جوازات سفر وبارود متفجر بقايا "داعش" داخل مشفى في الباغوز شرقي سورية


19 فبراير 2019
مقاتل على خط الجبهة في بلدة الباغوز (فرانس برس)
+ الخط -
داخل مشفى استخدمه تنظيم داعش في بلدة الباغوز في شرق سورية، تختلط على الأرض ضمادات وأقنعة أوكسجين وقفازات بلاستيكية بجوازات سفر وأكياس معبأة ببارود متفجر أسود اللون.

وفي الباحة الخارجية، ترك "داعش" خلفه حمالة حمراء اللون لنقل المصابين، وقربها ثلاث أكوام من التراب، دفنت قوات سورية الديموقراطية تحتها جثث امرأة ومقاتلين من التنظيم كانا يرتديان جعبة عسكرية مدججة.

تعمّ حالة من الفوضى في هذا المبنى ذي البوابة الحديدة البيضاء الكبيرة والطوابق الثلاثة. يشير إيهاب الجبار (20 عاماً)، المقاتل في قوات سورية الديموقراطية، إلى طاولة من الحديد عليها آثار دماء. ويقول لـ"فرانس برس": "انظروا إنها دماء، هنا كانوا يضعون جرحاهم".

وفي الغرف التي تبعثرت محتوياتها، تتوزع المستلزمات الطبية على الأرض: أكياس حقن مفتوحة وأنابيب وقفازات وأقنعة أوكسجين وأدوية وأوراق في كل ناحية وصوب.

وبين تلك المستلزمات أكياس بلاستيكية صغيرة بيضاء اللون مملوءة ببارود متفجر. يحمل الجبار أحدها ويشرح "كانوا يستخدمونها في التفجيرات".

ينتقل المقاتل إلى غرفة أخرى، حيث لا يزال مصل معلق على أحد جدرانها، فيها فرش بنية اللون موضوعة فوق بعضها البعض وقربها بطانيات ملونة.

جدير بالذكر أن قوات سورية الديموقراطية سيطرت قبل أيام على هذا المبنى، وحولته نقطة تمركز لها قرب خطوط الجبهة. وتحيط به أبنية مدمرة وهياكل سيارات وشاحنات متفحمة.

وبات تنظيم "داعش" محاصراً في نصف كيلومتر مربع داخل بلدة الباغوز، بعدما تقلصت تدريجياً مساحة سيطرته في سورية على وقع هجوم بدأته قوات سورية الديموقراطية في سبتمبر/ أيلول بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركية.

في إحدى قاعات هذا المبنى، ترك "داعش" ورقة كتب عليها بخط اليد وبالحبر الأزرق جدول دوامات الطاقم الطبي "الصباحي والمسائي"، بالإضافة إلى "مجموعة الطوارئ" وتضم أسماء الأطباء والممرضين.

ومن بين تلك الأسماء أبو حمزة العراقي، وأبو أيوب التونسي وأبو إبراهيم الخرساني، بالإضافة إلى أسماء أخرى تعود لسوريين وعراقيين.

وعلى ورقة أخرى، كُتبت أسماء العاملين في الصيدلية وموظفي شؤون الصيانة والخدمات والمختبر.

وتضم ورقة ثالثة دوامات "الرباط الصباحي والمسائي"، في إشارة إلى مواعيد المقاتلين المسؤولين غالباً عن حراسة المشفى.

بين المستندات التي يمكن العثور عليها داخل المشفى بطاقة انتخابية لمواطنة من الباغوز صادرة في عام 1997، بالإضافة إلى جوازات سفر، اطلعت "فرانس برس" على ثلاث منها. يعود الأول لمواطن تونسي (29 عاماً) ويحمل ختم دخول إلى تركيا في السادس من يناير/ كانون الثاني 2013.

واكتشف مقاتلون من قوات سورية الديموقراطية تدريجياً، خلال تقدمهم في المنطقة، مؤسسات وسجوناً ومراكز شرطة تابعة للتنظيم الإرهابي.

ويقول المقاتل صابر (23 عاماً) إنهم وجدوا على بعد بضعة كيلومترات مقراً لإذاعة البيان، التي شكلت على مدى سنوات إحدى أبرز الأدوات الدعائية للتنظيم ودأبت على بث أخباره وأخبار المناطق تحت سيطرته في سورية والعراق المجاور.

ويوضح "كان المقر خالياً من المعدات باستثناء لافتة صغيرة كتب عليها إذاعة البيان".

على سطح المشفى الميداني المطل على خط التماس الأخير مع تنظيم داعش، يشرح صابر "نسمعهم يتحدثون عبر الأجهزة اللاسلكية لكن لا نفهم دائماً عليهم، بعضهم يتكلم بالأجنبية، وكل أسمائهم على شاكلة أبو هريرة وأبو قتادة".

ويقاطعه أحد المقاتلين خلفه، ويلف رأسه بشال مزركش، قائلاً "يستخدمون أحياناً شيفرة مثل مهاجر 3 أو مهاجر 5".

يتخذ المقاتلون من سطح المشفى الميداني مركزاً لرصد تحركات التنظيم والمدنيين المحاصرين معه في آخر بقعة داخل الباغوز. وتمكن منه رؤية خيم بيضاء وزرقاء اللون على بعد مئات الأمتار. كما يبدو رجلان ملثمان يرتديان بنطالين قصيرين، وهو الزي الذي يفرضه التنظيم في المناطق التي كانت تحت سيطرته.

وتقدر قوات سورية الديموقراطية وجود المئات من مقاتلي التنظيم والمدنيين المحاصرين معهم. وتقول إن استخدام التنظيم للمدنيين كـ"دروع بشرية" أدى إلى إبطاء تقدمها لحسم المعركة وإعلان انتهاء "الخلافة"، وهو ما توقعت يوم السبت أن يتم في غضون أيام.

وتسببت العمليات العسكرية بفرار نحو 40 ألف شخص من المنطقة الخاضعة لسيطرة التنظيم. إلا أن حركة الخروج توقفت خلال الأيام القليلة الماضية، وفق ما يقول مسؤولون من قوات سورية الديموقراطية، مشيرين إلى توقف المعارك بانتظار إيجاد حل للمدنيين العالقين.

ويقول صابر المقاتل ذو اللحية السوداء الكثة، "أهم معركة بالنسبة لنا اليوم هي إخراج المدنيين من الداخل (...) وبعد ذلك يأتي النصر ونعود إلى بيوتنا".

في شارع آخر عند مدخل الباغوز، تصل حافلتان تقلان عشرات المقاتلين من قوات سورية الديموقراطية. ينزلون منها ويقفون في صفوف متراصة بانتظار تلقي الأوامر لبدء عملية التبديل، بعدما حان وقت إجازات رفاقهم المرابطين على الجبهة.

يقول ماجد الشيخ، مقاتل في العشرينيات، حاملاً بندقيته من على سطح شاحنة "معنوياتنا فوق الريح. محيناهم تماماً".

(فرانس برس)