مبادرة شبابية لبنانية لتوفير الرعاية الصحية المنزلية

31 مارس 2020
قليلون من يخرجون من منازلهم (حسين بيضون)
+ الخط -

لم يكن طلاب كلية الصحة في الجامعة اللبنانية وخرّيجوها بمنأى عن دقّة المرحلة التي يمرّ بها لبنان، وعن المبادرات المجتمعيّة التي اعتادت البلاد على الارتكاز عليها عند كلّ أزمة، فأطلقوا مبادرة إنسانية لمساعدة المرضى في منازلهم، في ظلّ انتشار فيروس كورونا الجديد

"لا نملك الإمكانيات المادية، لكنّنا قادرون على المساهمة في علاج المرضى في بيوتهم". بهذه العبارة يختزل طالب كلية الصحة، في الجامعة اللبنانية (الرسمية الوحيدة) قسم التمريض، حسن حمّود، مبادرة أطلقها طلاب وخريجو الكلية تحت شعار: "ما تطلع من البيت، نحن مْنِجي (نأتي) لعندك". يقول لـ"العربي الجديد": "هدفنا تقديم العناية الطبية والرعاية التمريضية لمرضى الأمراض المزمنة خصوصاً أو أيّ مرض آخر، ولكلّ مريض بحاجة إلى مصل، أو تغيير على جرح، أو فك غرزات أو وخز إبر، أو أيّ استشارة طبية، وذلك انطلاقاً من خطورة الخروج من المنزل خلال الفترة الراهنة".



يضيف: "انطلقت فكرة المبادرة في منتصف مارس/آذار الجاري، وباشرنا فيها بعد أيام عدّة، فوزّعنا مهام الرعاية التمريضية للخريجين، أي الممرضين المجازين والمسجلين في النقابة، فيما تكفل الطلاب بمهام تأمين الأدوية والشؤون التنظيمية والردّ على الاتصالات الهاتفية". يتابع: "زارت المبادرة 10 منازل حتى اليوم، بمعدّل 10 مرضى، من مسنّين غير قادرين على الخروج لتأمين أدويتهم أو للحصول على الرعاية اللازمة، كونهم أصلاً يعانون من مشاكل صحية تعيق خروجهم، إلى مرضى محتاجين تمنعهم ظروفهم المادية من تأمين الدواء أو الحصول على الرعاية الطبية، بالإضافة إلى العديد من الاستشارات المجانية عبر الهاتف".

وإذ يشير حمّود إلى أنّ "المبادرة ما زالت ضمن نطاق العاصمة بيروت" يكشف أنّهم يسعون إلى توسيعها عبر التواصل مع طلاب وخرّيجي كلية الصحة في مختلف فروعها المنتشرة في لبنان، بهدف مساعدة أكبر عدد ممكن من المواطنين والمقيمين. ويقول: "حركتنا تطوّعية، ونحن جاهزون لخدمة أي محتاج لرعاية صحية أولية من دون أيّ مقابل، باستثناء فقط ثمن المواد المطلوبة لهذه الرعاية في حال عدم توافرها في منزل المريض، مثل الإبر والأمصال وما شابه. وقد لمسنا خلال أيام معدودة العديد من حالات الفقر وطلبات الاستغاثة".

وعن مدى خوفهم من التقاط العدوى في حال كان أحد المرضى مصاباً بالفيروس، يجيب حمّود: "واجبنا الإنساني والأخلاقي يتطلّب وجودنا إلى جانب هؤلاء المرضى في هذه الفترة بالذات، لكنّنا نتّخذ الإجراءات الاحترازية كافّة من التجهز بالكمّامات والقفازات وارتداء ملابس التمريض الخاصة، وغيرها من سبل الوقاية، وذلك لدرء الخطر عن المرضى وعن أنفسنا وعائلاتنا في الوقت نفسه".

في سياقٍ متّصل، يشدّد الممرّض المُجاز من الجامعة اللبنانية، حسين جرادي، على أهمية الوقوف إلى جانب المرضى في هذه الأوقات الصعبة. يقول لـ"العربي الجديد": "منذ لحظة اختيارنا اختصاص التمريض ودخولنا إلى هذه المهنة كان وما زال العامل الإنساني هو المتحكّم بنا وبعملنا، إذ إنّ صحة المريض أولويّة، ولذلك انطلقت هذه المبادرة الفردية".

يضيف: "نحرص على مراقبة حرارة جسدنا ووضعنا الصحي قبل الذهاب لمساعدة أيّ مريض في منزله، وذلك حرصاً على سلامته وسلامة عائلته، كما أنّنا بدورنا نتّخذ الإجراءات الوقائية اللازمة للحدّ من التقاط العدوى، ونستفسر كذلك عن الوضع الصحي للمريض وعمّا إذا كان يعاني من عوارض شبيهة بعوارض الوباء العالمي، وذلك قبل زيارته، ليُصار إلى تحويله فوراً إلى المستشفى لتلقّي الرعاية السريرية اللازمة في حال الاشتباه بإصابته". وإذ يلفت إلى أنّ "المبادرة تضمّ حتى اليوم 35 طالباً وخرّيجاً" يؤكّد أنّها "مبادرة عابرة على امتداد العاصمة تلبّي مختلف النداءات الإنسانية". ويقول: "هدفنا المساهمة في دعوات ملازمة المنازل منعاً لانتشار فيروس كورونا، كما تقديم الرعاية الصحية الأولية لكلّ محتاج مجّاناً ووفق الوصفة الطبية فقط، والتخفيف كذلك من الأعباء المالية المترتّبة على استقدام الممرّضين إلى المنازل ومن خطورة التقاط المسنّين العدوى لدى زيارتهم المستشفيات، خصوصاً أنّ الوضع ينذر بالأسوأ".

يتحدّث جرادي عن امرأة مسنّة تبلغ أربعة وتسعين عاماً، اتصلت تطلب مساعدتهم في تأمين أدويتها، إذ إنّ ابنتها خائفة من الخروج إلى الصيدلية، حالها حال مسنّة أخرى بحاجة إلى وخز إبر، وغيرها إلى تنظيف أو معرفة كيفية تشغيل بعض الأجهزة الطبية المنزلية. يتابع: "لمسنا الخوف من الخروج لدى كثيرين، لا سيّما في صفوف المسنّين، ما يدلّ على ضرورة توفير الرعاية الصحية المنزلية".



مبادرة الطلاب والخريجين اليوم خطوة تُضاف إلى سجل الأعمال الخيرية والتطوّعية التي يشهدها لبنان في الفترة الأخيرة، والتي تثبت يوماً بعد يوم أهمية الدور الذي يلعبه المجتمع المدني والمبادرات الفردية في إعادة الأمل إلى نفوس المحتاجين من جهة وتعزيز شعور التكافل الاجتماعي من جهة أخرى.
المساهمون