يتجدد مع كلّ حالة انتهاك لحقوق الحيوانات في إيران الحديث عن الأساليب والطرق القانونية الرادعة لمنع تكرار الحوادث التي تنتهك هذه الحقوق، وتتعارض الانتهاكات مع الثقافة الشعبية الإيرانية المتناقلة عبر الأجيال، والتي تنظر باحترام إلى الحيوانات، وتعطيها مساحات واسعة في قصصها التاريخية والأدبية.
ولعلّ أبرز مثال على ذلك، تسمية السنوات الإيرانية بأسماء 12 حيواناً، تتكرر، هي الفأر والبقرة والنمر والأرنب والحوت والثعبان والحصان والغنمة والقط والدجاجة والكلب والخنزير. كذلك، فإنّ الحيوانات، خصوصاً الكلاب، باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية لكثير من المواطنين الإيرانيين في بيوتهم أو خارجها، خصوصاً في المدن الكبرى، ما دفع السلطات الإيرانية إلى حظر التجوال برفقة الكلاب في الأماكن العامة واصطحابها في السيارات الخاصة، في وقت سابق من هذا العام، لكن بالرغم من هذا القرار لم تختفِ مشاهد اصطحاب الكلاب. وتعاظم الاهتمام بحقوق الحيوانات خلال العقدين الأخيرين في البلاد من خلال إنشاء العديد من المؤسسات والجمعيات الأهلية التي تعنى بشؤون الحيوانات وترعاها، في مقدمتها "جمعية حماية الحيوانات" التي تأسست عام 1998.
لكنّ انتشار ثقافة محبة للحيوانات في المجتمع الإيراني، لم يمنع مواطنين آخرين من ارتكاب أعمال بشعة بحق الحيوانات، في مشاهد مؤلمة متزايدة، تجتاح أحياناً شبكات التواصل الاجتماعي، وتثير ضجة في البلاد.
ومن أشهر تلك الحوادث خلال الأشهر الأخيرة، انتشار تسجيل مصور عن قيام عدة رجال برجم دب صغير بالحجارة في مدينة سواد كوه، شمالي إيران، بالرغم من نداء امرأة تدعوهم إلى عدم إيذاء الحيوان، قائلة: "حرام عليكم. لا تقتلوه. لا تأثموا"، لكن لم يلق نداؤها تجاوباً. وبعدما أرهق المهاجمون الحيوان، سحبوه ليسرقوه، لكنّ رجال حماية البيئة بعد علمهم بالحادث أفشلوا عملية السرقة، ونقلوا الدب إلى مركز للطب البيطري لتلقي العلاج، لكنّه فارق الحياة بسبب شدة الضربات من ناحية الرأس، كما أنّ الشرطة اعتقلت شخصين لتورطهما في قتل الدب. والحالة المثيرة الثانية، هي قيام شاب بقطع أذني حمار في مدينة بهشهر، باستخدام منجل، في مشهد بشع، يظهر الشاب في حالة ضحك وهو يرتكب هذا التصرف غير الإنساني، الذي شارك فيه أيضاً صديقه عبر تصويره بهاتفه المحمول، كأنّهما أرادا التسلية والترفيه عن النفس بهذا الفعل وإشراك غيرهما في ذلك عبر نشر فيديو.
لا تقتصر إساءة معاملة الحيوانات على نوع خاص منها، لكنّ الحالات الموثقة تشير إلى أنّ الكلاب هي الضحية الأولى، فتظهر صور ومقاطع انتشرت خلال السنوات الأخيرة أنّها تعرضت لحالات قتل منظم جماعي، منها ما انتشر خلال أغسطس/ آب الماضي، من تسجيلات مصورة نشرت للمرة الأولى عن قتل عدد من كلاب الشوارع في طهران بطرق بشعة، عبر الضرب وتطعيمها بالأسيد من قبل عاملين في بلدية العاصمة، الأمر الذي أثار غضب الرأي العام، خصوصاً ناشطي حقوق الحيوان أو من يعرفون في إيران بمحبي الحيوانات.
وتعقيباً على مقاطع الفيديو، أكدت بلدية طهران صحتها، معلنة أنّ الحادث يعود إلى عام 2017، وأنّها أنهت عمل الشركة المقاولة التي ارتكبت الجريمة، وكذلك أقالت مسؤول الرقابة على عمليات المقاولة في البلدية. لكنّ ذلك لم يقنع الناشطين، فنظموا تظاهرة أمام بلدية طهران في التاسع عشر من أغسطس الماضي، مطالبين بمحاكمة المتسببين بالحادث وإنزال عقوبات شديدة بحقهم.
جهود برلمانية وحكومية
ما حدث لكلاب الشوارع في طهران لم يحرّك تظاهرة غاضبة أمام البلدية فحسب، إنّما حرّك أيضاً مشاريع قانونية معطلة لتنطلق من جديد جهود برلمانية وحكومية ترمي إلى صياغة قوانين لتجريم الإساءة لجميع الحيوانات كإجراء رادع يحول دون تكرار الحوادث البشعة بحقها. فبرلمانياً، أعلن رئيس لجنة البيئة في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني، في خلال أغسطس الماضي، أنّه بعد مماطلات الحكومة والسلطة القضائية في صياغة مشروع قانون منع إيذاء الحيوانات، ولملء الفراغ القانوني في هذا الصدد، أعدّ 100 مشرع إيراني مشروع قانون يحظر الضرب، والتعذيب، والجرح المتعمد، والتمثيل بالحيوانات كافة من دون استثناء. ويحدد عقوبات بالسجن من 6 أشهر إلى عامين، وغرامات مالية من مليوني تومان (170 دولاراً أميركياً) إلى 8 ملايين تومان (700 دولار).
المشروع المكون من ثمانية بنود لم تجرِ مناقشته خلال جلسات البرلمان الإيراني بعد، ويبدو أن البرلمان بانتظار مشروع قانون آخر، أعلنت الحكومة الإيرانية أنّها أعدته لحماية الحيوانات. وفي الثاني عشر من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، عرضت الدائرة الحقوقية في الرئاسة الإيرانية هذا المشروع على الناشطين والمتخصصين لإبداء ملاحظاتهم وتحفظاتهم أو مقترحاتهم تجاهه، قبل إرسال المشروع إلى البرلمان لمناقشته وإقراره ليتحول إلى قانون ملزم في البلاد. ويتكون المشروع من 23 مادة، ويحظر تعذيب وإيذاء الحيوانات بما يشمل ضربها وجرحها وحبسها وقطع أعضائها، والتحرش بها جنسياً، وإجبارها على التزاوج لأغراض تجارية، وإجراء فحوص علمية عليها من دون إذن قانوني مسبق وغيرها من الانتهاكات.
اقــرأ أيضاً
لكنّ نص المشروع لم يخلُ من انتقادات، بالرغم من ترحيب كثيرين به، ومن بينهم ناشطو حقوق حيوانات، وهي انتقادات ليست موجهة ضد المشروع ككلّ، إنّما بعض بنوده، إذ يدعو الطبيب البيطري الدكتور محمد رضا شيرازي، عبر موقع مركز الدراسات الاستراتيجية للطب البيطري في السابع عشر من الشهر الجاري، إلى أن يكون المركز الوطني المزمع تأسيسه لرعاية حقوق الحيوانات في البلاد تابعاً لمنظمة الطب البيطري الحكومية في البلاد، لا لمنظمة حماية البيئة الحكومية.
وقال إنّ الأخيرة ليست لديها خبرة تخصصية بشأن الحيوانات الأليفة والمنزلية، كما أشار إلى أنّ مشروع قانون حماية الحيوانات بني على رؤية أحادية لبعض الحيوانات، خصوصاً الكلاب، من دون اهتمام كبير بإيذاء حيوانات أليفة وغير أليفة أخرى.
أما ناشطو حقوق الحيوانات، فيعتبرون أنّه إلى جانب ضرورة إطلاق حملات التوعية بهذه الحقوق، يستدعي منع تكرار إيذاء الحيوانات وجود رادع قانوني من خلال تجريم ذلك، فالقوانين الراهنة تفتقر إلى وجود قانون مستقل حول حقوق الحيوانات، كما أنّ المواد القانونية المتوفرة التي تتناول موضوع إساءة معاملة الحيوانات، وهما المادتان 679 و680 في قانون العقوبات الإسلامية، لا تشملان جميع الحيوانات، بل تطاول فقط الحيوانات التي يجوز أكلها شرعاً أو تلك التي تحظر الدولة اصطيادها، وبالتالي، فإنّ حيوانات مثل الكلاب والقطط وغيرها تبقى بلا حماية قانونية، وهي حماية ضرورية لضمان سلامة المجتمع الإيراني قبل أن تكون حماية للحيوانات.
وقال خبير إيراني في علم النفس لصحيفة "خراسان" الشهر الماضي، إنّ من لا يرحم الحيوانات لا يرحم الإنسان، مضيفاً أنّ دراسة حياة "مجرمين" ارتكبوا جرائم القتل في المجتمع خلال السنوات الأخيرة، تظهر أنّهم أيام طفولتهم كانوا يعاملون الحيوانات بقسوة، وبعضهم كان يقتلها من دون رحمة.
من جهتها، أعلنت الشرطة السيبرانية الإيرانية (شرطة الإنترنت) أخيراً أنّها ستؤسس فرعاً جديداً بالتعاون مع منظمة حماية البيئة لرصد الجرائم المرتبطة بإساءة معاملة الحيوانات في العالم الافتراضي وإحالة مرتكبيها إلى القضاء.
ولعلّ أبرز مثال على ذلك، تسمية السنوات الإيرانية بأسماء 12 حيواناً، تتكرر، هي الفأر والبقرة والنمر والأرنب والحوت والثعبان والحصان والغنمة والقط والدجاجة والكلب والخنزير. كذلك، فإنّ الحيوانات، خصوصاً الكلاب، باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية لكثير من المواطنين الإيرانيين في بيوتهم أو خارجها، خصوصاً في المدن الكبرى، ما دفع السلطات الإيرانية إلى حظر التجوال برفقة الكلاب في الأماكن العامة واصطحابها في السيارات الخاصة، في وقت سابق من هذا العام، لكن بالرغم من هذا القرار لم تختفِ مشاهد اصطحاب الكلاب. وتعاظم الاهتمام بحقوق الحيوانات خلال العقدين الأخيرين في البلاد من خلال إنشاء العديد من المؤسسات والجمعيات الأهلية التي تعنى بشؤون الحيوانات وترعاها، في مقدمتها "جمعية حماية الحيوانات" التي تأسست عام 1998.
لكنّ انتشار ثقافة محبة للحيوانات في المجتمع الإيراني، لم يمنع مواطنين آخرين من ارتكاب أعمال بشعة بحق الحيوانات، في مشاهد مؤلمة متزايدة، تجتاح أحياناً شبكات التواصل الاجتماعي، وتثير ضجة في البلاد.
ومن أشهر تلك الحوادث خلال الأشهر الأخيرة، انتشار تسجيل مصور عن قيام عدة رجال برجم دب صغير بالحجارة في مدينة سواد كوه، شمالي إيران، بالرغم من نداء امرأة تدعوهم إلى عدم إيذاء الحيوان، قائلة: "حرام عليكم. لا تقتلوه. لا تأثموا"، لكن لم يلق نداؤها تجاوباً. وبعدما أرهق المهاجمون الحيوان، سحبوه ليسرقوه، لكنّ رجال حماية البيئة بعد علمهم بالحادث أفشلوا عملية السرقة، ونقلوا الدب إلى مركز للطب البيطري لتلقي العلاج، لكنّه فارق الحياة بسبب شدة الضربات من ناحية الرأس، كما أنّ الشرطة اعتقلت شخصين لتورطهما في قتل الدب. والحالة المثيرة الثانية، هي قيام شاب بقطع أذني حمار في مدينة بهشهر، باستخدام منجل، في مشهد بشع، يظهر الشاب في حالة ضحك وهو يرتكب هذا التصرف غير الإنساني، الذي شارك فيه أيضاً صديقه عبر تصويره بهاتفه المحمول، كأنّهما أرادا التسلية والترفيه عن النفس بهذا الفعل وإشراك غيرهما في ذلك عبر نشر فيديو.
لا تقتصر إساءة معاملة الحيوانات على نوع خاص منها، لكنّ الحالات الموثقة تشير إلى أنّ الكلاب هي الضحية الأولى، فتظهر صور ومقاطع انتشرت خلال السنوات الأخيرة أنّها تعرضت لحالات قتل منظم جماعي، منها ما انتشر خلال أغسطس/ آب الماضي، من تسجيلات مصورة نشرت للمرة الأولى عن قتل عدد من كلاب الشوارع في طهران بطرق بشعة، عبر الضرب وتطعيمها بالأسيد من قبل عاملين في بلدية العاصمة، الأمر الذي أثار غضب الرأي العام، خصوصاً ناشطي حقوق الحيوان أو من يعرفون في إيران بمحبي الحيوانات.
وتعقيباً على مقاطع الفيديو، أكدت بلدية طهران صحتها، معلنة أنّ الحادث يعود إلى عام 2017، وأنّها أنهت عمل الشركة المقاولة التي ارتكبت الجريمة، وكذلك أقالت مسؤول الرقابة على عمليات المقاولة في البلدية. لكنّ ذلك لم يقنع الناشطين، فنظموا تظاهرة أمام بلدية طهران في التاسع عشر من أغسطس الماضي، مطالبين بمحاكمة المتسببين بالحادث وإنزال عقوبات شديدة بحقهم.
جهود برلمانية وحكومية
ما حدث لكلاب الشوارع في طهران لم يحرّك تظاهرة غاضبة أمام البلدية فحسب، إنّما حرّك أيضاً مشاريع قانونية معطلة لتنطلق من جديد جهود برلمانية وحكومية ترمي إلى صياغة قوانين لتجريم الإساءة لجميع الحيوانات كإجراء رادع يحول دون تكرار الحوادث البشعة بحقها. فبرلمانياً، أعلن رئيس لجنة البيئة في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني، في خلال أغسطس الماضي، أنّه بعد مماطلات الحكومة والسلطة القضائية في صياغة مشروع قانون منع إيذاء الحيوانات، ولملء الفراغ القانوني في هذا الصدد، أعدّ 100 مشرع إيراني مشروع قانون يحظر الضرب، والتعذيب، والجرح المتعمد، والتمثيل بالحيوانات كافة من دون استثناء. ويحدد عقوبات بالسجن من 6 أشهر إلى عامين، وغرامات مالية من مليوني تومان (170 دولاراً أميركياً) إلى 8 ملايين تومان (700 دولار).
المشروع المكون من ثمانية بنود لم تجرِ مناقشته خلال جلسات البرلمان الإيراني بعد، ويبدو أن البرلمان بانتظار مشروع قانون آخر، أعلنت الحكومة الإيرانية أنّها أعدته لحماية الحيوانات. وفي الثاني عشر من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، عرضت الدائرة الحقوقية في الرئاسة الإيرانية هذا المشروع على الناشطين والمتخصصين لإبداء ملاحظاتهم وتحفظاتهم أو مقترحاتهم تجاهه، قبل إرسال المشروع إلى البرلمان لمناقشته وإقراره ليتحول إلى قانون ملزم في البلاد. ويتكون المشروع من 23 مادة، ويحظر تعذيب وإيذاء الحيوانات بما يشمل ضربها وجرحها وحبسها وقطع أعضائها، والتحرش بها جنسياً، وإجبارها على التزاوج لأغراض تجارية، وإجراء فحوص علمية عليها من دون إذن قانوني مسبق وغيرها من الانتهاكات.
وقال إنّ الأخيرة ليست لديها خبرة تخصصية بشأن الحيوانات الأليفة والمنزلية، كما أشار إلى أنّ مشروع قانون حماية الحيوانات بني على رؤية أحادية لبعض الحيوانات، خصوصاً الكلاب، من دون اهتمام كبير بإيذاء حيوانات أليفة وغير أليفة أخرى.
أما ناشطو حقوق الحيوانات، فيعتبرون أنّه إلى جانب ضرورة إطلاق حملات التوعية بهذه الحقوق، يستدعي منع تكرار إيذاء الحيوانات وجود رادع قانوني من خلال تجريم ذلك، فالقوانين الراهنة تفتقر إلى وجود قانون مستقل حول حقوق الحيوانات، كما أنّ المواد القانونية المتوفرة التي تتناول موضوع إساءة معاملة الحيوانات، وهما المادتان 679 و680 في قانون العقوبات الإسلامية، لا تشملان جميع الحيوانات، بل تطاول فقط الحيوانات التي يجوز أكلها شرعاً أو تلك التي تحظر الدولة اصطيادها، وبالتالي، فإنّ حيوانات مثل الكلاب والقطط وغيرها تبقى بلا حماية قانونية، وهي حماية ضرورية لضمان سلامة المجتمع الإيراني قبل أن تكون حماية للحيوانات.
وقال خبير إيراني في علم النفس لصحيفة "خراسان" الشهر الماضي، إنّ من لا يرحم الحيوانات لا يرحم الإنسان، مضيفاً أنّ دراسة حياة "مجرمين" ارتكبوا جرائم القتل في المجتمع خلال السنوات الأخيرة، تظهر أنّهم أيام طفولتهم كانوا يعاملون الحيوانات بقسوة، وبعضهم كان يقتلها من دون رحمة.
من جهتها، أعلنت الشرطة السيبرانية الإيرانية (شرطة الإنترنت) أخيراً أنّها ستؤسس فرعاً جديداً بالتعاون مع منظمة حماية البيئة لرصد الجرائم المرتبطة بإساءة معاملة الحيوانات في العالم الافتراضي وإحالة مرتكبيها إلى القضاء.