بريطانيا لا تترك أطفالها وحدهم

02 يوليو 2017
الأطفال في حاجة إلى رعاية (تولغا آكمين/ فرانس برس)
+ الخط -
تولي بريطانيا اهتماماً كبيراً لحضانة الطفل ورعايته وتكاليف معيشته اليومية، حين تؤدي مشاكل الزوجين إلى الانفصال أو الطلاق.
قبل تدخّل القانون، يمكن للشريكين ترتيب مسألة رعاية الطفل وحدهما، عن طريق الاتفاق على النفقات والحضانة، وهو ما يعرف باسم الترتيب القائم على أساس الأسرة. لكن، في حال تعذّر الوصول إلى حل، ينبغي طلب خدمة دعم رعاية الطفل (Child maintenance support). تساعد هذه الخدمة في محاولة العثور على الوالد/ الوالدة في حال لم يعرف مكان إقامته، وذلك لتقسيم مسؤوليات الاهتمام بالطفل. وتسعى إلى تسوية الخلافات حول مصداقية النسب، والعمل على حساب المبلغ الذي ينبغي دفعه لنفقة الطفل من قبل الشريك الذي تخلّى عن الرعاية اليومية الرئيسية للطفل، وغالباً ما يكون الأب.

يحق لكلّ طفل تحت سن 16 عاماً الحصول على هذه الخدمة، وأيضاً كل شخص تحت 20 عاماً ما زال يدرس بدوام كامل ويعيش مع أحد الوالدين، على أن يكون من المسجّلين للحصول على المساعدات الحكومية للأطفال (Child benefit). ولا يمكن الحصول على هذه الخدمة إن كان الطفل والوالد المتلقّي يعيشان خارج بريطانيا. في المقابل، من الممكن أحياناً توفير هذه النفقات حتى لو كان الوالد الذي ينبغي عليه أن يدفع المال يعيش في الخارج.

ويستغرق الوصول إلى قرار بشأن دعم رعاية الطفل، شهراً تقريباً. وقد تطول المدّة في حال وجود مشكلة في الاتصال بالوالد/ الوالدة، الذي يتوجّب عليه الدفع. يحصل الطفل على المبلغ الأول، في غضون ستة أسابيع من اتخاذ ترتيبات الدفع.

وعلى الرغم من وجود قانون صارم يضمن حق الطفل في الحصول على الرعاية اللازمة من كلا الوالدين، يتملّص العديد من الآباء من دفع المبالغ المتوجّب عليهم تسديدها لأطفالهم، عن طريق المراوغة والغش في الكشف عن رواتبهم أو المساعدات التي يتلقونها. وأبرز تلك الحوادث، قصة الأب المليونير التي تناولتها وسائل إعلام بريطانية منذ فترة، بعدما صدر قرار يلزمه بدفع 7 جنيهات إسترلينية أسبوعياً فقط لابنه، في وقت تزيد فيه ثروته عن 5 ملايين جنيه إسترليني. دفعت هذه الحادثة قاضي المحكمة العليا إلى المطالبة بتغييرات في طريقة حساب إعالة الطفل. واتهم القاضي نيكولاس موستين، الأب البالغ من العمر 65 عاماً، باستخدام محاسب ذكي لضمان دفع الحد الأدنى لدعم طفله. وأشار موستين إلى أنّ التغييرات التي طرأت على قواعد إعالة الطفل قبل خمس سنوات، أدّت إلى استثناء الأموال الموجودة في الأصول أو العقارات. وتابع أنّ الأب يملك ستّة عقارات وصندوقاً للرواتب التقاعدية تبلغ قيمتها 5.2 ملايين جنيه إسترليني، لم يطلب منه سوى دفع الحد الأدنى، بالنظر إلى دخله الوحيد المتمثّل في الراتب التقاعدي الحكومي.

عام 2012، جرى تغيير النظام وسط مخاوف من معاقبة الآباء والأمّهات لامتلاكهم أصولاً لا تجلب لهم الأموال. ويجري احتساب مدفوعات إعالة الطفل الآن من دخل الوالدين الخاضع للضريبة فقط. لذلك، طالب القاضي موستين الحكومة بإعادة النظر في تطبيق القوانين القديمة التي كانت تأخذ في عين الاعتبار الأصول.



إلى ذلك، قد يجهل كثيرون من أبناء الجاليات العربية تلك الحقوق. فمنهم من يخشى المطالبة بها، خوفاً من ردّ فعل الزوج، ومنهم من يفضّل التوصّل إلى اتفاق أسري بعيداً عن المحاكم، وآخرون تنطلي عليهم ألاعيب الوالد الذي يتعهّد بدفع مبالغ معيّنة ويتنصّل منها بحجج واهية مرّات ومرّات.

في هذا الشأن، تتحدث "العربي الجديد" إلى هالة (43 عاماً) وهي أردنية مقيمة في لندن. تقول إنّها انفصلت عن زوجها منذ 8 سنوات، اتفقا حينها على أن يدفع مبلغاً شهرياً لطفليها بما أنّها هي التي تكفّلت بالاهتمام بهما. لكنّه ما لبث أن توقّف عن الدفع لأشهر متذرعاً بتراجع العمل وانخفاض المدخول. تعلق: "صدّقت كلامه في البداية، بما أنّه يعمل عملاً حراً ولا يتقاضى راتباً شهرياً ثابتاً، وتحمّلت مسؤولية طفليّ وحدي، لما يزيد عن عام". تضيف: "حاولت الاستفسار بين الفينة والفينة، عن إمكانية تقديم أي دعم ولو بسيطا، لأنّي تعثّرت وحدي عن القيام بذلك، لكنّه تملّص من تقديم أي مساعدة بالكامل. لجأت إلى الدوائر الحكومية التي تهتم بهذه المسائل. تحدّثوا إليه، لكنّه تمكّن من إقناعهم بأنّ مدخوله ضئيل جداً وأنّ جلّ ما يمكن فرضه عليه من مبالغ لا يتجاوز بضعة جنيهات في الأسبوع". تتابع: "عجزت جميع الوكالات التي تلاحق هذه القضايا، عن إثبات تلاعبه وغشّه، وتستّره على المبالغ الكبيرة التي يجنيها من عمله، وبما أنّه لا يمتلك عقارات، رضخت لما يقدمه لولديه على ضآلته".

في المقابل، يعبّر بيتر (42 عاماً) لـ" العربي الجديد" عن استيائه من كيفية حساب المبلغ الذي ينبغي على أحد الوالدين دفعه ويعتبره غير منطقي ومحيّرا: "لماذا يجبر الوالد أو الوالدة على دفع 25 في المائة من الراتب قبل حسبان قيمة الضرائب وغيرها من المدفوعات"؟ ويضيف أنّ ما يحتاجه أيّ طفل هو نفسه ولا يجوز أن يجبر الوالد على دفع مبالغ أكبر كلّما زاد دخله بل ينبغي أن تكون قيمة الإعالة ثابتة وواحدة بين الجميع مهما كان مدخول الشخص.