تونس تشيخ قريباً

05 أكتوبر 2018
ما زال يعمل (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -

ترتفع نسبة كبار السن في تونس، البلد الذي قاد شبابه ثورة قبل نحو سبع سنوات، ما يدفع البلاد إلى العمل على إعداد خطة لاحتواء هؤلاء ودمجهم
على مدى سنين طويلة، كان التونسيون يفخرون بأن مجتمعهم يعدّ شاباً، وقد يحدث قفزات كبيرة نحو التطور والرقي، وتحقيق تغيير فكري واقتصادي واجتماعي وسياسي، وهو ما حدث ويحدث بالفعل. وما زالت فئة الشباب تمثل غالبيّة التركيبة المجتمعية التونسية، وقد أدت إلى تغيير جوهري ليس في تونس وحدها، بل في المنطقة كلها بعد ثورة غيّرت مفاهيم الثورات وأحدثت إرباكاً فكرياً عميقاً في النظرة إلى حركة تطور الشعوب عموماً.

ويرى محللون أن هذه الحركة لم تهدأ بعد، ولم تصل إلى نتائجها النهائية، وهي ديناميكية متواصلة ما زالت تحث على تغيير مفاهيم وثوابت ظلت جامدة على مدى سنوات طويلة، معتبرين أن مدّٰ هذه التغيّرات لن يتوقف عند تونس، وسيجرف كثيرين في طريقه. إلا أن تركيبة هذا المجتمع الشاب في صدد التغيير. وتؤكّد دراسات رسمية تونسية أن نسبة المسنين في تونس ارتفعت من 5.1 في المائة إلى 10 في المائة خلال الخمسين عاماً الماضية، ويتوقع أن ترتفع إلى 17.7 في المائة بحلول عام 2029، و 20.9 في المائة عام 2034، ما يعني أن تركيبة المجتمع التونسي السكانية بصدد التغير بشكل هيكلي، الأمر الذي يستوجب وضع استراتيجيات وطنية شاملة تراعي هذه التغيرات.

وتنبّه هذه الأرقام إلى قضية في غاية الحساسية، إذ تفرض الدراسات وضع خطط دقيقية تراعي التغيرات التي لا يكترث لها كثيرون في تونس، بينما ذهبت مجتمعات أخرى إلى حد استشراف نماذج معمارية وشروط قانونية دقيقة لبناء مدينة غالبية سكانها من المسنين.



تؤكد مساعدة مديرة رعاية كبار السن في وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، إيمان بالشيخ، لـ "العربي الجديد": "عدد كبار السن في تطور وتزايد ملحوظ، والمجتمع التونسي يتجه نحو الشيخوخة، خصوصاً أن عدد المسنين يبلغ 11 في المائة حالياً من مجموع السكان، أي في حدود مليون و283 ألف مسن. هذه النسب مرشحة لأن تصل إلى 17.7 في المائة في عام 2029". تضيف أن عدد المتقاعدين وصل إلى 800 ألف متقاعد، مبينة أنّ النقلة الديمغرافية التي يشهدها المجتمع التونسي دفعت الهياكل الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات إلى تطوير برامجها وتكثيف الإجراءات التي تستهدف هذه الشريحة من المجتمع.

وتوضح بالشيخ أنّ الوزارة، ومن خلال الإمكانات المتوفرة لديها، تعمل على تطوير البرامج، والأولوية هي للحفاظ على بقاء المسنين في محيطهم الطبيعي أي مع أسرهم، وتحسين ظروف عيشهم وتوفير أسباب الرفاه الاجتماعي. وتبين أنّ التشجيع على بقاء المسن داخل محيطه يكون من خلال برامج عدة، أبرزها الفرق المتنقلة التي تتولى تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية للمسنين، ويبلغ عددها 43 بين محلية وجهوية. وتتولى الوزارة دعمها وتمويلها من خلال تقديم منح ضرورية وتوفير بعض المساعدات للمسنين، إضافة إلى برنامج الايداع العائلي للمسنين من خلال تقديم منح تقدر بـ 200 دينار شهرياً لصالح العائلات التي تكفل مسناً. وتؤكد العمل على إنشاء نواد نهارية للمسنين لوقايتهم من العزلة، ووصل عددها حالياً إلى 21 نادياً، وينتظر افتتاح نواد نهارية نموذجية قريباً.

مستقبل البلاد (فتحي بلعيد/ فرانس برس) 


وتلفت بالشيخ إلى أنّ الوزارة رفعت خلال الاحتفال باليوم العالمي لكبار السن شعار "كبارنا ثروتنا وفي خبرتهم فايدتنا"، للتأكيد على أهمية توفير الظروف الملائمة لتفعيل قدرات شريحة كبار السن، مبينة أن الوزارة نظمت في الأول من الشهر الحالي ندوة وطنية بعنوان "ما بعد التقاعد عطاء متواصل ودور فاعل في التنمية". وتوضح أن هناك رؤية بصدد التبلور في تونس بهدف مواصلة الاستفادة من هذه الشريحة وتغيير النظرة النمطية التي تعتبر المسن عالة على المجتمع وشريحة غير منتجة وربما معطّلة بالنسبة إلى البعض.

إلى ذلك، يقول الباحث الاجتماعي رضا عبد المولاه لـ "العربي الجديد": "النمو الديمغرافي في تونس يسير بالمجتمع نحو التهرم السكاني والشيخوخة أكثر فأكثر، وذلك نتيجة تراكمات استمرت سنوات عدة، ونتيجة السياسة الديمغرافية التي انتهجتها تونس في الستينيات لتحديد النسل، ما أدى إلى تقلّص الولادات وارتفاع نسبة كبار السن. ويبين أن عوامل عدة ساهمت في ارتفاع نسبة المسنين، منها تحسن ظروف العيش.

ويبين أن دراسة تركيبة المجتمع التونسي والتطرق إلى الشيخوخة تكشف حجم التغيرات التي طرأت على المجتمع التونسي من الناحية النفسية والسيكولوجية والثقافية، مبيناً أن العائلات التونسية تغيرت من نظام العائلة إلى نواة أصغر ضمن نظام الأسرة، ولم تعد تلك العائلات تحتضن المسن بحكم العمل ومتغيرات أخرى. ويلفت إلى أن تطور هذه الشريحة لم يسبقه توفير ظروف ملائمة للمسنين، خلافاً لواقع الحال في المجتمعات الغربية، ما جعل كبار السن يعانون صعوبات معيشية وصحية. بالتالي، تحول كبار السن إلى مشكلة اجتماعية وعبء على الدولة.



بدوره، يقول عالم الاجتماع عادل بالكحلة لـ "العربي الجديد" إن نسبة 17.7 في المائة قد لا تعد كبيرة. لكن الأهم من الأرقام هو كيفية النظر إلى الأمر، إذ إن وظيفة المسن والمتقاعد في العائلة والمجتمع تراجعت بشكل ملحوظ، مبيناً أن هناك تباعدا بين الأجيال.

ويرى أن هناك إقصاء من الشباب لكبار السن، والعكس، ما يحرم المجتمع الخبرات والنضج الثقافي والاجتماعي الذي كسبه كبار السن عبر الممارسات والتجارب التي مروا بها على مر السنوات. ويلفت إلى أن شبابنا قضوا فترة طويلة، خلال سنوات الدكتاتورية، كانوا فاقدي الثقة بكبار السن. كما أن كبار السن ابتعدوا بدورهم عن الشباب، ما خلق أجيالاً مفككة وشرخاً واضحاً كرس القطيعة بين الأجيال.