صفقات فاسدة بالعراق...مسؤولون متورطون في تعطيل الصناعة لصالح الاستيراد

08 يناير 2018
العراق يستورد أغلب احتياجاته من الخارج (الأناضول)
+ الخط -


كشف مسؤول رفيع المستوى في الحكومة العراقية، عن تورط مسؤولين بينهم وزراء ووكلاء وزراء وأعضاء بالبرلمان، في ملفات فساد تتعلق بـ"الإيقاف المتعمد للمصانع العراقية المملوكة للدولة خلال السنوات الماضية، من أجل ضمان استمرار صفقات الاستيراد لصالحهم ولصالح تجار مقربين".

وقال المسؤول، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، إن "هذه القضية ستكون على رأس الملفات التي يعتزم رئيس الوزراء حيدر العبادي فتحها والتحقيق فيها، كونها من ملفات الفساد المستترة".

وأشار إلى أن الإيقاف المتعمد طاول مئات المعامل (مصانع)، من بينها مصانع الحديد الصلب والبتروكيماويات والإسمنت والورق والنسيج والصناعات الحرارية، لافتا إلى أن العراق يستورد سنوياً منتجات بأكثر من 11 مليار دولار، بسبب توقف الصناعة الوطنية، وكان يمكن في حال تفعيل الصناعة المحلية أن ينخفض هذا الرقم إلى أقل من 4 مليارات دولار.

وبحسب المسؤول، الذي فضل عدم ذكر اسمه، فإن كلفة تأهيل ستة من تلك المصانع لا تتجاوز 250 مليون دولار، ومنها على سبيل المثال مصانع الحديد الصلب التي تملك عدة فروع بمحافظات عراقية مختلفة، حيث أظهر التقرير الفني أنها بحاجة الى مولدات كهرباء وأحواض صهر وعجن وقوالب بأشكال مختلفة، فضلا عن خطوط إنتاج ونواقل حركة، مؤكدا أن هناك دولا عرضت إعادة التأهيل مثل ألمانيا والصين ومصر مع تدريب الموظفين والعاملين وإعادة تأهيلهم فنياً.

وحسب المسؤول العراقي فإن "ضغوطاً سياسية وفساداً مالياً بين مسؤولين حكوميين وتجار من دول الجوار تعطل إعادة تأهيل تلك المصانع التي بسببها ما زال العراق يستورد حاجته بنسبة 100%"، مشيراً إلى أن أغلب المنتجات المستوردة تأتي من إيران وتركيا والصين والكويت.

وتشير بيانات رسمية إلى أن إيران وتركيا والصين تحكم قبضتها على السوق العراقية منذ نحو 14 عاماً، فيما دخلت السعودية نهاية العام الماضي 2017 إلى هذه السوق في محاولة للبحث عن موطئ قدم، بعد إعادة فتح منفذ عرعر الحدودي بين البلدين، الذي استمر إغلاقه نحو 27 عاماً.

ووفق بيانات صادرة عن مجلس المصدرين التركي، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، فإن حجم الصادرات التركية للعراق، خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي، بلغ أكثر من 6 مليارات دولار.

كما بلغت الصادرات الإيرانية للعراق 4.7 مليارات دولار خلال 7 أشهر تمتد من مارس/ آذار وحتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بحسب مساعد وزير الصناعة والتجارة الإيراني، مجبتى خسرو تاج، في تصريحات صحافية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. ويبدأ العام المالي في إيران في 21 مارس/ آذار.

وتتركز السلع الإيرانية بالمواد الإنشائية والغذائية والألبان واللحوم والسيارات والأخشاب والحديد والأجهزة الكهربائية والسجاد والقماش وسلع أخرى.

وبحسب السفير الصيني في بغداد، تشن وي تشينغ، فإن صادرات الصين إلى العراق بلغت نحو 20 مليار دولار في خمس سنوات مضت.

وتأتي الكويت في مرتبة لاحقة بقيمة 56 مليون دينار كويتي (145.6 مليون دولار) خلال الربع الأول من العام الماضي، بحسب تقارير رسمية كويتية.

وقال المسؤول الحكومي إن ملف تعطيل مصانع العراق لصالح الاستيراد يطاول مسؤولين بالحكومات السابقة في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، لافتا إلى أن عرقلة إعادة تأهيل مصنع الورق وحده جاء لضمان استمرار العراق في استيراد هذا المنتج من إيران بمبلغ يصل إلى 125 مليون دولار سنوياً.

وكان وزير الصناعة والمعادن العراقي، محمد شياع السوداني، قد أرجع عدم تطور الصناعة في العراق وتلكؤ تشغيل أغلب المصانع والمعامل إلى الفساد الإداري والمالي وسيطرة المنتفعين على مفاصل الوزارة.

وقال السوداني في بيان صادر عن مكتبه في الأول من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إن "هذا الأمر أدى إلى تسليم المصانع والمعامل التابعة للوزارة إلى إدارات فاشلة وضعيفة خرجت منها قرارات خاطئة وسط غياب الرؤية والوضوح في استثمار الأموال بالقطاعات المهمة كمعمل البتروكيماويات والحديد والصلب، بالإضافة معامل الورق التي تعد من القطاعات الضرورية للبلد".

وأضاف أن "إعادة الصناعة الوطنية إلى سابق عهدها يكمن في دعم الدولة للمنتج المحلي، واتخاذ إجراءات جريئة لحمايته، وتقديم التسهيلات اللازمة للقطاع الخاص والحكومي، بما يجعل الموارد المالية لتلك الشركات الصناعية رافدا أساسيا لموازنة الدولة التي تعتمد في أغلبها على تصدير النفط.

ويخشى مراقبون أن تمارس السعودية هي الأخرى نفوذاً من أجل إفساح المجال لمنتجاتها، خاصة التي تعود للشركات السعودية التي باتت تئن من تداعيات الحصار الذي تفرضه المملكة بجانب الإمارات والبحرين ومصر على قطر منذ الخامس من يونيو/حزيران.

وبلغت الصادرات السعودية للعراق، خلال العام 2016، نحو 900 مليون دولار، وفق محمد الحسني المسؤول في دائرة المنافذ الحدودية العراقية بوزارة التجارة في أغسطس/ آب الماضي، مشيراً إلى أن هذه الصادرات جاءت عبر الكويت وأغلبها منتجات غذائية.

وأكد عبد الحميد العبيدي، عضو اتحاد الصناعات العراقية، توقف نحو 90% من المشاريع الصناعية في العراق بعد الاحتلال الأميركي عام 2003 غالبيتها تحتاج دعما بسيطا لاستئناف عملها.

وأضاف العبيدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، "لدينا أكثر من 270 ألف مشروع صناعي بالعراق 80% منها مملوك للدولة والنسبة الباقية إما خاصة أو مشتركة، ومع الأسف نسبة ما يعمل منها لا يكاد يذكر، والدولة تدفع مرتبات لموظفي تلك المشاريع دون أن يقوموا بشيء، حيث ما زالت وزارة الصناعة تستلف مرتباتهم الشهرية من الحكومة، على أمل أن تسدد الوزارة ذلك من استئناف العمل والإنتاج ومنذ سنوات لا شيء يذكر".

وتابع أن القطاع الصناعي كان يمثل ما نسبته 18% من إجمالي الواردات العامة للدولة، وبمرتبة ثانية بعد النفط، واليوم لا يمثل أكثر من 1% فقط.

وقال "دول جوار العراق لا سيما إيران وتركيا تنظر باهتمام إلى السوق العراقية، خاصة في ظل ارتفاع فاتورة الواردات من هذه الدول".

وكان مجلس النواب العراقي (البرلمان) قد أقر في يناير/ كانون الثاني 2010، قانون حماية المنتج الوطني، والذي اعتبره الاقتصاديون آنذاك نقلة نوعية للاقتصاد والمنتج المحلي، كونه يؤمن الحماية للمنتج الوطني من التهميش وهيمنة السلع المستوردة، إلا أن القانون ما زال غير مفعل لغاية اليوم.

المساهمون