تجمع في باريس لمطالبة الحكومة الفرنسية بالاعتراف بمجزرة 1961 في الجزائر

18 أكتوبر 2019
أشار المتظاهرون إلى مسؤولية الدولة الفرنسية عن الجريمة(العربي الجديد)
+ الخط -

في مثل هذا اليوم من سنة 1961، ارتكبت الشرطة الفرنسية واحدة من أبشع الجرائم في التاريخ الحديث، ضد متظاهرين جزائريين سلميين لبوا نداء "جبهة التحرير الوطني" الجزائرية لتحدّي "حظر التجول العنصري" الذي فَرَضه مُحافظ الأمن في باريس، حينها، موريس بابون، فكانت النتائج مئات الضحايا ممن قتلوا أو ماتوا غرَقاً في نهر السين، ويتحدث بعضهم عن 300 شخص، وثمة من يرى الرقم أكبر من ذلك، بالإضافة لآلاف المعتقلين والكثير من المختفين.

مرت 58 سنة على "جريمة دولة" في قلب عاصمتها، ومنذ ثلاثين سنة ينظم جزائريون وعرب وفرنسيون، متضامنون معهم، وقفات للمطالبة بمعرفة حقيقة ما جرى فعلاً وتحديد المسؤوليات، وبالتالي قيام الدولة الفرنسية بالواجب، على غرار ما فعلته إزاء اليهود، وأيضاً على غرار حكومات غربية اعترفت بجرائم ارتكبتها في حق مواطنين من مستعمراتها، كألمانيا وبريطانيا.

وليس معنى هذا أنه لم يحدث تطور رسمي فرنسي، ولكنه يظل غير كاف. فقبل سبع سنوات، اعترف الرئيس الفرنسي حينها فرانسوا هولاند، بالمسؤولية الرسمية عن قمع تظاهرة الجزائريين السلمية في باريس، ثم جاء خلفه إيمانويل ماكرون، ووعد بـ"أفعال قوية حول هذه المرحلة" من التاريخ الفرنسي، ولكن هذه الأفعال القوية لما تأتِ بعد، على الرغم من تصريحات للمرشح ماكرون في 17 فبراير/شباط، أثناء زيارته إلى الجزائر، اعتبر فيها "الاستعمار جريمة ضد الإنسانية".

متظاهرون في فرنسا لاحياء ذكرى مجزرة 1961 


ولكن الوعود لم تتحقق، وهذا ما عبر عنه مشاركون في الوقفة السنوية، الخميس، وهي تحت شعار "حقيقة وعدالة"، وتمّ تنظيمُها على "جسر سان-ميشيل"، قرب "محافظة الأمن" في باريس التي أصدرت أمر القتل والإغراق بحق المتظاهرين، وهي نفسها التي شهدت مقتل أربعة من رجال الشرطة على يد زميل لهم، قبل أكثر من أسبوع.

مئات من الجزائريين، من أبناء متظاهري 1961 وأحفادهم، إضافة إلى مواطنين عرب وفرنسيين، حضروا، مساء الخميس، 17 أكتوبر/تشرين الأول، من أجل التعبير عن مطالبتهم باعتراف رسمي بمسؤولية الدولة الفرنسية في هذه الجريمة، غير المسبوقة في باريس.

الكل يتحدث في ركن، وحوله مجموعة تنصت إليه، رغم وجود متدخلين معروفين بحضورهم كل سنة، من جمعية "مْرَاب"، ورابطة حقوق الإنسان، وبعض الأحزاب اليسارية، فالجالية الجزائرية تخترقها تيارات وأفكار، تبدو أحياناً متناقضة.

متظاهرون في فرنسا لاحياء ذكرى مجزرة 1961 

وهكذا شدد متدخل جزائري على أن "تاريخنا وتاريخ الفرنسيين تاريخٌ مشترَك، ولا يجب نسيان هذه الحقيقة"، وهو ما يعني أن "تظهر الحقيقة بشكل صريح حتى تُطوى الصفحات المؤلمة فيه".

عجوز جزائري، 78 سنة، يواظب منذ عشرين سنة على الحضور، قال في مزيج من القلق والأمل، لـ"العربي الجديد"، "شاءت الأقدار أن يتجمع جزائريون في باريس، اليوم، لطرق باب الدولة الفرنسية من أجل معرفة جزء من تاريخ نضالاتهم، في الوقت الذي يعيش مواطنونا في الجزائر، مرحلة أخرى جديدة من التاريخ الوطني، وهي النضال من أجل الحرية والكرامة".

مواطنة أخرى، فاطمة الزهراء، قال إنّ المعنويات ليست على ما يرام، لأنّ "الدولة الفرنسية لا تزال مصرة على الصمت، ولا ندري من سيحركها لتتنازل، فلحدّ الآن، لم تتلق، في الحقيقة، دعوات حازمة من أي حكومة جزائرية لإظهار الحقيقة"، وأضافت "وفيما يخص حراك الداخل، فهو غامض، ولا نعرف شيئاً عن الغد. تونس في الطريق الصحيح، ونحن لا نزال سجناء تنظيم انتخابات، أو تكوين جمعية تأسيسية ذات سيادة"، وختمت بأن "الوضع مخيف. ربما أقل مما حدث يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961، وربما أكثر.. من يدري".        

وتميز التجمع بقراءة مداخلة للمؤرخ الفرنسي أوليفيي لوكور غراند ميزون، الذي تغيَّب لسبب قاهر، كما قال، أكَّد فيها أن مواقف الرئيس الفرنسي وأعضاء الحكومة في هذا الموضوع "مُحزِنة ومُتعِبَة"، كما ندَّد بعدم إلغاء أي حكومة فرنسية للقانون سيء الذكر، رقم 2005-158، 23 فبراير/شباط 2005، والذي يتحدث عن "دور إيجابي" للاستعمار الفرنسي، في شمال إفريقيا وغيرها، كما ندد بكل المثقفين الفرنسيين الذين يدافعون عن وظيفة الاستعمار في تمدين مستعمراتها، ومن بينهم ألان فينكلكروت وبروكنير وزمور، ورأى أنه من الضروري ألا نترك المجال مفتوحاً أمام هؤلاء لتمجيد الاستعمار.


ورأى المؤرخ الفرنسي غراند ميزون، الذي أشرف على كتاب هام يحمل عنوان "17 أكتوبر/تشرين الأول 1961: جريمة دولة في باريس"، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يشذ عن القاعدة، فقد أطلق، مثل أسلافه، عدة تصريحات، لكنه لَم يَقرِنْها، أبداً، بالأفعال، لكنه يستدرك "يجب أن نعترف أن الرئيس ماكرون أقدم على فعل هام، وهو الاعتراف بمسؤولية الدولة الفرنسية في مقتل عالم الرياضيات الفرنسي، المؤيد لنضال الشعب الجزائري، موريس أودان، وقد عُذّب حتى الموت وتم التخلص من جثته، التي لا يعرف أحد مكانها، لكن هذا الأمر المهم بالنسبة لعائلته يظل "جزئياً" ما دام أنه يستثني ضحايا كثيرين لفظاعات الاستعمار الفرنسي"، لأنه "يوجد آلاف من موريس أودان في الجزائر"، كما يقول المؤرخ.

تجمع في فرنسا لاحياء ذكرى مجزرة 1961 


وأضاف أنّ رئيس الجمهورية والحكومة "لا يزالان يتماديان في رفض الاعتراف بما حدث، على الرغم من أن عدة بلديات في باريس وفي الأقاليم الفرنسية اعترفت بالجرائم التي ارتكبت ضد الجزائريين، حتى وإن كان محتوى هذا الاعتراف يظل أقلّ بكثير مما هو مأمولٌ".

وختم المؤرخ كلمته بالقول إنه "بعد سنتين سنُحيي الذكرى الستين لهذه المجزرة"، ولكن "تبقى مطالبنا ثابتة وهي تتمثل، أولاً، في الاعتراف الرسمي بجريمة الدولة، ثانياً، فتح كل الأرشيف، ثالثاً، تضمين المؤلفات المدرسية هذه الحقبة المؤلمة من التاريخ المشترك الفرنسي الجزائري، وأخيراً تأسيس (مكان للذاكرة) جدير بالحدث، الذي أسفر عن مقتل مئات من المتظاهرين والمتظاهرات الجزائريات".