تركيا وإيران: الاقتصاد حاضر وبقوة رغم الأزمة السورية

16 أكتوبر 2016
المشاريع الاقتصادية لم تتوقف بين البلدين (فاتيح أكتاس/الأناضول)
+ الخط -

ملفت ما قاله الخبير الإيراني في شؤون العلاقات الدولية، محمد علي دستمالي، إثر زيارة رئيس الوزراء التركي السابق، أحمد داود أوغلو، لطهران، قبل أشهر، إذ لم يفصل دستمالي السياسة عن الاقتصاد، بل ترك الأولوية للسياسة بقوله "إن تعزيز العلاقات الثنائية بين تركيا وإيران لن يكون سهلاً، رغم التصريحات الإيجابية الصادرة من الجانبين"، لافتاً وقتذاك إلى عقدة "الأزمة السورية في تحسين العلاقات بين طهران وأنقرة، لأن هذه الأزمة لا ترتبط بإيران وتركيا فقط، وإنما بالولايات المتحدة، وروسيا، ودول أخرى، معنية بها، وأعتقد أنها مسألة لن تحل في المستقبل القريب".

ربما أخذت العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإيران بالتبلور، منذ رفع العقوبات الأوروبية والأميركية عن طهران، مقابل تخليها عن مشروعها النووي. وبعد محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا في يوليو/تموز الماضي، أوقفت إيران رحلاتها إلى تركيا، وحين فشل الانقلاب سارعت إيران إلى دق الباب الاقتصادي التركي، في التاسع من آب/أغسطس الماضي، عبر رفع الحظر السياحي عن تركيا.

وما إن فتحت الأخيرة الباب حتى بدأ وزير الشؤون الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، يفتح خزائن الاستثمار، من ضمن ما فتحه مع "الشريك اللدود" من سياسة وتفاهمات إقليمية.

من جهته، قال رئيس الغرف والبورصات التركية رفعت هيسارجيك أوغلو حينها إن التقارب الاقتصادي بين تركيا وإيران سينعكس إيجاباً على القضايا العالقة في منطقة الشرق الأوسط. وأكد خلال مؤتمر صحافي إثر لقائه الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي خليل إبراهيم أقجة في طهران على هامش اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التعاون، أنّ التقارب التركي الإيراني يستحوذ على أهمية بالغة فيما يخص حل قضايا المنطقة العالقة، وأنّ مستقبل العلاقات التجارية بين البلدين سيكون زاهراً، وأنّ كلا الطرفين يسعيان لتعزيز هذه العلاقات وتطوير الاستثمارات المتبادلة بينهما.

فهل الوصول إلى تبادل تجاري بـ50 مليار دولار، كما وعد منتدى الأعمال التركي بالعاصمة طهران قبل أشهر، يدفع البلدين لغض النظر عن الخلافات السياسية حول سورية؟ وهل يمكن لنحو 160 رجل أعمال تركيا بدأوا منذ ذاك الوقت التأسيس لاستثمارات في طهران، أن يلووا ذراع السياسة، أو يحيدوها على أقل تقدير؟

يقول المحلل التركي، يوسف كاتب أوغلو، إن العلاقة الاقتصادية بين طهران وأنقرة قديمة، ولم تتأثر حتى خلال الحظر الاقتصادي والعقوبات على إيران. بل على العكس، إذ كانت تركيا المنفذ الوحيد لطهران رغم تأرجح العلاقات السياسية وقتذاك، حول الملفات الإقليمية، وأهمها العراق وسورية.

ويضيف كاتب أوغلو أن تركيا، خاصة بعد وصول رئيس الوزراء بن علي يلدرم، ورفعه شعار "أعداء أقل أصدقاء أكثر"، بدأت بفصل السياسة عن الاقتصاد، والسعي لرفع حجم التبادل التجاري مبدئياً مع إيران إلى 30 مليار دولار، داعية بالوقت نفسه رؤوس الأموال الإيرانية لتأسيس استثمارات في تركيا، والاستفادة من الإعفاءات الضريبية والتسهيلات.

ويؤكد المحلل التركي أن الأولوية في العلاقات التركية هي للاقتصاد، وهذا لا يعني التراجع عن المواقف السياسية، بقدر ما هو فصل بين الملفين.

إيران، وفق أوغلو، شريك تجاري مهم يورد لتركيا حوامل الطاقة، والأخيرة بحاجة إلى تطوير اقتصادها بعد التراجع البسيط الذي شاب نموه خلال العام الحالي، وإيران قد تكون الشريك الأسرع في تعويض تلك الأضرار.

وأخذت العلاقات الاقتصادية التركية الإيرانية شكلاً جديداً، بعد رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن طهران وزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإيران، على رأس وفد اقتصادي في أبريل/نيسان الماضي، لحضور جلسات مجلس التعاون التركي الإيراني وتوقيع اتفاقات مشتركة في مجالات الطاقة والاستثمار والسياحة بقيمة 10 مليارات دولار، والاتفاق على تزويد إيران لتركيا بالبترول مقابل أن تقوم تركيا بإعادة تأهيل سكة حديد خط إرماق -كرابوك؛ والذي تقدر تكلفته بثمانين مليون يورو.

يرى الاقتصادي التركي، خليل أوزون، أن العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإيران، تفضّل على السياسة التي تمتاز بعدم الثبات والوضوح، بدليل وصول حجم التبادل التجاري عام 2012 إلى أعلى مستوى، بنحو 21 مليار دولار، رغم الخلافات السياسية حول الملف السوري، قبل أن يتراجع التبادل، أيضاً بفعل السياسة، ما نبه كلا البلدين لفصل الملفين والتركيز على الاقتصاد كرافعة، حتى للعلاقات السياسية والرؤى المشتركة في المستقبل.

ويلفت الاقتصادي التركي إلى أن إيران أرض خصبة للاستثمار بعد رفع العقوبات، وبدأ الاقتصاد يجر السياسة بعد تأسيس أكثر من 100 شركة تركية في إيران، 38 منها في تبريز ذات الأغلبية الأذرية من أصل تركي الذين يتحدثون اللغة التركية ويستهلكون المنتجات التركية، وبالمقابل بدء الإيرانيين الاستثمار في تركيا.

يبقى الغاز الطبيعي هو السلعة الرئيسة للتجارة بين البلدين. إذ تشتري تركيا 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي الإيراني كل عام، فضلاً عن إحياء مشروع نقل الغاز الطبيعي الإيراني إلى أوروبا من خلال مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر الأناضول. والذي سيمر عبر تركيا وينتهي عام 2018 بقدرة سنوية أولية تصل نحو 16 مليار متر مكعب يمكن أن تتضاعف خلال سنوات.

كما لا يمكن تحييد النفط الخام عن أسرار الاقتصاد بين البلدين، إذ كانت تركيا تستورد نحو 51 % من حاجتها من النفط الخام من إيران، التي تمتلك 10% من احتياطيات النفط العالمية، قبل أن تتراجع نسبة النفط المستورد من إيران إلى نحو 28% بعد الفتور السياسي ودخول النفط العراقي إلى خط الواردات التركية.

يتم ترقب شكل العلاقات التي يرسمها الاقتصاد، بمنأى عن السياسة وتقلباتها، فيما يتعلق بالمشاريع التركية - الإيرانية... فهل تخلط المصالح الأوراق بين البلدين؟

المساهمون