حيوانات هولندا... أولويّة على الطرقات

09 سبتمبر 2016
لا يشار للحيوان إلا بلغة العاقل (العربي الجديد)
+ الخط -

تولي هولندا اهتماماً كبيراً بالحيوانات، حتى أنها تخصّص يوماً لهم. وبات الأمر ثقافة لدى المواطنين الذين يضعون الطعام للحيوانات على شرفاتهم، وكأنّهم يشاركونها منازلهم.

دفع مقتل واختفاء ثلاث عائلات من طيور البجع في إحدى مدن مقاطعة جنوب هولندا، السلطات والمنظّمات الهولندية والمواطنين، إلى رصد جائزة مالية لكلّ فرد يدلي بمعلومة تؤدي إلى معرفة الجاني ومصير الطيور المفقودة. فُتح تحقيق في الحادث. وقبل أن تختفي عائلتان إضافيّتان، كانت الجائزة قد رُفعت من 500 يورو إلى ألفي يورو. هذه الحادثة أثارت غضب المواطنين، خصوصاً بعد قتل العائلة الأولى. وتوسّعت التحقيقات بعد اختفاء عائلتين من البجع كانتا تسكنان قناتي "آلفين آن دين راين" و"زفاميردام" جنوب أمستردام. ولاحظ سكان المنطقة اختفاء هذه الطيور التي كانت تستريح أو تتشمس على مرأى من عيونهم. اهتمت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بتغطية ما حدث.

في هولندا، المسألة ليست بسيطة ولا يمكن تجاوزها. للحيوانات حقوقها ويجب على المجتمع والدولة صونها. وسائل الإعلام وصفت الحادثة بـ "المرعبة"، ولاحقت مجريات التحقيق وشهادات القاطنين. هذا الخبر ظهر في بعض النشرات الرئيسيّة على مختلف المحطات.

تخصّص أمستردام يوم الرابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام للحيوان. صحيح أنه ليس يوم عطلة رسمية، لكنه يعكس أهمية الاهتمام بالحيوانات التي يصفها الهولنديون بـ "البريئة". منهم من يعتبر كلبه صديقاً. ولا يشار للحيوان إلا بلغة العاقل، وليس هناك تمييز لغوي بين الإنسان والحيوان. ويضع المواطنون الطعام على شرفات منازلهم وفي الحدائق وعلى أغصان الأشجار، حتى اعتادت الطيور الاقتراب من البشر وشرفاتهم.

للحيوان حزب ممثّل في البرلمان بعضوين، بالإضافة إلى ثالث في مجلس الشيوخ. ويرى حزب الحيوان أن وظيفته ليست سياسية وإنما استشارية، من خلال تقديم نصائح للحكومة وأجهزة الدولة المختلفة، والمساهمة في تعزيز وصيانة "حقوق الحيوان".




خلال الأعوام الأخيرة، زادت شعبية الحزب، وحصل على نحو مائتي ألف صوت خلال الانتخابات الأخيرة التي أجريت في العام 2014. وكان قد أوصى الحكومة في وقت سابق بتخفيض استهلاك اللحوم في المستقبل، وهو ما جرى اعتماده من الائتلاف الحكومي الحاكم. كذلك، طالب بفرض ضريبة على كل كيلو لحم يباع في المملكة، وإصدار قانون يمنع ويجرّم إعدام الغربان، وهو أمر متبع من بعض الفلاحين كوسيلة للحفاظ على محاصيلهم.

لدى جهاز الشرطة الهولندي قسم خاص بالحيوانات يسمى "شرطة الحيوان". ويسعى الجهاز إلى تأمين سلامة الحيوانات في المملكة وعدم الإساءة إليها. ويشمل هذا مساعدة القطط العالقة، ومنع تعرض كلب للإساءة في منزل أو شارع، وغيرها. ولدى جهاز الشرطة خط ساخن يستقبل من خلاله الشكاوى والتقارير على مدار الساعة.

وفي حال تعرّض الحيوان لحادث، تتولّى الأجهزة المتخصّصة المساعدة وتقديم الرعاية. على سبيل المثال، يتولى القسم البيئي في البلديات تأمين الفضاء الطبيعي للحيوانات والطيور، على غرار إنشاء حدائق خاصة، وتأمين الغذاء لها، والجداول والأقنية المائية، وكل ما تحتاجه الطيور المقيمة والمهاجرة لبناء الأعشاش والتكاثر. لدى هذه البلديات أقسام هندسية متخصصة لتأمين بيئة مستقرة ومستدامة لتلك الطيور، التي تشارك الهولنديين بيوتهم.

من جهة أخرى، تعدّ الرعاية الطبية واللقاحات إلزامية. في هذا الإطار، تنتشر العيادات والمستشفيات والصيدليات إضافة إلى الأطباء المتخصصين. في حادثة اختفاء ومقتل البجعات، تولى محققون من الشرطة و"نجدة الحيوان" في البلدية التحقيق لكشف ملابسات ما حدث ومنع تكرار الأمر في المستقبل. وهذه مسألة ليست بالسهلة بحسب "نجدة الحيوان" التي دعت المواطنين والسكان إلى التعاون لمراقبة وتأمين سلامة الطيور على مدار اليوم، نظراً لعددها الكبير والمساحة الشاسعة التي تقطنها. ويمكن رؤية أعشاش الطيور في المدن الرئيسية والطرق والأراضي الزراعية والمحميات والمسطحات المائية الكبيرة الموجودة في هولندا.

ولا تراعي البلديات وأجهزة الدولة سلامة وصحة الحيوانات الجسدية والبيئية فقط، إذ حصّنت سياساتها الوقائية من خلال إصدار عدد من القوانين والتشريعات. وعادة ما يلتزم الجميع بقوانين الصيد البري. وليس غريباً أن تتوقف الحركة في الشوارع وعلى الطرقات في حال صودف مرور حيوانات مهما طالت المدة. أما المارة، فيبتسمون لها.


دلالات