مصريون صغار لا يعرفون العيد

17 يونيو 2018
ماذا يعرف عن العيد؟ (ماركو لونغاري/ فرانس برس)
+ الخط -
أطفال كثيرون في مصر لا يعرفون العيد. هؤلاء ليسوا من ضمن فئة واحدة، فنجد أطفال الشوارع وكذلك المشرّدين بالإضافة إلى العمّال الصغار وغيرهم. وهؤلاء جميعاً، يشعرون بغصة كلّما شاهدوا أقراناً لهم فرحين بالعيد

أطفال الشوارع في مصر يتزايدون كلّ عام بنسب كبيرة، ويعيشون حياة بؤس، فهم لا يعرفون طعم العيد مثل أقرانهم، ولا يلبسون الملابس الجديدة التي تميز يوم العيد عن غيره من الأيام، فوجوههم شاحبة يرتدون أثواباً بالية لا تنصف آدميتهم، كما أنّهم ممنوعون من الاختلاط بالآخرين. يقضون يوم العيد مثل أيّ يوم في حياتهم، في الشوارع وعلى الأرصفة وتحت الجسور، وأمام النوادي والحدائق، يتحسرون على الألعاب التي يتمتع بها أطفال آخرون مع أهاليهم في يوم العيد.

هناك نوع آخر من الأطفال في مصر، شبيه بأطفال الشوارع، لكنّ هؤلاء دفعتهم ظروفهم الأسرية وحالة الفقر إلى العمل من أجل كسب الرزق، والعودة بالمال إلى أهاليهم، وهم أطفال لا يعرفون طعم الراحة حتى في العيد، إذ يبيع هؤلاء مستلزمات العيد من ألعاب وإكسسوارات، في مواقف السيارات فيتنقلون من موقف إلى آخر، وأمام الحدائق والمتنزهات العامة وعلى الكورنيش، ومنهم من يبيع الحلوى والذرة المشوية، وآخرون يحملون صناديق لتلميع الأحذية وغيرها، على أن يعود هؤلاء بمبالغ معينة من المال إلى أهلهم، فهدفهم واحد هو مساعدة الأهل إما لمرض المعيل أو وفاته أو ضيق ذات اليد. هذه هي حال العديد من أطفال مصر في العيد، فلا دولة تهتم بهم، ولا جهة سياسية ولا جمعية خيرية أو اجتماعية تتولى شؤونهم، ولا أحد يسمع بكاء هؤلاء الأطفال وأنينهم وتعب أجسادهم النحيلة، ولا من يقدم لهم الثياب والطعام والشراب، ولا هم يعرفون شخصياً حقوقهم المشروعة التي يجب على الدولة أن توفرها لهم.



من جهته، يؤكد المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أنّ هناك نحو ثلاثة ملايين طفل مصري يفترشون الشوارع ليل نهار، بمن فيهم أطفال يعودون ليلاً إلى بيوتهم بعد عناء العمل، مشيراً إلى أنّ القاهرة تحتل المركز الأول في تلك الظاهرة، وأنّ جميع الأحياء بالقاهرة بما فيها الراقية لم تخلُ منهم، بعدما كان أطفال الشوارع يتواجدون في الأحياء الشعبية خلال السنوات الماضية فقط. يقول المركز في تقرير له، إنّ جميع هؤلاء الأطفال ضحايا ظروفهم القاسية، ويشير التقرير إلى أنّ ملف أطفال الشوارع بصفة عامة في مصر وصمة عار متوارَثة في جبين الحكومات المتعاقبة، التي لم تستطع حلّ الأزمة حتى اليوم، مما جعلها في ازدياد كلّ عام.

جالت "العربي الجديد" في محافظة القاهرة، وبالتحديد في شبرا والمرج كونهما أكثر المناطق شعبية فيها، لرصد أطفال الشوارع وكيفية إمضائهم العيد. هناك يبرز الفتى محمد عويس (12 عاماً) ولقبه "الأسطورة". يتخذ من منطقة جزيرة بدران بشبرا مقراً لجولاته اليومية. يقول: "أبي انفصل عن أمي وطردتني زوجة أبي إذ كنت أقيم في محافظة المنوفية، والآن أعيش حياتي بين أصدقائي" وعن أيام العيد يقول إنّها "مثل أيّ يوم، فالأيام كلها واحدة، وأسمع في الشارع أغاني العيد فرحة، لكن طوال عمري لم أرَ هذه الفرحة".

بدوره، يقول ممدوح (13 عاماً) إنّه خرج إلى الدنيا بلا أب وأمه توفيت بينما كان عمره عاماً واحداً: "أكلي وشربي في الشارع. وفي العيد أراقب الأطفال بملابسهم الجديدة وأقارنها مع ملابسي فأجد الفرق كبيراً... أحلم بأن أكون يوماً ما مثلهم لكن أرى ذلك صعباً".

يعبّر كريم حامد (14 عاماً) عن حزنه من حياة الشارع: "العيد هو أن أكون وسط أهلي ألبس الجديد ومعي النقود وأتنزه معهم مثل كلّ الأطفال". أما عنه وعمن هم في مثل حاله فيقول: "أصحاب الملاهي يرفضون حتى دخولنا إليها لنشاهد لعب الأطفال بسبب ملابسنا البالية". يضيف شوقي (11 عاماً) من منطقة المرج أنّه أمضى أيام العيد في "المترو" لجمع المال، مشيراً إلى أنّه يحب العيد: "الناس فيه تملك كثيراً من النقود، وأحاول أن أتسوّل في هذا اليوم". عن أمانيه يقول أدهم (12 عاماً) إنّه يتمنى شراء كرة وملابس جديدة، ويتمنى اللعب بالمراجيح والخروج في مركب "لكن ليس معي المال".

أما ياسين علي (13 عاماً) الذي أصبح ولي أمر أسرة في وقت مبكر بعد وفاة والده، فخرج من المدرسة وعمل في ورشة دهان سيارات من أجل تأمين معيشة والدته وأشقائه. يقول: "يوم العيد عملت فيه للحصول على أجرتي اليومية من صاحب الورشة، فالعيد له مَن يفرح ويلبس فيه غيرنا، نحن لا نعرف له طعماً، ولا تتغير حياتنا بحلوله في ظل ما نعيشه من فقر".



يقول أستاذ علم الاجتماع، عميد كلية الآداب في جامعة القاهرة الدكتور أحمد زايد، إنّ أطفال الشوارع خطر كبير على المجتمع المصري خصوصاً في ظل تزايدهم، إذ تشير الإحصاءات إلى أنّ أعدادهم بالملايين في مختلف أنحاء مصر، اضطرتهم الظروف أن يكونوا بلا مأوى يواجهون الحياة بمفردهم، مشيراً إلى أنّ وجودهم في الطرقات والنواصي عقب صلاة العيد بملابس بالية وأشكال شاحبة منظر يسيء للحكومة المصرية، مطالباً كلّ جهة في الدولة بأن يكون لها دور تجاه أطفال الشوارع.

يوضح زايد أنّ ظاهرة أطفال الشوارع في مصر لها أسباب عديدة، منها الفقر والوضع الاقتصادي السيئ لمعظم أهالي الأطفال، فأغلبهم ينتمون إلى أسر فقيرة، بالإضافة إلى التفكك الأسري والانفصال الذي زاد خلال السنوات الأخيرة بسبب الظروف الاقتصادية وغلاء المعيشة. يتوقع أن ينتقم الطفل لاحقاً كونه شاهد أمام عينيه كلّ مباهج الحياة بما فيها الأعياد، ولم يتمتع بأيّ منها، بل ناله مزيد من الشقاء والعناء اليومي.
دلالات