"السلفية" تتمدد في السويد

05 يوليو 2018
مظاهر كثيرة تقلق أهل البلاد (فرانس برس)
+ الخط -

في دراسة بعنوان "بين السلفية والسلفية الجهادية"، يؤكد باحثون سويديون أنّ انتشار الأصولية والتعصب بين مسلمي السويد يعكس مشكلة اجتماعية، وسط عجز عن الحد من انتشار السلفية

تعاني السويد، أسوة بدول أوروبية شمالية أخرى، من انتشار "الأصولية الإسلامية" أو التشدد والتزمت والعزلة التي يختارها بعض المهاجرين المسلمين. ويجري ربط أشخاص من ذلك التوجّه في السويد والدنمارك، مباشرة بتنظيمات متشددة من قبيل تنظيمَي "القاعدة" و"داعش"، وبأشخاص من أمثال أيمن الظواهري خلف أسامة بن لادن والزعيم الروحي للجماعة الإسلامية في مصر الشيخ عمر عبد الرحمن وغيرهما. وكانت تلك الدول قد استقبلت منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي أشخاصاً من دول مغاربية ومشرقية عربية هاربين من حروب واضطهادات وملاحقات سياسية، ومنحتهم اللجوء. ويشير رسميون وباحثون إلى تنامي التأثير الاجتماعي والسياسي لهؤلاء الأشخاص والجماعات، خصوصاً في مسائل الاندماج والمشاركة السياسية والعيش في مجتمعات "موازية" ورفضهم النمط الاسكندنافي في العيش ومحاولة التأثير على الأجيال الشابة لتبتعد أكثر عن المجتمع الذي ولدت فيه ونشأت. ويحمّل الرسميون والباحثون هؤلاء الأشخاص والجماعات مسؤولية تحريض السويديين والدنماركيين على الانخراط في مجموعات متشددة في خارج الحدود.

وقبل أيام، تناولت دراسة شاملة وتفصيلية ذلك الموضوع، وقد أتت في 265 صفحة أعدّها باحثون بارزون في أكاديمية الدفاع السويدية، ونشرت في ستوكهولم تحت عنوان "بين السلفية والسلفية الجهادية". والدراسة التي ركّزت على "اتساع رقعة وزيادة نفوذ السلفية الإسلامية في السويد"، خلّفت جدالاً كبيراً في المجتمع وعبر وسائل التواصل على خلفية ما احتوته من تفاصيل عدّها البعض "مخيفة لمستقبل السويد".



ويرى كبير الباحثين في أكاديمية الدفاع، والمشارك في الدراسة، ماونوس رانستروب، أنّ "السلفية الجهادية بات لديها نفوذ قوي في السويد". ويشير إلى أنّ الدراسة التي عدّها الإعلام السويدي والمتخصصون بالحركات الإسلامية "الأكثر شمولية في تاريخ دول الشمال"، تشمل أسماء وتيارات عابرة للحدود بين السويد وأوروبا وهي "خطوة أولى لرسم صورة عامة عن تلك البيئات". يضيف أنّه "في الوقت نفسه، تحتاج هذه القضية إلى مزيد من البحث. ولا بدّ من أن يفهم المجتمع ورجال السياسة تطوّر تلك البيئات في إطار ما شهده مجتمع السويد من تطوّرات اجتماعية".

يُذكر أنّ وسائل الإعلام السويدية كانت تشير إلى "ظواهر تأثير ونفوذ أصوليين إسلاميين في بيئات الهجرة"، باستخدام ما يسمّيه هؤلاء "سيطرة اجتماعية في التجمعات السكنية"، لكنّها المرة الأولى التي يجري التطرق فيها إلى تفاصيل دقيقة عن عمل السلفية الجهادية والتكفيرية ورموزها في السويد. وقد وجد الباحثون أنّه "في مدن سويدية عدّة يهيمن التيار المتشدد على بيئات المهاجرين، في حين أنّ المجتمعات المحلية (السويدية) باتت تستشعر وجود ذلك التشدد الديني وتأثيراته على حياة ضواحي تلك المدن".

ويشير الباحثون إلى "اتساع ظاهرة المجتمعات الموازية التي يفرض فيها التشدد الديني الإسلامي هيمنته على الحياة العامة"، مؤكدين عبر أدلة ومراجع في دراستهم أنّ "السلفية ظاهرة جرت مأسستها في المجتمع السويدي (بين المهاجرين) بأيديولوجية واضحة وعابرة للحدود الأوروبية، وبعلاقات تشمل عددا من دول أوروبا". ويُبرز هؤلاء علاقة السلفيين بآخرين من الاتجاه نفسه في إسبانيا وفرنسا وهولندا وألمانيا والدنمارك، الأمر الذي يجعل هذا التيار برأيهم "عابراً للحدود ويستعين بخبرات فروعه في مختلف المجتمعات".

وفي العام الماضي، كانت أجهزة الأمن السويدية قد عبّرت عن قلقها من اتساع ظاهرة التشدد الإسلامي، وارتفاع عدد المنتمين إلى التيارات ليبلغ الآلاف بعدما كان هؤلاء مئات عدّة فقط، وسفر نحو 300 من مسلمي السويد للانضمام إلى صفوف "داعش".



وخلال استناد الباحثين إلى منهجية البحث الميداني، عرض هؤلاء قضية دعم بعض الأئمة لتنظيم "داعش" وتأييد "استشهاد بعض الشباب من السويد منضوين في صفوف التنظيم". ومن الأسماء المثيرة للجدال والتي تتضمنها الدراسة من بين عشرات الأسماء، برز اسمَا "أبو رائد" و"على القناص" وهما إمامان معروفان في السويد "عبّرا عن ترحيبهما بسيطرة تنظيم داعش على الموصل العراقية في عام 2014 وعبّرا عن دعمهما لحربه من خلال دعوة المسلمين في السويد إلى الصلاة لينصر الله إخوانهم السنّة وكذلك إلى التضحية بأنفسهم وأموالهم". وقد جرى ذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيّما موقع "فيسبوك".

ويلفت معدو الدراسة إلى أنّ انتشار "السلفية التكفيرية" (هكذا يطلقون عليها حرفياً) حصل في ستوكهولم قبل تسعينيات القرن الماضي، بعد منح اللجوء السياسي لأفراد من جماعات إسلامية من دول عربية إلى السويد، ومن بينهم أشخاص من مقاتلي الجماعة الإسلامية في الجزائر، ومن إسلاميين هاربين من المغرب، ومن مقرّبين من القاعدة منذ أيام "الجهاد الأفغاني" بمن فيهم المتهم بالإرهاب في الدنمارك سعيد (سام) منصور الذي جرّد أخيراً من الجنسية الدنماركية بتهمة الإرهاب، بالإضافة إلى أشخاص من فرنسا وهولندا رأوا في "المسلمين الحقيقيين" حماة للإسلام في السويد.

ويرى هؤلاء الباحثون في انتشار السلفية على مساحة جغرافية واسعة من البلاد، انعكاساً وتأثيراً واسعَي النطاق على التكامل والاندماج في المجتمع السويدي، إلى جانب المخاوف الأمنية والعجز القضائي عن متابعة بعض رموزهم وترحيلهم.