حايمي وغلوريا... حبّ بجذور لبنانية في بيرو

29 نوفمبر 2019
حايمي 87 عاماً وغلوريا 83 عاماً (العربي الجديد)
+ الخط -
يرسم حايمي وغلوريا خارطة بيرو، فيما يسردان حكايتهما وحكاية عائلتَيهما وأصولهما. في النادي الفلسطيني في العاصمة البيروفية ليما، يحاول الزوجان الثمانينيان حايمي (87 عاماً) وغلوريا (83 عاماً) أن يشرحا لـ"العربي الجديد" كيف التقيا قبل أكثر من 60 عاماً وماذا بقي في ذاكرتَيهما عن جدّيهما الأكبرَين اللذَين هاجرا من لبنان، أو من "سورية الكبرى"، في القرن التاسع عشر. لغتهما تعرقلهما، فتحضر ابنتهما أنيتا لتقدّم المساعدة.

تعود حكاية الزوجَين إلى بداية عشرينيات القرن التاسع عشر، عندما وصل جدّاهما الأكبران إلى بيرو. هما لم يكونا على علاقة، ولم تتعارف عائلتاهما إلا بعد أكثر من 100 عام، لمّا التقى حايمي وغلوريا. وبحماسة كبيرة وبحرارة، يتحدّث الثمانينيان عن الماضي بلغتهما الإسبانية، فاللغة العربيّة - لغة الأجداد - اندثرت مع هؤلاء. يُذكر أنّ الابنة أنيتا هي طبيبة جراحة، متزوّجة من لبناني من صيدا (جنوب لبنان) من أصول فلسطينية، يُدعى علي أبو ظهر، أمّا الابنة الأخرى وتُدعى غلوريا (تيمّناً بوالدتها) فمتزوّجة من قنصل لبنان في ليما حامد أبو ظهر (شقيق علي) وقد عاشت لمدّة من الزمن في لبنان. بالتالي، فإنّ أحفاد حايمي وغلوريا الخمسة يبدون أقرب إلى أسلافهما منهما، فيما يفخر الجدّان قائلَين "لدينا أحفاد لبنانيون من آل أبو ظهر"، كأنّما في ذلك تعويض لهما عن تاريخ فات.

في مدينة كوسكو التي تُلفظ غالباً كوزكو، الواقعة جنوب شرقي بيرو، حطّ جدّ غلوريا الأكبر رحاله وهو شاب يافع وحيد من آل جبر، علماً أنّ اسم العائلة تحوّل إلى "يبار" في وقت لاحق. هناك، تزوّج شابة من أصول إسبانية. وتقول غلوريا: "في طفولتي، لم أسمع جدّي الذي ولد في كوسكو يتحدّث العربية قطّ، لكنّه كان مولعاً بالمطبخ العربي. أمّا أنا فاختلطت مع المزارعين الذين كانوا يعملون في أراضي العائلة، وهم من الإنكا، فتعلمت لغتهم الأصلية، كيتشوا، وغصت في تفاصيلهم".

أمّا حايمي فيخبر أنّ جدّه الأكبر هاجر من بلاد الشام، تحديداً من منطقة واقعة على حدود لبنان مع سورية، من دون أن يملك تفاصيل أكثر حول تلك "المنطقة". يضيف: "كان جدّنا الأكبر إقطاعياً قبل هجرته، ويُدعى علي سموره (يلفظه أحياناً زموره) آغا، وفي شبابه اتّجه إلى شمال البيرو، تحديداً مقاطعة كاخاماركا القريبة من الإكوادور. ومن بعده، ورث جدّي لأبي أراضٍ شاسعة في كاخاماركا، وقد حمل والدي اسم أوليسيس".

يُذكر أنّ تبدّل الأسماء والديانات أمر مشترك لدى المهاجرين من أصول عربية، لبنانية وفلسطينية خصوصاً، إلى بيرو.

تابع حايمي دراسته في هندسة الهيدروليك في العاصمة ليما، قبل أن يعود في بداية ستينيات القرن الماضي إلى كاخاماركا، طالباً من والده قطعة أرض لبناء جامعة عليها، فالمنطقة كانت تفتقر إلى مؤسسة جامعة. اشترط أن تكون مجانية متاحة للفقراء، فوافق الوالد وفتحت المؤسسة التربوية أبوابها أواسط ستينيات القرن الماضي تحت إشراف حايمي نفسه، ويُدرّس فيها الاقتصاد والهندسة.

"لكن، كيف التقيتَ غلوريا شريكة حياتك وهي من أقصى جنوب بيرو؟". يبتسم الزوجان الحريصان على أناقتهما، قبل أن يقول حايمي "إنّه الحب!". ويسرد أنّ "في أواخر خمسينيات القرن الماضي، كانت خالتها تعمل في مدرسة كاخاماركا، وحين أنهت غلوريا دراستها مع دكتوراه في اللغات، لا سيّما كيتشوا، دعتها إلى العمل في التدريس معها. حينها، قالت لي خالتها التي كنت ألتقي بها في نادٍ للبيروفيين من أصول عربية، إنّ ثمّة عروساً جميلة من أصولي نفسها لا بدّ من أن أتعرّف إليها. وبمجرّد لقائنا، وقعنا في حبّ بعضنا البعض. تزوّجنا ورزقنا بطفلتنا الأولى فيما كنّا نشيّد مبنى الجامعة. أمّا طفلتنا الثانية فولدت في العام التالي فيما كنّا ننهي أعمال البناء".

جمع بينهما الحب (العربي الجديد)



يُذكر أنّ العلاقة توطدت بين العائلتَين اللتَين تعود جذور منهما إلى لبنان، بعد زواج حايمي وغلوريا. وتلفت الأخيرة إلى أنّ والدها أمريانو كان متأثّراً جداً بأصله العربي وبالزعيم المصري جمال عبد الناصر وكذلك بمصر، ففتح مطعماً ومقهى في عام 1956 أطلق عليه اسم القاهرة.

يرسمان خارطة بيرو (العربي الجديد)