متاحف صغيرة في بيوت فلسطينيّة تحكي التراث والتاريخ

24 نوفمبر 2014
لا بدّ أن يتعرّف الأجانب على حضارتنا (عبدالقادر عقل)
+ الخط -
بالعشرات، يتوافد الزائرون الأجانب على تلك الغرفة المتواضعة، حيث تُعرض أثواب شعبيّة إلى اليمين وأدوات زراعيّة قديمة وقطع من القماش إلى اليسار. هذا ليس متحفاً، بل منزل المواطن الفلسطيني زياد البطة في قرية حجة في قضاء قلقيلية شمال الضفة الغربيّة.
والبطة موظّف حكوميّ تؤمّن له وظيفته دخلاً ثابتاً ومميزاً، بالمقارنة مع ما يتقاضاه مواطنوه في ظلّ الأوضاع الاقتصاديّة الصعبة. لكنه أراد تحويل منزله إلى متحف صغير، لا سيّما "بعد ترميم البيوت والأحياء القديمة في قريتنا العام الماضي. فقد أصبح ضرورياً أكثر من أي وقت مضى جمع الأدوات والمعدات التقليديّة". بالنسبة إليه، "لا بدّ أن يتعرّف الأجانب على حضارتنا الفلسطينيّة وتراثنا عن كثب".
ويخبر البطة أنه اشترى "هذا المنزل في الأحياء القديمة بعد الترميم، لأنني أحب التراث وتستهويني عمليّة جمع القطع التراثيّة من مطرّزات وأزياء قديمة، وكذلك المعدات الزراعيّة القديمة، بالإضافة إلى الأسلحة البيضاء التاريخيّة؛ كالسيوف والخناجر والسكاكين، وأدوات منزليّة كالأواني المختلفة وغيرها".
بالنسبة إلى البطة، فإن في ذلك رسالة إلى العالم تفيد "بأننا لسنا لقطاء، وأن لنا تاريخاً يربطنا بهذه الأرض، وجغرافيتها وتضاريسها تعرفنا جيداً. وتراثنا هذا هو دليل قاطع على أحقيتنا بها، ويمنحنا شرعيّة".
من جهته، يجمع أشرف جوابرة، وهو طالب في كليّة الإعلام في جامعة النجاح، الأدوات القديمة في إحدى غرف منزله. أما مصدرها، "فالجيران أو أهل بلدتي كفر راعي في قضاء جنين. كذلك قد تصلني من بعض المناطق الفلسطينيّة البعيدة عبر أصدقاء ومعارف".

ومن بين القطع التي يملكها الشاب، "مذياع قديم وساعات وتحف جديدة تعبّر عن الانتماء، بالإضافة إلى أدوات زراعيّة وأوعية نحاسيّة وأخرى حديديّة". ويشدّد جوابرة على أنه لا ينكر "فضل من يمنحني قِطعة أثريّة واحدة. فأنا أدّون اسمه عليها". ويؤكد على "ضرورة المحافظة على تركة الأجداد"، سائلاً: "إذا لم نفعل، من ينقلها إلى الأجيال اللاحقة؟".
لا تُحصَر المتاحف الصغيرة في المنازل فقط، بل تأتي أيضاً في إطار مؤسسات اجتماعيّة. وبلدة ديراستيا الواقعة في قضاء سلفيت في الضفة الغربيّة، نموذج عما يُمكن تسميته "المتاحف المؤسساتيّة".
ياسر عوض، مدير اتحاد الشباب الفلسطيني في البلدة، يُخبر أنهم كانوا في البداية يجمعون أدوات الزينة التراثيّة فقط، أما اليوم، "فتتبلور فكرة متحف صغير، لكنها ما زالت في مراحلها الأولى". ويقول: "نسعى إلى تحويل إحدى قاعات النشاطات أو الاجتماعات إلى متحف تراثي متواضع".
وعند البحث عن الأسباب التي تدفع إلى إنشاء المتاحف الصغيرة المماثلة، "نجد في المقدّمة الحماية من العبث والتوعية على إرث الأجداد والانفتاح على العالم"، بحسب ما يوضح عوض. ويشير إلى أن وفوداً أجنبيّة عديدة تزور مقرّ الاتحاد بشكل دوري، "وتلك الزيارات فرصة لا تعوّض لنقل صورة الحضارة الفلسطينيّة إلى هذه الوفود التي تقصدنا من دولٍ مختلفة في أوروبا وأميركا اللاتينيّة وآسيا وغيرها".
ويتابع عوض: "صحيحٌ أننا عاجزون عن إنشاء متحف ضخم في البلدة القديمة في ديراستيا التي تبلغ مساحتها نحو 51 دونماً، إلا أن لكلّ واحد منا ولكل مؤسسة قدرة على إقامة متاحفها الخاصة حتى ولو كانت متواضعة".
إلى ذلك، كثيرةٌ هي المتاحف متوسطة الحجم التي باتت تكتسب شهرة واسعة، وغدت مقصداً للزائرين الأجانب في مختلف المواسم، بعدما كانت قد انطلقت بخطوات صغيرة. ومتحف يبوس التراثي الواقع في مخيّم الفارعة بالقرب من مدينة نابلس، نموذج بارز من هذا التطوير التدريجي للمتاحف.
بالنسبة إلى مدير متحف يبوس التراثي محمد العايدي، فإن فكرة المتاحف الصغيرة مميّزة، لكنها تحتاج إلى مواكبة ببرامج تثقيفيّة، بالإضافة إلى تضافر كل الجهود الشعبيّة والرسميّة لحشد الطاقات وغرس ثقافة المحافظة على التراث.
يضيف: "وينبغي أن تستهدف هذه البرامج التثقيفيّة كل الفئات العمريّة والشرائح المجتمعيّة، مع التركيز على الأطفال والجيل الجديد". ويسأل: "ما الضير من أن يكون في كل بيتٍ متحف صغير متواضع؟".
يتابع العايدي: "من المُعيب والغريب أن يحتفظ الأجانب بتذكاراتٍ من تراثنا يحملونها معهم إلى بلادهم، فيما نحن الفلسطينيّون لا نحافظ على تراث بلدنا ولا نجمعه لا في بيوتنا ولا في مؤسساتنا".
ويوضح أن ما وصل إليه اليوم متحف يبوس "ليس نهاية التحديث والتطوير. فنحن نأمل في جمع مزيد من القطع الأثريّة وضمّها إلى متحفنا".
دلالات