عجز

29 مارس 2017
ما هي الحقيقة في الأساس؟! (دايف جاي هوغان/ Getty)
+ الخط -

"بالأمس كنتُ ذكياً، فأردتُ تغيير العالم. اليوم أنا حكيم، لذلك سوف أغيّر نفسي". إقرار من مولانا جلال الدين الرومي. حبّذا لو كنّا على صورته.. ولو بعض الشيء. حبّذا لو كنّا قادرين على تغيير أنفسنا.. على اعتزام تغيير أنفسنا.. ولو بعض الشيء. "التغيير" واحد من تلك المصطلحات التي قد توصَف بـ "الدسمة". لا بدّ من أن يكون كذلك، إذ يُعدّ واحداً من تلك "الأهداف الكبرى". هي أهداف نضعها نصب أعيننا وكلّنا أمل بتحقيقها. نَصِفها بـ "الكبرى" إذ ندرك في عمق أعماق ذواتنا، استعصاءها. نَصِفها بـ "الكبرى" إذ نشعر بأنّنا "صغار" قبالتها.

نطمح إلى التغيير كمُرتجى سامٍ، ونكرّر رغبتنا فيه. نمضي ونحن نكرّر تلك الرغبة، من دون بلوغه. هو مجرّد تكرار - لا إراديّ أحياناً - لرغبة نفصح عنها أمام آخرين أو نبقيها في داخلنا، بعيداً عن أيّ سعي حقيقيّ إلى ذلك التغيير. نفصح عنها أمام آخرين، كأنّنا نحاول تأكيد "حقيقتها". ما هي الحقيقة في الأساس؟! ونمضي ونحن نكرّر تلك الرغبة، من دون بلوغ التغيير. ربّما لسنا مستعدّين لبلوغه. ربّما لسنا "حكماء" كفاية لذلك. الحكمة ليست بمتناولنا. من نحن لنكون حكماء؟!

قد نكون أذكياء أو قد نظنّ أنّنا كذلك، ونطالب بتغيير العالم. نسعى إلى تغيير العالم أو نظنّ أنّنا فاعلون. تغيير العالم أيسر من تغيير النفس. أمر لا شكّ فيه. هكذا نظنّ. أقلّه، ادّعاء تغيير العالم أيسر من ادّعاء تغيير النفس. أمر لا يحتمل الالتباس. هكذا نظنّ. وإن كان كذلك، إلّا أنّنا عاجزون عن تغيير العالم. عاجزون نحن عن تغيير أنفسنا وعاجزون عن تغيير العالم. باختصار، نحن عاجزون عن التغيير. واقع يتّضح لنا يوماً بعد آخر، وإن لم نقرّ به. ربّما نجزع من الإقرار بذلك العجز.

نحن عاجزون. قد يكون أمس، ذلك الماضي، مسؤولاً عن ذلك العجز الذي يعوّق الغد. قد يكون الفشل في التغيير مرّة تلو أخرى، هو ما خلّف لدينا ذلك العجز.. ذلك الشعور بالعجز. ربّما لسنا عاجزين إلى هذا الحدّ. ربّما نتوهّم عجزاً لتبرير فشل في التغيير.. أيّ تغيير كان.. تغيير العالم أو تغيير أنفسنا. نتوهّم ذلك العجز، فيستحيل واقعاً ويتلبّس بنا. في عجزنا، نحاول الهروب. ربّما في ذلك التغيير، تغيير النفس، إدراك لذواتنا الحقيقيّة ونحن نخشاها. ربّما في ذلك التغيير، تغيير العالم، إدراك لواقعنا الحقيقيّ ونحن نخشاه. ويتكرّر السؤال: ما هي الحقيقة في الأساس؟!

انشغلنا في إشكاليّة التغيير الكبرى وتهنا في هواجسنا التي تخلّفها في ذواتنا، ففاتنا ما قصده جلال الدين الرومي. لنقرأ من جديد: "بالأمس كنتُ ذكياً، فأردتُ تغيير العالم. اليوم أنا حكيم، لذلك سوف أغيّر نفسي".


المساهمون