القدس: حياة مشلولة... وذاكرة الانتفاضة تعود تضامناً مع الأسرى

28 ابريل 2017
مشاركة مقدسية واسعة لدعم الأسرى (مصطفى الخروف/الأناضول)
+ الخط -

على غير ما أراده الاحتلال لها من عزل عن سائر محافظات الضفة الغربية، بدت القدس في يوم إضرابها، دعماً وإسناداً للأسرى، في مشهد أعاد لكثير من المقدسيين أمجاد الانتفاضة الأولى، حين كانت المحال التجارية في المدينة المقدسة الأسرع والأوسع استجابة لنداءات القيادة الموحدة في حينه.

 كانت القدس على عهدها في دعم الأسرى المضربين عن الطعام، بمن فيهم 170 أسيراً مقدسياً من أصل 481 أسيراً، كانوا التحقوا بالإضراب من بداياته، وانضم منهم اثنا عشر أسيراً في سجن النقب، بينهم سامر العيساوي المعتقل إلى جانب شقيقته المحامية شيرين، والأسير رأفت.

وفي السياق، قال والد الأسير شادي الشرفا، من سكان واد الجوز شمال البلدة القديمة، والذي انضم رفقة زوجته إلى الاعتصام الإسنادي للأسرى في ساحة الصليب الأحمر بالشيخ جراح: "ما رأيناه اليوم يسعدنا ويثلج قلوبنا كأهالي أسرى. القدس اليوم استعادت مجدها القديم إبان الانتفاضة الأولى. كنا نخشى ألا يكون الإضراب بهذه الشمولية، لكن الحمد لله، لقد تأكد لنا أن شعبنا مع أبنائه الأسرى". 

ويمضي شادي الشرفا حكما بالسجن الموبد، قضى منه خمسة عشر عاما، وكان قبل ذلك قد أمضى فترة اعتقال وصلت إلى ثلاث سنوات.


ولا يخفي والدا الأسير قلقهما على ابنهما وعلى سائر الأسرى، لكنهما يثقان بإرادتهم الحديدية: "ليست هذه هي المرة الأولى التي يخوض فيها شادي مثل هذا الإضراب. لقد خاض في السابق تجربتين، وأظهر صمودا وثباتا قويين"، يقول والد شادي.

وكانت والدة شادي حادة في مخاطبتها مسؤولاً في الصليب الأحمر، الذي خرج إلى أهالي الأسرى مساء اليوم يطمئنهم على أوضاع أبنائهم.

وأبرز المسؤول في الصليب الأحمر أن وفوداً من الصليب زارت سجوناً والتقت أسرى مضربين، واطمأنت على أوضاعهم، ونقلت من بعضهم رسائل لذويهم، مطالبا إياهم بـ"مزيد من الصبر"، قبل أن ترد عليه والدة الأسير: "لن نصبر أكثر. أبناؤنا في خطر. وربما الموت يتهددهم. هل مطلوب منا أن ننتظر حتى نودعهم شهداء".

وطالب الوالدان، خلال حديثهما لـ"العربي الجديد"، القيادة الفلسطينية بأن تبذل "جهداً حقيقياً" لإسناد أبنائهم، مشددين: "هم لا يفعلون المطلوب منهم. لا يجوز للرئيس عباس أن يرضخ للأميركيين والإسرائيليين، ولو استجاب لنداء شعبه، ورفض الضغوط الممارسة عليه لوقف الشعب كله معه".

وفي ساحة الصليب أيضاً، شارك أهالي شهداء ارتقوا في هبة القدس الأخيرة، كان من بينهم المحامي محمد عليان، والد الشهيد بهاء، وزوجته، وكلاهما أعلنا اليوم إضرابا عن الطعام دعما للأسرى. 

ما يتمناه أبو بهاء، هو أن يتضاعف الجهد الرسمي والشعبي والفصائلي في دعم الأسرى خلال إضراب "الحرية والكرامة"، مشددا "لا يجوز التهاون أبدا. حجم الدعم السياسي الموجود الآن في قضية الأسرى يعيد إلى أذهاننا حجم ما قدموه لنا حين كنا نقاتل من أجل استعادة جثامين شهدائنا. للأسف الجهد المبذول الآن غير كاف. وعلينا أن ندعم الأسرى بقوة، فلا رجعة عن الإضراب إلا بتحقيق مطالبهم العادلة".

أما والد الشهيد الفتى محمد أبو خضير، والذي شارك في الاعتصام إلى جانب زوجته أم الرائد، فعبّر عن خشية من إجهاض الإضراب، رغم ثقته بإرادة الأسرى، لكن "السياسة ملعونة"، كما قال. 


وقال "اليوم نحن هنا كأهالي شهداء ننضم إلى أهالي الأسرى، فأبناؤهم أبناؤنا، ولا ننسى وقوفهم معنا في محنتنا". 

ومن بين المشاركين في الفعاليات أسرى قدامى أمضوا سنوات طويلة في سجون الاحتلال، من أبرزهم ناصر أبو خضير، وضياء الجعبة، وسليمان شقيرات، وراسم عبيدات، والذي شارك قبل ذلك في وقفة أمام مقر المفوضية الأوروبية في الشيخ جراح، والتقى ضمن وفد من أهالي الأسرى مديرة المفوضية ليسلموها رسالة من أهالي أسرى القدس باسم جميع الأسرى تحث الاتحاد الأوروبي على تحمل مسؤولياته وممارسة دور ضاغط على حكومة الاحتلال.

وفي الميدان، كانت القدس قد اتخذت قرارا، بتقديم كل الدعم للأسرى، إذ تحولت ساحات كثيرة من بلداتها وأحيائها وقراها إلى ساحات مواجهة مع الاحتلال، أوقعت إصابات بالرصاص الحي والمعدني واختناقا بالغاز، كما حدث في مواجهات أبو ديس والعيزرية والعيسوية، ومخيم شعفاط وقلنديا وحزما وعناتا.

وتجددت المواجهات عند ساعات ظهيرة الخميس، لكن إضراب المدينة كان مشهدا غير الذي عاشته القدس على مدى عقود المفاوضات، التي يقول أهالي الأسرى لـ"العربي الجديد" إنها لم تأت بنتيجة، وكانت هتافات بعضهم تنشد البديل عنها بـ"القنبلة والصاروخ".

ولم يكن هذا المشهد غائبا عن الاحتلال، الذي طارد نشطاء كانوا يتثبتون من الالتزام بالإضراب، واعتقل ناشطين فتحاويين من بيت حنينا والطور، فيما حاصرت قوات خاصة اعتصام الصليب الأحمر، والاعتصام الذي سبقه قبالة المفوضية الأوروبية.

وباستثناء الجنود وأفواج من السياح، بدت البلدة القديمة من القدس، بجميع أسواقها، خالية من التجار والمواطنين، وفي بعض أسواقها، كما في خان الزيت والعطارين، كان الظلام يخيم عليها وسط الظهيرة، وكأنها هجرت منذ مدة.

أما خارج أسوار البلدة القديمة، فالمشهد كما هو داخلها: جنود ينتشرون على محاور الطرق، ومحال تجارية مقفلة، وأفواج من السياح، وحركة خفيفة للمستوطنين بحراسة خاصة، في ظل إجراءات وتدابير أمنية، سواء على الأرض أو من خلال كاميرات المراقبة التي تنتشر في كل زاويا البلدة القديمة.