أكل التونسيين في القمامة خلال رمضان

17 يونيو 2017
هل يشتري حاجته منها؟ (العربي الجديد)
+ الخط -
يتغيّر نمط استهلاك التونسيين في شهر رمضان، إذ يشهد الشهر إقبالاً كبيراً على أغلب المواد الغذائية قبل أسبوع من بدايته. في المقابل، تتعالى الأصوات المنادية بضرورة ترشيد الاستهلاك وحسن التصرف في النفقات. لكن التبذير بحسب البعض "شرّ لا بدّ منه" رغم كل حملات التوعية. فالتونسيون يستعدّون باكراً لاستقبال هذا الشهر، ويفكرون في الولائم التي يقيمونها للأهل والأصحاب، والأطباق والحلويات والمقبلات التي تزيّن موائدهم الرمضانية، فيتوافدون إلى الأسواق والمحلات التجارية لشراء حاجيات رمضان. بعضهم يفعل ذلك باقتصاد، وأغلبهم بتبذير يفوق حاجته، ليكون مصير أكثر من نصف ما يشترونه في القمامة.

ينفق الموظف محمّد إدريس على شراء حاجياته حوالي 600 دولار خلال شهر رمضان، مقابل نحو 350 دولارا في الأيام العادية. يلجأ إلى الدين أو سحب مبلغ فائض عن أجره بحوالي 300 دولار لتغطية مصاريف هذا الشهر، بحسب ما يشرح.

وعمّا يتغيّر بالنسبة إليه خلال هذه الفترة، يقول محمد إنّ "الأسعار ترتفع في شهر رمضان، وهو ما يثقل كاهل العائلات، عدا عن ذلك فإنّ متطلبات العائلة ترتفع خلال رمضان ليختم الشهر بمصاريف العيد".

محمد هو نموذج عن العديد من أفراد العائلات التونسية التي يتغيّر نمط استهلاكها في شهر الصيام. ورغم إعلان وزارة التجارة قبل رمضان عن توفر جميع المواد الأساسية، إلاّ أن أغلب العائلات تعمد إلى تخزين المواد الغذائية بكميات كبيرة خلال هذا الشهر.

وقد أشارت دراسة أنجزها "المعهد الوطني للاستهلاك"، في يناير/كانون الثاني الماضي، إلى ارتفاع استهلاك التونسي خلال رمضان، فمعدّل إنفاق التونسي على الأكل يزيد بثلاثين بالمائة عن المعدّل العادي، ليصل الإنفاق إلى حوالي 240 دولارا للأسرة المكونة من أربعة أفراد، مقابل 150 دولارا كمعدّل إنفاق في الأشهر العادية.

كما بيّنت الدراسة تفاقم شراء أغلب المواد الغذائية على غرار الخبز الذي يرتفع استهلاكه إلى 135 في المائة، فيما يرتفع استهلاك اللحوم إلى 130 في المائة، ليكون مصير بعضها القمامة. وتبيّن الدراسة أنّ حوالي 66 في المائة من العائلات التونسية تلقي الأكل المطبوخ في القمامة خلال رمضان. كما تكشف الدراسة أن 46 في المائة من العائلات التونسية تقوم بإتلاف الخبز، و32 في المائة تلقي الغلال، و20 في المائة الحلويات، و18 في المائة الحليب ومشتقاته، و14 في المائة الخضار. وقد شملت الدراسة عينة تمثيلية من 2004 أسر.

يقول مدير "المعهد الوطني للاستهلاك"، طارق بن جازية، لـ"العربي الجديد"، "رغم الحملات التوعوية التي يقوم بها المعهد سنوياً، خاصة خلال شهر رمضان، فإنّ إنفاق العائلات التونسية يشهد ارتفاعاً بنسبة 30 في المائة مقارنة بالأشهر العادية". ويفسّر ذلك بالعادات السيئة للتونسيين في أغلب المناسبات، والتي تدفع إلى إعداد كميات من الأطعمة تفوق الحاجة بكثير، ما يجعل مصيرها في القمامة. كما يشير إلى أنّ المعهد يقوم سنوياً بحملات توعوية تسبق شهر الصيام حول ترشيد الاستهلاك ونشر معطيات عن حقوق المستهلك، سواء تلك المتعلقة بالمطالبة بإشهار الأسعار، أو التبليغ عن البيع المشروط والتصدي له.


وينبّه المعهد دائماً في الرسائل الموجهة إلى المستهلكين من خطر تقصير فترة الإفطار، والتي يمضي فيها المستهلك في تناول إفطاره نحو 8 دقائق، في حين أنّ المعدّل الأنسب لتناول وجبة الإفطار هو نحو 20 دقيقة مقارنة بفترة الصيام الطويلة.

من جهة أخرى، يلفت بن جازية إلى أنّ المعهد أشرف على إعداد "قفة رمضان النموذجيّة" وذلك من أجل مزيد من ترشيد الاستهلاك في رمضان، حيث نجحت تجربة هذه القفة التي تضم كل حاجيات الأسرة المكونة من 4 أفراد، وتحتوي اللحوم والسمك والخضار والغلال والعجين والزيت والطماطم، وهي كافية لأسبوع بكلفة لا تتجاوز 42 دولارا. كما تم إعداد هذه القفة النموذجيّة بإشراف مختصين في التغذية للالتزام بحاجيات الفرد والتقليص من التبذير في الغذاء.

على صعيد آخر، يبيّن بن جازية أنّ أغلب العائلات التونسية "تلجأ إلى الاقتراض الذي يعد الملاذ الوحيد لحلّ أزمتها وسدّ حاجاتها المختلفة، خاصة أنّ التونسي لم يعد قادراً على ادخار بعض من دخله للجوء إليه عند الحاجة".

ويتفق رئيس "منظمة الدفاع عن المستهلك"، سليم سعد الله، مع هذا الرأي، ويشرح لـ "العربي الجديد" أنّ "ارتفاع الاستهلاك في المناسبات لا يؤدي سوى إلى الدين، خاصة في رمضان". يلفت إلى أنّ "المنظمة غالباً ما تقوم بحملات توعوية قبل أيام من كل مناسبة وتقدّم نصائح عن ترشيد الاستهلاك، لكن يبدو أنّ شهر رمضان ارتبط بالتبذير لدى العائلات التونسية".

من جهته، يشير رئيس "الغرفة الوطنية لأصحاب المخابز"، محمد بو عنان، لـ "العربي الجديد" إلى أنّ "أكثر من 600 ألف خبزة (رغيف) يلقيها التونسيون يومياً في القمامة خلال شهر رمضان، إضافة إلى أن نحو مليون خبزة تبقى يومياً لدى أصحاب المخابز والباعة، وذلك لأنّ إنتاج الخبز في رمضان يفوق الاستهلاك، خاصة مع ارتفاع عدد المخابز العشوائية".