ينجح سجناء مغاربة في تحدّي أنفسهم ومقاومة قساوة الزنزانة وظروف الحرمان من الحرية، ليحققوا من ثمّ نجاحات شخصية ومهنية باهرة تستوجب التوقّف عندها. منهم من يحصل على شهادات جامعية عالية من داخل السجن، ومنهم من يحقق ذاته في حرفة أو مهنة، ومنهم من يخرج ليؤسس شركة أو يصبح رجل أعمال ناجحاً.
يعزو مراقبون تزايد عدد هذه النماذج الإيجابية من السجناء الذين حققوا نجاحات موصوفة في دراساتهم ومهنهم وحرفهم المختلفة، إلى نظام المؤسسة السجنية في المغرب الذي بات يتيح للسجناء متابعة دراساتهم تماماً كما لو كانوا خارج الزنازين، فضلاً عن نظام تحفيز السجناء على تكوين مسارهم في الحياة. من بين هؤلاء نذكر الدكتور جمال بنعمر الذي كان مبعوثاً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، والراحل الدكتور إدريس بنزكري الذي كان أحد مهندسي مبادرة هيئة الإنصاف والمصالحة ورئيساً للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، والدكتور محمد حقيقي وهو ممثّل الرابطة العالمية لحقوق الإنسان حالياً.
عمر ن. هو نزيل سابق في سجن "الزاكي" في مدينة سلا (غرب)، حصل السنة الماضية على شهادة دكتوراه في العلوم القانونية. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "السجن مؤسسة اجتماعية وإصلاحية، لكنّها من الممكن أن تكون سيفاً ذا حدَّين. إمّا أن يخرج منها السجين مجرماً، أو يتخرّج منها بمسار ومستقبل باسمَين". يضيف أنّه مذ سجن على خلفية قضية جنائية لم يرغب في شرحها، "اتّخذت قراري بالاجتهاد والاستفادة من فرصة الدراسة داخل السجن". وبالفعل، نجح في الامتحانات الجامعية التي خضع لها وطلاب آخرون خارج جدران السجن، وأكمل مشوراه الدراسي حتى حصل على شهادة دكتوراه. واليوم، يبحث عن "عمل لائق".
تجدر الإشارة إلى أنّ "المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج" في المغرب وضعت برنامجاً تعليمياً لفائدة السجناء، يتيح لهم متابعة دروسهم، فيما تحفِّز المتفوقين منهم من خلال تنظيم حفلات ومنح جوائز للحاصلين على معدّلات عالية في شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) أو الإجازة الجامعية وكذلك في التخصصات المهنية المختلفة.
في السياق، تفيد بيانات وزارة التربية الوطنية بأنّ عدد السجناء الناجحين في امتحانات شهادة البكالوريا لدورة يونيو/ حزيران 2016، بلغ 188 سجيناً. وقد قُدّرت نسبة النجاح بـ 33.51 في المائة، وهي نسبة تفوق النسبة الوطنية للناجحين من بين المرشّحين الأحرار التي لم تتجاوز 22.37 في المائة.
تعليقاً على ما سبق، يقول عضو "المركز الدولي للوساطة والتحكيم" ومدير "المركز المغربي لحقوق الإنسان"، عبد الإله الخضري، إنّ منظمته الحقوقية "عاينت عشرات الحالات لسجناء حصلوا خلال فترة محكوميتهم على شهادات عالية". يضيف أنّ هؤلاء السجناء، حصل بعضهم على شهادات دكتوراه، وكثيرون منهم كانوا قد أوقفوا على خلفية الأحداث التي شهدتها الجامعات المغربية خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، من أمثال الدكتور جمال بنعمر المذكور آنفاً.
ويؤكّد الخضري على أنّ "كثيرين من السجناء الشباب الذين حصلوا على شهادات جامعية وأخرى مهنية في مجالات تقنية متعددة، تمكّنوا من العثور على فرص عمل بعد خروجهم من السجن. ومنهم من استطاع إنشاء مشروع مقاولة خاص أو شركة خاصة به، لينطلق في الحياة بنجاح وتفوّق". ويوضح أنّ "الفضل يعود في عدد كبير من مبادرات تأهيل وإعادة دمج السجناء، إلى السياسة المتبعة من قبل مديرية السجون المغربية. كذلك يؤدّي الدعم الذي تقدّمه لهؤلاء "مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء" بعد خروجهم من السجن، دوراً حيوياً في هذا الاتجاه". ويتابع: "عاينا مئات السجناء السابقين، استطاعوا توفير فرص عمل عن طريق هذه المؤسسة"، لافتاً إلى أنّ "متطلبات إعادة دمج السجناء في مجتمعنا قياساً بما تحقق، تظلّ كبيرة جداً. وهي في حاجة إلى مزيد من تضافر جهود مختلف المتدخّلين، سواء أكانت الجهات الحكومية أو القطاع الخاص أو المجتمع المدني".
إلى ذلك، يقول الخضري إنّ "ما يتحقق في اتجاه تطوير قدرات السجناء ودمجهم في المجتمع بعد خروجهم من الزنازين، لا يتجاوز في أحسن الأحوال نسبة 25 في المائة. وثمّة عدد كبير من السجناء المفرج عنهم معرّض إلى التشرّد والضياع". ويشدّد على أنّ الأمر يمثّل "معضلة حقيقية تواجه المغرب، وتزيد وضع حقوق الإنسان فيه قتامة".