صحة تونس... تعويل على قانون حقوق المرضى والمسؤولية الطبية

01 فبراير 2018
لا بدّ من حفظ حقوق الجميع (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

مشروع قانون حقوق المرضى والمسؤولية الطبية في تونس هو بنسخته شبه النهائية، وسوف تدرسه المنظمات النقابية وعمادة الأطباء ونقابة الصيادلة من كل جوانبه. وعقب لقاءات مع سلطة الإشراف، سوف تصدر النسخة النهائية منه وتحال إلى مجلس الوزراء.

شهدت العلاقة بين المرضى والأطباء في تونس حالة من التوتر خلال السنوات الأخيرة، بعدما خرجت قضية الأخطاء الطبية من العتمة وتنبّه التونسيون بفضل مناخ الحرية بعد الثورة إلى حقوق مسلوبة كان مسكوتاً عنها. إلى ذلك، كانت موجة اتهامات قد وجّهت إلى الأطباء ووصلت إلى حدّ الاعتداء عليهم، بل ووصل الأمر إلى توقيف أطباء وسجنهم لأشهر في انتظار التحقيقات، وهو ما أدّى إلى إضرابات واحتجاجات في القطاع الطبي.

كلّ ذلك دفع إلى مزيد من الغموض والتوتر في العلاقة بين الطرفين، الأمر الذي استوجب محاولة للبحث عن إطار يحدّ من التشنج ويضفي شفافية على أوضاع تتكرر مرات ومرات يومياً في المستشفيات والعيادات وفي كل مكان.

لكنّ المسألة لا تتعلق فقط بالأخطاء الطبية وحقوق المرضى في هذه الحالة، بل تتعداها إلى مسائل أخرى تتعلق بالقرار الطبي نفسه، إذ إنّ المريض يكون عادة آخر من يعلم بالقرارات العلاجية المتخذة في شأنه. فالطبيب يتصرّف عادة بفوقية كأنّه صاحب القرار الوحيد والنهائي، ولا يفيد المريض وعائلته بالمستجدات المتعلقة بحالته الصحية، مع تواتر القرارات الطبية في الحالات المعقدة التي تتغير بين ساعة وأخرى.

وبناءً على ذلك، وأمام تطوّر القوانين التي تحاول تجديد الحقوق التونسية بناءً على دستور جديد وبلد يحاول أن يتطوّر ويلحق بركب بلدان تقدّمت منذ عقود، انطلقت في تونس حملة للتفكير حول قانون جديد لحماية حقّ المريض. والقانون سوف يكون "ثورياً" بحسب رئيسة لجنة التفكير المكلفة إعداد مشروع قانون المسؤولية الطبية لدى وزارة الصحة، هاجر تينسة، إذ إنّه الإطار القانوني الأول من نوعه الذي يكفل حقوق المرضى. وقد أوضحت تينسة في تصريح إعلامي، أنّ مشروع قانون حقوق المرضى والمسؤولية الطبية سوف يضمن مشاركة المريض في اتخاذ القرارات الطبية، وذلك بالارتكاز على حقّه في الإعلام. وتؤكد أنّ المريض سوف يستفيد من حقّ النفاذ إلى المعلومة والموافقة على العلاج.


في السياق، يوضح المدير العام لوحدة التشريع والنزاعات في وزارة الصحة، فوزي اليوسفي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "مشروع القانون يتعلق بحقوق المرضى والمسؤولية الطبية ويتضمّن محورَين أساسيَّين. الأوّل يتعلق بحقوق المرضى، وهذه المرّة الأولى في تونس التي يُصار فيها إلى تقنين حقوق المرضى، لجهة حقهم في الإعلام والموافقة المستنيرة وحق المريض في الحصول على التعويضات التي تتلاءم وملفه الطبي عند الاقتضاء، وحقه في الحصول على خدمات صحية تكون في أفضل الظروف إلى جانب حماية المعطيات الشخصية الخاصة به وإمكانية نفاذه إلى ملفه الطبي بطلب منه". يضيف اليوسفي أنّ "المحور الثاني يتعلق بإقرار نظام خصوصي للمسؤولية الطبية. فالمسؤولية الطبية لا تخضع حالياً لقانون ينظمها ويُصار إلى التعامل معها بحسب المسؤولية الجزائية التي تحدّدها المحاكم، وهذه الوضعية لا تتماشى وخصوصيات العمل الطبي. لذا جرى إقرار نظام خاص يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الأعمال الطبية".



ويشير اليوسفي إلى أنّ "الحديث عن الأعمال الطبية يعني مهنيّي الصحة بصورة عامة، من أطباء اختصاص وأسنان وصيادلة وحتى الأعوان شبه الطبيين"، مؤكداً أنّ "مشروع القانون ليس ضد الأطباء ولا معهم. وخلال إعداد مشروع القانون، جرى إشراك أطراف عدّة في لجنة موسّعة ضمّت فعاليات ووزارات عدّة". ويرى اليوسفي أنّ "الهدف الأساسي هو حماية المرضى من خلال تكريس حقوقهم الواضحة في أثناء وجودهم في المصحات والمستشفيات، وكذلك حماية مهنيّي الصحة من خلال إقرار نظام يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات عملهم. وهو الأمر الذي يجعل الأطباء يعملون بأريحية". ويكمل أنّ "مشروع القانون حاول إيجاد توازن بين حقوق المرضى ومهنيّي الصحة لكي يؤدّوا واجبهم في أفضل الظروف".

من جهتها، تقول المديرة العامة للصحة في وزارة الصحة، نبيهة بورصالي فلفول، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الوزارة أعدت مشروع قانون المسؤولية الطبية وأرسلت نسخاً منه إلى الوزارات المعنية، على أن يُحال إلى مجلس نواب الشعب قريباً". وتوضح بورصالي فلفول أنّ "هذا المشروع سوف يُضفي مزيداً من الثقة على المنظومة الطبية وعلى طبيعة العلاقة بين الطبيب والمريض، إذ سوف يصبح المريض بمقتضاه مدركاً حقوقه". تضيف أنّ "الانعكاسات صفر" غير موجودة، وتشرح أنّه "عند حصول المريض على أيّ دواء أو عند إجرائه عملية جراحية في أيّ مكان من العالم، قد تكون لذلك مضاعفات. لكن بحسب مقتضى هذا المشروع، فإنّ المواطن الذي يصبح مدركاً لحقوقه سوف يحصل على التعويضات المناسبة في حال اقتضى الأمر ذلك". وتشير بورصالي فلفول إلى أنّ "هذا المشروع جاء لتحديد المسؤولية الطبية ولضمان حقوق المرضى والأطباء على حد سواء، بالإضافة إلى تحديد طبيعة الأخطاء الطبية المقصودة وغير المقصودة".



إلى ذلك، يقول الكاتب العام لاتحاد أطباء الاختصاص في الممارسة الحرة، الدكتور فوزي الشرفي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مشروع القانون سوف يشمل القطاعَين العام والخاص، وإنّ تحديد المسؤولية سوف يشمل جميع مهنيّي الصحة، وهو خطوة مهمة في المشهد الصحي التونسي سوف تجعل الأطباء يعملون بأريحية". ويوضح الشرفي أنّهم بدأوا يطالبون بهذا القانون قبل سنوات، "خصوصاً بعد المشاكل والأحداث التي وقعت سابقاً في قابس والجنوب وعدد من المناطق نتيجة أخطاء طبية. فالطبيب يحاسَب عادة كأنّه اقترف جريمة، في حين أنّه لا بدّ من تحديد المسؤوليات". بالنسبة إلى الشرفي، فإنّ "هذا القانون سوف يحدد المسؤولية للأطباء من الناحية الجزائية وسوف يجعل الطبيب يعمل بنجاعة أكبر لأنّ القانون يحدّد المسؤوليات والمريض يشعر بأنّه محميّ، وبالتالي تتحسن العلاقات، خصوصاً عند حصول أيّ تعكير أو مضاعفات صحية". ويؤكد أنّ "المريض وفق مشروع القانون سوف يضمن حقوقه والتعويضات التي يستحقها".
دلالات
المساهمون