الجنوب التي يمر فيها نهر دجلة الذي ضرب الجفاف مجراه.
وأعلنت السلطات المحلية في محافظات ميسان وذي قار وبلدات أخرى من جنوب العراق توقف جريان نهر دجلة بالكامل وانخفاض منسوب مياهه إلى حدّ غير مسبوق، في حين علّلت السلطات العراقية ببغداد أسباب الأزمة بشح الأمطار، وتخفيض إيران وتركيا حصة العراق المائية.
وقال مهندس الرّي مجيد الجبوري أنه "ليس أمام العراقيين خيار آخر غير حفر الآبار مع خشيتهم من انخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات بشكل أكبر خلال موسم الصيف المقبل، وعدم هطول الأمطار خلال فصل الشتاء الحالي حتى الآن، وجفاف مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، ودخول مدن البلاد الجنوبية في مرحلة شح مياه الشرب".
وبدأ الفلاحون والأهالي في مناطق الوسط والجنوب بحفر الآبار بوتيرة متسارعة لسد حاجتهم الشديدة للمياه في مناطق عامرية الفلوجة وزوبع وبغداد وصلاح الدين وبابل وميسان والكوت والناصرية ومناطق أخرى.
مزهر صويلح من أهالي ميسان (367 كلم جنوب بغداد) قال: "نحن فلاحون ونشعر بألم شديد حين ننظر إلى بساتيننا تموت بسبب الجفاف وشح مياه نهري دجلة والفرات أخيراً، لذلك نحفر الآبار لسد حاجتنا وهي تكلف كثيراً من المال والجهد".
وأضاف صويلح لـ"العربي الجديد"، "المشكلة الخطيرة أن المياه الجوفية جنوب العراق غالباً ما تكون مالحة لا تصلح للشرب ولا للسقي، وهذه كارثة أخرى ولا نعرف ماذا نفعل. الحكومة صامتة ونهر دجلة بدأ يجف وسيلحقه الفرات خلال فصل الصيف".
وبسبب تكاليف حفر الآبار يشترك بعض الأهالي أو الفلاحين بجمع المال لحفر بئر هنا أو هناك، وتكون مياهه مشتركة بينهم سواء للسقي أو للشرب والاستخدامات الأخرى.
صافي الربيعي صاحب شركة لحفر الآبار أوضح أن "الطلب تزايد خلال الأشهر الأخيرة ولم تعد آلياتنا تكفي لتلبية كافة الزبائن لكثرة الراغبين بحفر الآبار من الأهالي والفلاحين، مع استمرار موجة الجفاف الشديدة وغياب الأمطار".
وتابع "يكلف حفر البئر الواحد حسب العمق بين 5 -10 مليون دينار عراقي، إي بين 4 و8 آلاف دولار أميركي. بعض المناطق تظهر مياهها الجوفية على عمق خمسة أمتار وأخرى على عمق 100 متر أو 250 متراً، لكن المشكلة تكمن في منطقة السهل الرسوبي جنوب العراق حيث المياه الجوفية مالحة".
حفر الآبار بدأ في العراق منذ عام 2005 لكنه كان على نطاق محدود جداً. وتزايدت عمليات الحفر مع تزايد موجة الجفاف وأصبحت على أشدها خلال عامي 2016 -2017 ومطلع 2018 الجاري، مع تناقص مياه نهري دجلة والفرات بشكل غير مسبوق في تاريخ البلاد.
ودفعت موجة الجفاف الشديدة في العراق رئيس الوزراء حيدر العبادي عام 2015 إلى دعوة المواطنين للتقشف وترشيد استهلاك المياه. في حين شرعت السلطات الحكومية بحملة واسعة لحفر عشرات الآبار لسد الحاجة للمياه.
ويقول الخبراء أن العراق سيواجه موجة جفاف لم يسبق لها مثيل منذ فجر التاريخ بسبب تناقص مناسيب نهري دجلة والفرات من المنبع في تركيا نتيجة السدود التركية التي تبنى على مجاري النهرين.
خبير الأمن المائي صالح الزوبعي بيّن أن "حاجة العراق للمياه سنوياً تبلغ نحو 100 مليار متر مكعب، والكميات المتوفرة تناقصت إلى أقل من النصف خلال الأعوام الأخيرة".
وأوضح أن "الخطر الأعظم الذي يرافق جفاف نهري دجلة والفرات أو تناقص مياههما بشدة هو خطر تناقص المياه الجوفية مع تزايد حفر المئات من الآبار الارتوازية في مختلف مناطق البلاد، وهذا يعني كارثة تاريخية لم يسبق لها مثيل".
ولفت إلى "فشل المفاوضات بين العراق وتركيا عام 1998 لحل أزمة السدود على نهري دجلة والفرات التي تهدد بجفافهما النهرين، ما دفع الرئيس الراحل صدام حسين إلى وضع بطاريات صواريخ أرض أرض عند الحدود التركية مهدداً بقصف إنشاءات السدود، فعادت الحكومة التركية عندها فوراً للتفاوض، وأوقفت بناء السدود، وضخت المياه في النهرين مجدداً آنذاك".
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً أظهرت جفاف نهر دجلة في مناطق الجنوب، فيما وجد الصبية فرصة لهم للعب في قعر النهر واستكشافه.