"مؤلم أن تعيش بكلية متعبة وتحت رحمة علاج مستمر قد يخذلك في أيّ وقت لتخسر بالتالي حياتك. ذلك الألم يحرمك الراحة، لا سيّما في خلال عمليات غسل الكلى التي تخضع لها أسبوعياً... إجراء يستنزفك كلياً". بهذه الكلمات يصف التونسي مصطفى بن عيسى (38 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، معاناته مع مرضه المزمن، هو الذي أصيب بفشل كلوي قبل أكثر من عشرة أعوام ولم يجد متبرّعاً بكلية له، ولم يُدرج اسمه على قائمة المحتاجين إلى عمليات زرع عاجلة في تونس.
ويبقى مصطفى بالتالي مجرّد رقم في سجلّ المرضى التونسيين المصابين بفشل كلوي الذين يخضعون لعمليات غسل والذين يُقدّر عددهم في البلاد بنحو 10 آلاف شخص، بحسب وزارة الصحة التونسية. ويخبر أنّ غسل الكلى ينهكه ويجعله حبيس المنزل ليوم أو يومَين قبل أن يواصل حياته - المتعبة أساساً - في انتظار جلسة الغسل التالية، مضيفاً أنّ "ذلك الإجراء العلاجي يهدر كذلك وقتي ومالي، وهو يؤثّر سلباً بصورة كبيرة على عملي، إذ إنّني أضطرّ إلى التغيّب المتكرر عنه". ويشكو مصطفى من أنّ مركز غسل الكلى الذي يقصده "صار مزدحماً باستمرار، الأمر الذي يجعلني أتحمّل كذلك ثقل الانتظار حتى يحين دوري".
وما زال الفشل الكلوي من بين الأمراض التي تشهد الارتفاع الأكبر في عدد مصابيها في تونس، مع معدّل 1500 حالة جديدة سنوياً، بحسب بيانات وزارة الصحة. وهذا المرض الذي يصاحب ضحيّته مدى الحياة، يتطلب متابعة يومية إلى جانب قضاء وقت طويل في مراكز العلاج. صحيح أنّ غسل الكلى إجراء متعب للمريض، غير أنّه وسيلة العلاج الوحيدة التي قد تحافظ على حياة المرضى الذين ينتظرون زرع كلية. يُذكر أنّ ثمّة 100 وحدة تقريباً لغسل الكلى في البلاد، بمعدّل أربع في المحافظة الواحدة. وتلك الوحدات تكون عادة في مراكز المحافظات، ما يعني ضرورة انتقال المرضى من مختلف الجهات إلى مركز المحافظة لتلقّي علاجاتهم.
من جهته، يخضع سيف الدين (41 عاماً)، لغسل كلى منذ 16 عاماً، ويجتاز في كلّ مرّة نحو 60 كيلومتراً لتلقّي علاجه في محافظة صفاقس (جنوب). يقول لـ"العربي الجديد": "في بعض الأحيان أعود أدراجي من دون أن أتلقّى علاجي، نظراً إلى اكتظاظ وحدة غسل الكلى بسبب ارتفاع عدد المرضى وتقاطع مواعيد جلسات علاجنا التي تدوم أربع ساعات"، لافتاً إلى أنّ "كلفة العلاج باتت باهظة جداً، خصوصاً في المراكز الخاصة".
في السياق، يقول رئيس الجمعية التونسية لمرضى الكلى، رضا هميلة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الجمعية تتابع علاج معظم المرضى والمشكلات التي يواجهونها في خلال علاجهم، لا سيّما أنّ القائمين على الجمعية هم أنفسهم مرضى مصابون بالفشل الكلوي ويعون بالتالي مدى حاجة كلّ مريض إلى متابعة صحية - جسدية ونفسية - مستمرّة". ويشير هميلة إلى أنّ "عدد المرضى في ارتفاع مستمر، ويراوح عدد الحالات الجديدة المسجّلة سنوياً ما بين 1200 و1500 حالة. أمّا عمليات زرع الكلى فلا تتخطّى 100 عملية جراحية سنوياً، وهذا عدد ضئيل جداً بالمقارنة مع عدد المرضى المرتفع". ويتحدّث هميلة عن المشكلات التي يواجهها هؤلاء المرضى، موضحاً أنّ "الاكتظاظ يأتي في مقدّمتها، بالإضافة إلى أن ثمّة مرضى يخضعون لجلسات علاج لمدّة ساعة ونصف الساعة فقط، في حين أنّ المدّة اللازمة هي أربع ساعات. وهو ما يعني أنّ ثمّة مستشفيات ومراكز صحية لا تحترم الوقت. كذلك، فإنّ الأطباء المتخصصين لا يتابعون المريض في خلال الجلسات في بعض الأحيان".
وكانت دراسة أعدّها فريق من الأطباء والباحثين في مستشفى الهادي شاكر الجامعي في صفاقس قد أكّدت الزيادة التي تُسجّل في إصابات الفشل الكلوي بين التونسيين سنوياً، فيما لفتت إلى ارتفاع كلفة العلاج وغياب ثقافة التقصّي المبكر. كذلك بيّنت الدراسة أنّ عدم توفّر سجلّ وطني للمرض يعرقل معالجته والتخفيف من آثاره، موضحة أنّ الفشل الكلوي يكلّف خزينة الدولة أكثر من 30 مليون دولار أميركي سنوياً، أي نحو خمسة في المائة من النفقات الإجمالية لقطاع الصحة في تونس.
تجدر الإشارة إلى أنّ ارتفاع عدد المرضى المحتاجين إلى غسل كلى لم يترافق مع تعزيز للتجهيزات، ولا مع تثقيف حول أهمية التبرّع بالأعضاء. ويتحدّث في السياق مدير المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء، الطاهر قرقاح، لـ"العربي الجديد"، عن أزمة في هذا المجال لا سيّما "مع النقص الكبير في عدد المتبرّعين ورفض حتى أفراد من عائلة المريض التبرّع بإحدى الكليتَين مخافة تدهور صحتهم أو تأثير ذلك على حياتهم مستقبلاً. بالتالي يكتفي المريض بانتظار متبرّع متوفّ دماغياً للحصول على إحدى كليتَيه بعد موافقة عائلته".