تكثر حملات مكافحة العنوسة المتزايدة في مصر، لكن من بينها ما بادر إليه الأزهر مؤخراً، لا تتوجه إلى أصل المشكلة، وتحديداً أزمتي البطالة وضعف القدرة على توفير سكن
مبادرة "يسروا ولا تعسروا" التي أطلقها الجامع الأزهر، في مصر، أخيراً، لمواجهة العنوسة، التي ارتفعت نسبتها على مستوى مختلف المحافظات إلى أرقام مخيفة، ليست الأولى، بل سبقتها عشرات المبادرات، سواء الدينية أو الأهلية، والندوات لمواجهة الظاهرة، وقد حُكم عليها جميعاً بالفشل.
من بين تلك المبادرات التي لم تؤدِّ إلى نتائج إيجابية، مبادرة أطلقها العام الماضي، مواطنون مصريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تحت شعار "متخليهاش تعنس"، وهو شعار نال انتقادات لإساءته إلى المرأة، خصوصاً أنّ العنوسة مرتبطة بالجنسين، ولا تقتصر على الإناث دون الذكور. وقد أرجع البعض فشل كلّ المبادرات إلى كثير من المشاكل المتشابكة والمرتبطة بعملية الزواج، والتي ليس من بينها "المهور" فقط، بل هناك مشاكل في المحافظات كافة، في الوجهين القبلي والبحري. وفي الإطار نفسه، قرر مجمع البحوث الإسلامية التابع لمشيخة الأزهر، إطلاق حملة مؤلفة من ثلاثة آلاف واعظ وواعظة، كلفهم بالمرور على القرى والمدن في المحافظات المصرية كافة، بتوجيهات من الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، للتوعية بخطر غلاء المهور وتكاليف الزواج، والقضاء على السلوكيات الخاطئة التي أخذت في الانتشار خلال الآونة الأخيرة.
لكنّ أحد المسؤولين، من الأزهر، طالب، من جهته، بضرورة مناقشة مشاكل الشقق السكنية التي تبيعها الدولة للشباب بأسعار خيالية لا تمتّ إلى الواقع الذي يعيشون فيه بصلة. وقال: "إذا كان الدكتور الطيب حزيناً بخصوص أزمة العنوسة، فعليه حلّ المسألة مع الحكومة، والدخول في عش الدبابير لمواجهة أزمة الإسكان الطاحنة التي تواجه ملايين الشباب، خصوصاً بعدما وصل سعر الشقق السكنية في بعض المناطق في المحافظات إلى مليون جنيه (63 ألف دولار أميركي) وأكثر، وهناك أقساط تقصم ظهر أيّ شاب، بينما تراوحت أسعار الإيجارات ما بين ألف جنيه (63 دولاراً) وألفين (126 دولاراً)، فضلاً عن الدفعة المسبقة، والتشطيب (تجهيز الشقة) ودفعة الخلوّ، وارتفاع أسعار الفواتير، من كهرباء وغاز ومياه، مما يجعل من المستحيل على شاب في بداية حياته، أن يسدد مطالب السكن، فضلاً عن كلفة تأثيث بيت الزوجية، في ظلّ ارتفاع الأسعار المبالغ فيه، إذ يبدأ أيّ أثاث من 50 ألف جنيه (3160 دولاراً).
طالب المسؤول الديني -الذي رفض الكشف عن اسمه- التدخل لدى الحكومة لحلّ أزمات البطالة وتوقف الشركات والمصانع عن العمل، وهي الأزمات التي لها دور مهم وحيوي في زيادة نسبة العنوسة، وقد زادت بالفعل مؤخراً، خصوصاً مع ما تشهده البلاد من ظروف اقتصادية صعبة دفعت شركات ومؤسسات عدة إلى تخفيض عدد العاملين فيها، توفيراً للميزانيات والأموال، ورفض الوزارات والهيئات الحكومية تقبُّل تعيين خريجين جدد فيها طبقاً لقانون الخدمة المدنية، بالرغم من حاجة تلك المصالح للعمالة بعد خروج الآلاف إلى التقاعد خلال السنوات الماضية. وأكد أنّ وزارة الأوقاف "التي يعمل فيها" لديها عجز صارخ، سواء في مبنى الوزارة بالقاهرة أو الإدارات التابعة لها في المحافظات. وأشار إلى أنّ خريجي الجامعات والمعاهد والشهادات المهنية المتوسطة، يتحولون إلى عاطلين من العمل، قابعين في المنازل، بانتظار الفرج. وهكذا يجري رفض الشبان منهم إذا ما تقدموا لخطبة فتاة أو الارتباط بها، كونهم عاطلين من العمل، ولا يملكون شققاً سكنية، مشدداً على أنّ نسبة الطلاق المرتفعة في البلاد سببها الظروف الاقتصادية. وتابع: "شيخ الأزهر الذي ينتمي إلى إحدى محافظات الصعيد، يعلم جيداً تلك الأزمات التي تواجه الشباب، وليست الأزمة في المهور فقط، كما يرى الدكتور الطيب، بل هناك أزمات عدة يجب حلّها" مشيراً إلى أنّ شيخ الأزهر عندما يتوجه إلى مسقط رأسه بمحافظة الأقصر في صعيد مصر، يواجه عشرات الطلبات من الأهالي من أجل التوسط للعثور على وظيفة.
وبحسب متخصصين، فإنّ قضية تأخر سن زواج الشباب، باتت مثيرة للقلق داخل مصر، شأنها شأن كثير من القضايا التي يحاول المجتمع التصدي لها، وعلى رأسها الطلاق والتفكك الأسري. وأكد هؤلاء أنّ ارتفاع تكاليف الزواج أدى إلى عزوف كثير من الشباب عنه، إذ إنّ الشاب يجد نفسه أمام تكاليف لا تحصى، تبدأ بشقة الزوجية، التي يتكلف توفيرها وتأثيثها مئات الآلاف من الجنيهات، وما يعقب ذلك من مسؤوليات، قد يضطر بسببها إلى الاستدانة، وبعدها لا يجد ما يدفعه لسدّ ما عليه من ديون، فيجد نفسه عرضة للسجن.
في هذا الإطار، قالت أستاذة علم الاجتماع، في المركز القومي للبحوث الاجتماعية، الدكتورة عزة كريم، إنّه لا بدّ من حلّ مشاكل الزواج كافة، بداية من تيسير حصول الشاب على شقة الزوجية، وهي حجر الأساس لأيّ زواج، وحلّ مشكلة البطالة، ثم التوفيق بين الطرفين في المهور والخطبة وتكاليف الزواج، وإلغاء ثقافة التباهي والتفاخر. وأكدت أنّ تأخر سنّ الزواج لدى الشباب هو نتيجة للخوف من الفقر، والتعرض لظروف اجتماعية سيئة، وبالتالي الطلاق، وهو مثال سيئ بين الأهل والعائلة، ينفر البعض بسببه من الزواج، فيؤجل الارتباط.
من جهته، قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، الدكتور أحمد حجازي، إنّ ارتفاع سن الزواج عند الجنسين داخل مصر، أصبح أمراً لا مفرّ منه، في ظل الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تحكم الطرفين. تابع: "باتت مسائل الزواج في مصر تحكمها عدة معايير ثابتة، ومترابطة، فليس من المعقول أن يتقدم شاب لخطبة فتاة، وليس لديه سكن أو مهنة يكتسب منها لقمة العيش". أضاف أنّ هناك ارتفاعاً مقلقاً في متوسط سنّ الزواج في مصر خلال السنوات الأخيرة مقارنة بالوضع قبل عشرين عاماً، مطالباً الحكومة بحلّ أزمة الإسكان للشباب، خصوصاً المقبلين على الزواج، بالتيسير في دفع المقدم لشراء سكن الزوجية. وأشار إلى أنّ تأخر سن الزواج يمثل مشكلة أخرى ترتبط بالإنجاب، وفي حال الإنجاب يكون هناك فارق كبير بين سنّ الأب والأم وسنّ الأطفال، ما يؤدي إلى مشاكل سلوكية، وهو ما يعني أنّ لغة الثقافة المشتركة تصبح أكثر صعوبة بين الجيلين.