رمضان غزة... زينة وفوانيس وإفطارات تتغلب على الحصار

06 يونيو 2017
تتزين الأسواق بالفوانيس والأهلة طيلة رمضان(عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
لا تغيب حركة الفلسطينيين عن وجه المدينة في ساعات صيامها الأولى من كل يوم، فمفترقات الشوارع الغزّية تزدحم بالعُمال والموظفين وطلاب الجامعات وغيرهم، ممن لديهم شؤونهم وأعمالهم الحياتية، كونهم اعتادوا على العمل في رمضان رغم قسوة الظروف. 

ومع ساعات الظهيرة، تظهر أولى أجواء هذا الشهر في الأسواق الغزّية، التي زُينت بالفوانيس والأهلة، بيد أن الحركة تبدأ بالازدحام فيها حتى الساعة الأخيرة من الصيام، التي يُكابد فيها الفلسطينيون لشراء مستلزماتهم اليومية لإتمام فطورهم وعائلاتهم.

تستوقف بسطة صغيرة معبأة بـ"الجرجير والفجل"، يقودها بائع جوّال على أحد الطُرقات، أحد الفلسطينيين الذين أنهوا أعمالهم مع ساعات العصر، ليشتري بعضًا من تلك الخضروات التي تلزم موائد الصائمين في إفطارهم اليومي، عدا عن آخرين ازدحموا على محل الفاكهة الذي جاور تلك البسطة.

ويشعر السائر في شوارع المدينة الباهت لونها بفعل الأزمات المتلاحقة، بشهر رمضان، من خلال الأجواء التي يخلقها سُكانها لتلوين حياتهم ببعض من الزينة والفوانيس المعلقة على الطرقات وواجهات المحال، وآخرون حرّكوا الأرض الساكنة ببسطاتهم الجوالة بالحاجيات في شوارع غزة.

على نواصي الطريق تبرز صورة رمضان في المحال التجارية التي زُينت بفوانيس وأهلة الشهر، آملين أن تجذب تلك الأجواء الغزّيين إلى بضاعتهم. وبصوت مرتفع يوصي تاجر ابنه بأخذ باله من محاله لحين ذهابه لأداء صلاة العصر في المسجد مع الصائمين.



إلى الغرب من قطاع غزة، حيث البحر المتنفس الوحيد للغزّيين، تبرز صور التناقض في مشاهد الفلسطينيين في رمضان، إذ تجد بعضًا منهم تجمّع بعائلته لقضاء الساعات الأخيرة من الصيام متنفسًا هواءً باردًا بعيدًا عن حر البيوت التي تصدّعت بأزمات الكهرباء، عبر افتراش الأرض والإفطار هناك.

وآخرون اكتظت حركتهم في ميناء غزة، الذي بات ملاذًا لهم، باحثين عن أرض يفترشونها لفطورهم الذي حضّروه مسبقًا في بيوتهم، على وقع غروب الشمس، وأذان المغرب وسكون الساعة الأولى من الإفطار، إذ يعتبرون ذلك نوعًا من التجديد في أيامهم الرمضانية وتعايشهم معها بعيدًا عن روتين البيوت.

ومن الميناء إلى شماله، نحو أحد المخيمات القريبة من ذلك الميناء، تظهر الصورة العامة للفلسطينيين في جلساتهم البسيطة على عتبات منازلهم قبيل ساعات الإفطار، بعضهم يتسامر عن أحوال المدينة الشاحبة، وآخرون يجلسون بعيونهم حرسًا لأطفالهم الذين هربوا للعب أمام بيوتهم انتظارًا للإفطار.

أمّا شوارع المخيم فلا تختلف عن المدينة وطرقاتها في رمضان، فالاختلاط حادث في روائح أكلات الفلسطينيين وموائدهم في الساعات الأخيرة من الصيام، كما في الزينة التي تظهر للسائرين في القطاع، والتي اعتاد بعضهم على تعليقها في منازلهم وعلى نوافذهم، كجو عام للإحساس بنفحات رمضان.

تلك الطقوس السابقة من زينة رمضانية وجلسات بسيطة وحركة داخل الأسواق تدفع بالغزّيين إلى كسر شبه يومي لحالة الإحباط والكبت، من واقع المدينة المحاصرة إسرائيليًا للعام الحادي عشر على التوالي، عدا عن اشتداد أزماته في قضايا شح الكهرباء والتقليصات في الرواتب للموظفين.

ومع دخول العد التنازلي لرفع أذان المغرب فوق آذان البيوت، التي سكنت صمتًا لسماعه، لكسر صيامها عن الحياة في غزة، يظهر القطاع شبحًا في وجه من تأخر على إفطار عائلته، من خلو الشوارع والطرقات من الساكنين الذين سرعان ما يعودون لازدحامها بعيد ساعة الإفطار الأولى.