نقابات الخدمات الطبية الخاصة بتونس توقف التعامل مع صندوق التأمين

12 أكتوبر 2018
لا تخدم الاتفاقية المرضى قبل الأطباء (Getty)
+ الخط -
أعلنت تنسيقية نقابات وهيئات مختلف اختصاصات الطب في القطاع الخاص بتونس، إيقاف جميع الاتفاقيات التي تربطها بـالصندوق الوطني للتأمين على المرض، وقررت إطلاق حملة كبيرة بداية من الأحد المقبل لتوضيح موقفها.

واتخذت التنسيقية القرار إثر ماراثون من الاحتجاجات والضغط على الصندوق ووزارة الشؤون الاجتماعية للوفاء بالتزاماتهما تجاه مقدّمي الخدمات الطبية، المتعلقة أساسا بمراجعة هذه الاتفاقيات وتحيينها على ضوء واقع القطاع من جهة، وارتفاع تكلفة العلاج من جهة أخرى.

ومنذ شهر أبريل/ نيسان الماضي، راسلت التنسيقية وزارة الشؤون الاجتماعية والصندوق الوطني للتأمين على المرض مطالبة بتغيير بنود الاتفاقية وفق ما يضمن للمواطن تغطية صحية شاملة ومنصفة، ويحفظ حقوق الأطباء العاملين في القطاع الخاص، غير أنها لم تتلق ردا.

وتتجدد هذه الاتفاقيات آليا كل ست سنوات، وإذا لم تتغير بنودها قبل نهاية سنة 2018 فإنها ستسري من جديد بذات المقتضيات إلى غاية سنة 2025، ويرفض أطباء القطاع الخاص المواصلة دون التحيين والمراجعة.

وفي خضم الأزمة التي تمر بها الصناديق الاجتماعية، وسعي الوزارة إلى وضع آليات لإعادة هيكلتها وإخراجها من وضعها المتردي، جاء قرار مسدي الخدمات ليكون الضربة القاضية للصناديق، فجزء من الخلاف يتمثل في عدم سداد صندوق التأمين على المرض لديونه تجاه أصحاب هذه الخدمات، لكن ذلك لا يعدو أن يكون غيضا من فيض من أسباب الخلاف.

ويفسر نائب رئيس النقابة الوطنية لأطباء أسنان القطاع الخاص، الدكتور بسام معطر لـ"العربي الجديد"، السبب الرئيسي للقرار، قائلاً إنه يتعلق برفض العاملين في القطاع الطبي الخاص مواصلة العمل باتفاقيات قديمة ومنظومة مهترئة راجعتها الدولة عندما تعلق الأمر بالقطاع العام
وطبّقت ذلك على الخاص.

ويوضح أنّ هذه الاتفاقية تعود لسنة 2006 عندما وقّع مسدو الخدمات الطبية إثر ترهيب وترغيب مارسه النظام آنذاك على الهياكل المهنية للأطباء لإجبارهم على التوقيع على اتفاقية لم تكن بنودها لصالحهم، ولا تشجع قطاعاتهم في إطار سياسة عامة للتسويق للنظام كفاعل رائد في مجال التغطية الصحية والاجتماعية. ولم يتم تحيينها منذ ذلك الوقت، إذ تضع سقفا للتعويض على مصاريف العلاج في السنة بمائتي دينار تونسي، أي ما يقارب سبعين دولارا، في حين أن هذا المبلغ لا يكفي لعيادة مختصة وحيدة خلال أسبوع، وهو ما يعني أن أصحاب الأمراض المزمنة لا يتمتعون بالتعويض واسترجاع المصاريف.

وتقتضي أيضاً أن تكون أجرة الطبيب خلال العيادة ثلاثين دينارا، أي أربعة عشرة دولارا فقط، وهو ما لا يغطي مصاريف العلاج وتكلفته إذا ما تطلب الأمر استعمال مواد طبية أو أجهزة. وتضع سقفا ماليا للعمليات الجراحية بثلاثة آلاف دينار، أي ما يقارب ألفا ومائتي دولار فقط، في حين تكلف العمليات الجراحية أكثر من ذلك بكثير.

كما لا تشمل هذه الاتفاقية جميع التخصصات الطبية، إذ تعتبر الجراحة التجميلية مثل عملية سرطان الثدي جراحة تجميلية تكميلية لا تخضع للتعويض، وتخصص لجنة لدراسة ملفات التكفل بعمليات الأمراض الخطيرة كسرطان الدم، وقد لا تقبل التعويض إذا ما كانت الحالة في مرحلة متقدمة، وعامة تُجرى الجراحات في القطاع الخاص دون تعويض أو يسافر المرضى إلى الخارج على نفقة عائلاتهم، وفي حالات أخرى يوافيهم الموت قبل النظر في ملفهم لأن الأمر يستغرق وقتا طويلا.

واعتبر نائب رئيس نقابة أطباء الأسنان، أن هذه الاتفاقيات لم تكن يوما منصفة، ومنذ سنوات انطلق بعض الأطباء في خرقها عبر وضع تعريفات جديدة مناسبة في تقديرهم.

وطالبت تنسيقية مسدي الخدمات الطبية في القطاع الخاص التي ينضوي تحتها أصحاب المصحات الخاصة وأطباء الأسنان والصيادلة ومصحات تصفية الدم، بأن تتم مراجعة الاتفاقية قبل التجديد الآلي لها نهاية السنة، وإزاء صمت الصندوق وعدم استجابته لأكثر من تنبيه.

وأكد الدكتور بسام معطر لـ"العربي الجديد"، أنّ الصندوق واصل التجاهل حتى بعد قرار وقف التعاقد، الذي اتخذ حماية للمريض الذي يدفع مساهمات من راتبه للتغطية الصحية والذي تصرف مساهماته في غير محلها.

وأضاف أن التعلل بالأزمة المالية للصندوق مغالطة تامة، فصناديق التقاعد مدينة له بما يقارب ثلاثة آلاف مليار دينار (قرابة ألف وأربع مائة مليون دولار)، وهي مبالغ ضخمة كافية لتغطية كل نفقات الصندوق، إلا أنه متخلى عنها تماما.


ورغم كل ما تقدم، فإن مقدمي الخدمات الطبية يعولون على استفاقة السلط المعنية من أجل حلحلة الوضع، ولذلك فإن التنسيقية تؤكد أنها ستنظم حوارا مجتمعيا حول مراجعة منظومة التأمين على المرض، وستدعو الأحد المقبل أعلى هرم السلطة التنفيذية ووزارة الشؤون الاجتماعية والنقابات واتحاد الأعراف والخبراء والإعلام لفتح حوار معمق يكون أساسا لإعادة صياغة عقد تغطية صحية جديد.

المساهمون