تزداد أسباب انجذاب الطلاب إلى تركيا، خصوصاً من دول الربيع العربي، ممن فقدوا إمكان متابعة تحصيلهم العلمي. منها أسباب مالية وثقافية، ومنها ما يرتبط باحترام الحريات في بلاد أتاتورك.
فتحت تركيا ثماني جامعات تدرّس باللغة العربية، فضلاً عن الجامعات التي تدرّس باللغة الإنكليزية، في السنوات الأخيرة، ما شكل عامل جذب مهماً للطلاب العرب. يضاف ذلك إلى جمال الطبيعة وتقارب الثقافة والعادات، ورخص المعيشة مقارنة بالقارّة الأوروبية والولايات المتحدة، ولا سيما بعد تراجع سعر العملة التركية أمام الدولار الأميركي بنحو 40 في المئة العام الجاري، ليصبح الدولار بنحو 5.6 ليرات تركية.
يقول نائب وزير التربية الوطنية، أورهان أرديم: "ارتفع عدد الجامعات من 76 جامعة عام 2002 إلى 202 جامعة عام 2018، كما توجد 15 جامعة جديدة في طور الإنشاء"، مشيراً خلال ورشة بمدينة شانلي أورفا أخيراً، إلى أنّ بلاده رفعت ميزانية التعليم الوطني من 11 مليار ليرة في عام 2002 إلى 134 مليار ليرة (24 مليار دولار) عام 2018.
وارتفع عدد الطلاب الأجانب في الجامعات التركية جميعها، بحسب تصريح سابق لمدير عام معارض التعليم الدولية في تركيا، دنيز أكار، من 25 ألف طالب عام 2011، إلى نحو 125 ألف طالب العام الجاري، كما وصل عدد الطلاب الأتراك الذين يكملون تعليمهم العالي في الخارج إلى نحو 100 ألف طالب، في المقابل.
يصل عدد الطلاب العرب في تركيا إلى نحو 80 ألف طالب بحسب مصادر جامعية، من بينهم نحو 20 ألف طالب سوري عام 2018 بحسب محمد مديم أصلان، منسق شؤون الشرق الأوسط لرئاسة شؤون الأتراك في المهجر. وهو ما يؤكده لـ"العربي الجديد" أيضاً الأستاذ في جامعة "غازي" بأنقرة، محمد حقي صوتشين. ويصل عدد الطلاب السوريين المسجلين في مرحلة الماجستير إلى 1149 طالباً، وفي مرحلة الدكتوراه إلى 352 طالباً، كما أنّ نحو ألفي طالب مسجلون في الجامعات التركية الخاصة.
لماذا تركيا؟
تعود أسباب اختيار العرب للجامعات التركية، بحسب مدير شركة "عالم إسطنبول" للقبول الجامعي والمنح بالجامعات بتركيا، جهاد العويد، إلى الكلفة المنخفضة للرسوم الجامعية، وللمعيشة في تركيا، بالإضافة إلى مستوى التعليم والاعتراف الدولي بالشهادة التركية التي وصل العديد من جامعاتها، إلى تصنيف الجامعات الـ500 الأولى في العالم.
يضيف العويد، وهو وكيل لعشرين جامعة في تركيا: "ارتفع عدد الطلاب العرب، خلال السنوات الخمس الأخيرة بأكثر من خمسة أضعاف، خصوصاً من الدول التي تشهد حروباً، كسورية وليبيا واليمن، كما بدأ الطلاب العرب يهجرون الجامعات في الخليج العربي، خصوصاً السعودية بسبب غلاء الرسوم الجامعية والمعيشة، بعد زيادة رسوم الإقامة على العرب هناك.
يلفت العويد إلى أنّ كثيراً من الأسر، السورية والعربية، ترسل أولادها إلى الجامعات التركية، ليكونوا نواة لمجيئهم لاحقاً، فالطالب هنا يحصل على إقامة طوال فترة دراسته، وكثير من الأسر، لحقت أولادها وتقيم اليوم في تركيا.
وحول الأقساط الجامعية في تركيا، والمميزات الممنوحة للطالب العربي، يشير العويد إلى أنّ في إمكان الطالب أن يعمل خلال الدراسة بموجب إذن عمل من وزارة الشؤون الاجتماعية، كما أنّ معظم الطلاب السوريين في الجامعات، تم منحهم جنسية تركية، أو هم في طريقهم إلى نيلها، فضلاً عن منحهم راتباً وإقامة ووجبات غذائية للطلاب المقبولين بنظام منحة الدولة التركية. ويعادل الراتب 1000 ليرة (181 دولاراً) شهرياً.
في ما يتعلق بالأقساط الجامعية، فهي تتراوح بين 2500 دولار و8 آلاف دولار سنوياً في الجامعات الخاصة، ونحو 20 ألف دولار لكليات الطب. أما الجامعات الحكومية، فهي بالمجان للسوريين الذين زاد عددهم عن خمسة آلاف طالب هذا العام، "من 15 ألف طالب عام 2017 إلى عشرين ألف طالب عام 2018، وأما العرب غير السوريين، فتتراوح أقساط الجامعات الحكومية بين ألف دولار و3 آلاف سنوياً"، بحسب العويد.
مستوى عالمي
يرى صوتشين، أنّ المستوى التعليمي بتركيا، الذي بلغ العالمية وينافس كبرى الجامعات الدولية، هو من الأسباب المهمة لزيادة إقبال الطلاب عليها، خصوصاً من المنطقة العربية والقارة الأفريقية، فضلاً عن طلاب من أوروبا والولايات المتحدة، بدأوا يتوافدون خلال الأعوام الأخيرة.
يشير صوتشين إلى تشارك معظم الجامعات التركية في برامج التبادل الطلابي مع العديد من الدول المتقدمة تعليمياً، كبرنامج "أيراسموس" الذي يتيح للطلاب دراسة سنة في أيّ جامعة من دول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب برنامج "فارابي" الخاص بالدراسة في كندا وأميركا وأستراليا.
لكن، يبقى مجيء الطلاب العرب هو الأكبر، خصوصاً بعد اندلاع الحروب وتهديم الجامعات واعتماد تركيا سياسة منفتحة مع المنطقة العربية وتقديمها تسهيلات كثيرة، بما فيها المنح المجانية، كما يقول. تلفت "العربي الجديد" إلى أنّ الكلفة المنخفضة للمعيشة، واتزان الأقساط الجامعية، تسببا بزيادة توافد الطلاب العرب، الذين تأثروا كثيراً بالدراما التركية، وأحبوا تركيا ربما بسبب تلك المسلسلات.
فكيف يرى الأستاذ الجامعي التركي مستوى الطلاب العرب؟ يقول صوتشين: "هناك فئة تدرس باللغة الإنكليزية. هؤلاء يتفوقون على الأتراك وغيرهم، لكن من يدرس باللغة التركية يعاني، خصوصاً في كتابة المقالات وأبحاث ورسائل التخرج. لكنّ السوريين الذين يدرسون بالعربية والتركية، كانوا حالات استثنائية، بل تبوأوا المراكز الأولى في أكثر من ست جامعات العام الماضي".
أسباب الطلاب
تتقارب الأسباب التي دفعت الطلاب العرب، ليكملوا تعليمهم العالي بتركيا؛ فلبنى خلف الآتية من الإمارات، تقول لـ"العربي الجديد" إنّ الفرع الذي تحلم بدراسته "تلفزيون وسينما" ليس موجوداً في الجامعات الإماراتية، ويوجد ما يقترب منه هناك، لكن بأقساط مرتفعة جداً. انتسبت إلى جامعة "بهشة شهير" برسوم فصلية تبلغ 4 آلاف دولار، فيما تصل كلفة الفصل في القسم المشابه لدراستها، وليس نفسه، في الإمارات إلى 10 آلاف دولار، بالإضافة إلى أنّ المستوى العلمي في تركيا أفضل من الإمارات، بحسب خلف. تشير خلف إلى أنّ جمال تركيا والحياة الاجتماعية والطلابية والحرية فيها، وهي لا تقارن أبداً بمستوى الحياة في بلدها، دفعتها أيضاً لاختيار جامعات هذا البلد.
من جهتها، تقول الطالبة السورية لمى، إنّها انتقلت من كلية الطب في جامعة "ابن سينا" بمدينة جدة السعودية إلى جامعة "إسطنبول" لتتابع دراسة الطب البشري: "قسط العام الدراسي بتركيا لا يصل إلى عشرين ألف دولار، فيما يتجاوز، مع المصاريف والمشاريع بالسعودية 30 ألف دولار".
في جامعة "بهشة شهير" سجل الطالب التونسي حمزة عبد النبي، العام الجاري في قسم الهندسة وأنظمة الطاقة، بقسط فصلي يبلغ 8 آلاف دولار، بعدما نال أخوه عباس، منحة دراسية مجانية في جامعة "قيصري" لدراسة الاقتصاد. يقول عبد النبي: "تركيا تشبهنا أكثر من أوروبا. والدراسة والحياة فيها أرخص. إسطنبول خصوصاً فيها مزيج من الشرق والغرب، مدينة جميلة تشحنك بكثير من عناصر الجمال".
من جهته، تخرج كمال بكور وهو من مدينة حمص السورية في هندسة الجيولوجيا، ويحضّر الآن للماجستير بالتخصص نفسه. يقول بكور لـ"العربي الجديد": "درست في جامعة إسطنبول الحكومية بالمجان، وأحضّر الآن للدراسة في جامعة إسطنبول تيكنك، بقسط فصلي رمزي يبلغ نحو 200 دولار". يشير بكور إلى أنّ الأسباب التي دفعته لإكمال دراسته في تركيا، التي كان قد بدأها قبل سبع سنوات بسورية، هي الحرب أولاً، ولأنّ تركيا تستقبل السوريين من دون تعقيد وتأشيرات ثانياً، وبالنسبة للطلاب العرب هناك سهولة في التسجيل. ولدى تركيا دعاية كبيرة في الوطن العربي، إن عبر الدراما أو المواقف التركية، ويضاف إلى ذلك أنّ تركيا بلد متطور ويتمتع من فيه بكامل حريته الدينية والاجتماعية.
تختلف ظروف الطالبة الفلسطينية أيام عبيد، التي تدرس العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة "إسطنبول أيدن"، إذ تقول لـ"العربي الجديد": "أتيت إلى تركيا بغرض السياحة قبل أن أنوي الدراسة فيها، فوجدت الحرية ومستوى التعليم العالي والحياة التي تناسبني كعربية ومسلمة. ولأنّي أحلم بدراسة العلوم السياسية ولا يمكن دراستها في فلسطين المحتلة، لأنّ المنهج هناك إسرائيلي وموجه ولا أستطيع تعلم الحقد على أبناء شعبي الفلسطينيين والعرب، أتيت إلى إسطنبول، لأدرس ما حلمت به، بعيداً عن التحيّز و العنصرية".