عرفت عمليات تهريب العملة الصعبة في الجزائر تصاعداً مطرداً في الأشهر الأخيرة، تماشياً مع تدهور الاقتصاد، واللافت مؤخرا هو بروز نوع جديد من التهريب، يعتمد على الطرق المباشرة عبر رحلات مباشرة عكس الفترات السابقة.
وأدى تفاقم تهريب العملة من البلاد إلى خسائر بمليارات الدولارات دون أن تتحرك الحكومات المتعاقبة بشكل كاف لوقف هذه الظاهرة.
ولا يمر أسبوع في الجزائر إلا وتكشف الجمارك الجزائرية عن إفشالها لمحاولة لتهريب العملة الصعبة خاصة العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" الأكثر تداولا في البلاد عبر الحدود البرية أو حتى عبر المطارات والموانئ.
ويعمل مهربو العملة الصعبة داخل شبكات منظمة تنشط في مدن معروفة منها دبي وإسطنبول وباريس ومدريد وتونس، إذ اعتاد الجزائريون التوجه إليها قصد التجارة، حيث تعرض هذه الشبكات على الجزائريين إخراج كميات من العملة الصعبة بطريقتين، إما عبر نقل العملة بطريقة مباشرة أو شرائها في الجزائر وقبضها في إحدى المدن المذكورة.
اقــرأ أيضاً
وبحسب أستاذ الاقتصاد النقدي بجامعة الجزائر عبد الرحمان عية فإن "تراجع قيمة الدينار منذ بداية السنة دفع أصحاب رؤوس الأموال مهما كان مصدرها إلى البحث عن أي طريقة لإخراج أموالهم من البلاد لأنهم فقدوا الثقة في العملة المحلية، فالدينار فقد 30% من سعره خلال فترة وجيزة عقب التعويم، ما يعني أن رؤوس الأموال قد تراجعت بمقدار الثلث عبر جرة قلم من المركزي الجزائري الذي يتحكم في سعر الصرف".
وأضاف الخبير الاقتصادي أن "ظاهرة تهريب الأموال عبر الحدود بالكميات التي تكشف عنها الجمارك والمقدرة بحوالي 11 مليون يورو (14 مليون دولار) منذ بداية السنة فقط، من المنتظر أنها ستؤثر على العرض خاصة في السوق السوداء التي تمول هذه العمليات غير الرسمية لأن العرض سيتراجع داخلها مقابل الطلب المرتفع".
ويكشف أحد التجار الجزائريين في محور "دبي – إسطنبول - الجزائر"، ويدعى محمود، لـ"العربي الجديد" أن "الشبكات تقوم بالاتصال بالجزائريين من أصحاب الأموال "النائمة" أو "المشبوهة" وتعرض عليهم شراء العملة الصعبة سواء الدولار أو اليورو، شرط أن يسلم المبلغ بالدينار في الجزائر ويستلم الزبون المبلغ بالعملة الصعبة في دبي أو إسطنبول أو مدريد أوغيرها، وبالتالي تكون كتلة نقدية قد غادرت الجزائر بطريقة "سحرية"، وفي الأصل هناك كتلة نقدية دخلت السوق الموازية".
اقــرأ أيضاً
وأضاف نفس المتحدث لـ"العربي الجديد" أن "سعر الصرف يكون مغريا مقارنة بسعر الصرف الرسمي أو المعتمد في السوق السوداء، وتعتبر الطريقة آمنة لأن العملية تتم بالهاتف، أي أن الزبون يتسلم المبلغ بالعملة الصعبة وفي نفس الوقت يُسلم عبر أحد مساعديه المبلغ هنا في الجزائر لممثل الشبكة ".
غير أن تغير الأوضاع الاقتصادية للبلاد، جعلت هذه الشبكات تراجع حساباتها وأصبحت هي الأخرى تبحث عن طرق لإخراج أموالها من الجزائر عبر أشكال مبتكرة وجريئة منها الرحلات المباشرة بالسيارات أو وسائل النقل الأخرى أو فتح شركات استيراد وتهريب العملة عبرها، في تحد لجميع الإجراءات المتخذة من طرف الحكومة لاحتواء الظاهرة، ضاربين بذلك عرض الحائط الترسانة القانونية والتشريعات الموضوعة من طرف الدولة للحد من تهريبها، لاسيما في ظل شح الموارد المالية نتيجة تراجع أسعار النفط الذي أدى إلى تقلّص إيرادات الخزينة العمومية من العملة الصعبة، نتيجة انخفاض عائدات الجزائر من صادرات المحروقات خلال الأربع سنوات الأخيرة.
ونزيف العملة الأجنبية الجزائر، استفحل مع ارتفاع فاتورة الواردات والتي فاقت عتبة 60 مليار دولار سنويا قبل بداية الأزمة المالية قبل 4 سنوات، حيث لجأت لوبيات التصدير والاستيراد إلى حيل قانونية سمحت لها بتهريب أكثر من 100 مليار دولار في الـ15 سنة الماضية حسب الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد.
وبحسب رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد (فرع منظمة الشفافية الدولية) جيلالي حجاج لـ"العربي الجديد" فإن "بارونات الاستيراد يعتمدون على حيل لتهريب العملة تحميهم من المتابعة القانونية، حيث يقومون بفتح شركات تصدير واستيراد في الصين وفرنسا بصفتهما الممونين الأولين للجزائر، سواء بالشراكة مع صينيين أو فرنسيين أو بمفردهم، ويقومون بتضخيم الفواتير المقدمة للبنوك الجزائرية التي تحول الأموال بالعملة الصعبة من أرصدة شركات الاستيراد الجزائرية نحو أرصدة الشركات الصينية أو مهما كانت جنسيتها، وهي مملوكة لنفس الشخص، وبالتالي لا تمكن متابعة المستورد لأن الأمور تتم بطرق "نظيفة".
اقــرأ أيضاً
وكشفت مصادر قانونية لـ"العربي الجديد" أن العدالة الجزائرية قد أحصت ما بين سنة 2010 و2015 ما يقارب 1700 قضية متعلقة بتهريب العملة الصعبة، وقد تورطت في هذه القضايا شركات عمومية جزائرية وشركات خاصة جزائرية وأجنبية، وتم تحويل هذه القضايا على مستوى العدالة من طرف المديرية العامة للجمارك.
وأوضحت المصادر أن العدالة الجزائرية لم تفصل بعد في العديد من هذه القضايا المتعلقة بتهريب العملة الصعبة، وأن الكثير من الشركات الأجنبية الكبيرة التي ارتكبت هذا النوع من الجرائم تمكنت من الإفلات من العقاب نظرا للنفوذ والقوة التي تملكها هذه الشركات الأجنبية.
ويعتبر القانون الجزائري "مخالفة التشريع والتنظيم المتعلقين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج بأي وسيلة، جريمة خطيرة جدا لما لها من آثار سلبية على الاقتصاد الجزائري".
ويقر قانون العقوبات الجزائري "بسجن المتورطين في قضايا من هذا النوع من سنة إلى عشر سنوات، مع مصادرة المبالغ المراد تهريبها".
وتبقى هذه المواد غير كافية حسب مراقبين في ظل غياب إرادة سياسية واضحة لمحاربة الفساد بمختلف أشكاله، فالجزائر تعتبر من أكثر بلدان العالم فسادا حسب التصنيفات الدولية.
وفي السياق، يقول عضو مجلس المحاسبة والخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول إن "السلطة الحاكمة لا تملك أو لا تريد محاربة الفساد وهي تعلم أشكاله وأنواعه ".
وأضاف الخبير الجزائري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "القوانين تبقى غير رادعة إذا كان المخالفون فوقها وهو ما يقع اليوم في الجزائر، فالمتورطون في تهريب الأموال هم في الحقيقة أسماء مقربة من مسؤولين كبار في الدولة."
ولا يمر أسبوع في الجزائر إلا وتكشف الجمارك الجزائرية عن إفشالها لمحاولة لتهريب العملة الصعبة خاصة العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" الأكثر تداولا في البلاد عبر الحدود البرية أو حتى عبر المطارات والموانئ.
ويعمل مهربو العملة الصعبة داخل شبكات منظمة تنشط في مدن معروفة منها دبي وإسطنبول وباريس ومدريد وتونس، إذ اعتاد الجزائريون التوجه إليها قصد التجارة، حيث تعرض هذه الشبكات على الجزائريين إخراج كميات من العملة الصعبة بطريقتين، إما عبر نقل العملة بطريقة مباشرة أو شرائها في الجزائر وقبضها في إحدى المدن المذكورة.
ولعل أكبر محاولة كانت تلك التي تم احباطها قبل 3 أشهر عبر الحدود مع تونس حيث تم حجز أكثر من مليوني يورو داخل إحدى السيارات.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن "ظاهرة تهريب الأموال عبر الحدود بالكميات التي تكشف عنها الجمارك والمقدرة بحوالي 11 مليون يورو (14 مليون دولار) منذ بداية السنة فقط، من المنتظر أنها ستؤثر على العرض خاصة في السوق السوداء التي تمول هذه العمليات غير الرسمية لأن العرض سيتراجع داخلها مقابل الطلب المرتفع".
ويكشف أحد التجار الجزائريين في محور "دبي – إسطنبول - الجزائر"، ويدعى محمود، لـ"العربي الجديد" أن "الشبكات تقوم بالاتصال بالجزائريين من أصحاب الأموال "النائمة" أو "المشبوهة" وتعرض عليهم شراء العملة الصعبة سواء الدولار أو اليورو، شرط أن يسلم المبلغ بالدينار في الجزائر ويستلم الزبون المبلغ بالعملة الصعبة في دبي أو إسطنبول أو مدريد أوغيرها، وبالتالي تكون كتلة نقدية قد غادرت الجزائر بطريقة "سحرية"، وفي الأصل هناك كتلة نقدية دخلت السوق الموازية".
غير أن تغير الأوضاع الاقتصادية للبلاد، جعلت هذه الشبكات تراجع حساباتها وأصبحت هي الأخرى تبحث عن طرق لإخراج أموالها من الجزائر عبر أشكال مبتكرة وجريئة منها الرحلات المباشرة بالسيارات أو وسائل النقل الأخرى أو فتح شركات استيراد وتهريب العملة عبرها، في تحد لجميع الإجراءات المتخذة من طرف الحكومة لاحتواء الظاهرة، ضاربين بذلك عرض الحائط الترسانة القانونية والتشريعات الموضوعة من طرف الدولة للحد من تهريبها، لاسيما في ظل شح الموارد المالية نتيجة تراجع أسعار النفط الذي أدى إلى تقلّص إيرادات الخزينة العمومية من العملة الصعبة، نتيجة انخفاض عائدات الجزائر من صادرات المحروقات خلال الأربع سنوات الأخيرة.
ونزيف العملة الأجنبية الجزائر، استفحل مع ارتفاع فاتورة الواردات والتي فاقت عتبة 60 مليار دولار سنويا قبل بداية الأزمة المالية قبل 4 سنوات، حيث لجأت لوبيات التصدير والاستيراد إلى حيل قانونية سمحت لها بتهريب أكثر من 100 مليار دولار في الـ15 سنة الماضية حسب الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد.
وبحسب رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد (فرع منظمة الشفافية الدولية) جيلالي حجاج لـ"العربي الجديد" فإن "بارونات الاستيراد يعتمدون على حيل لتهريب العملة تحميهم من المتابعة القانونية، حيث يقومون بفتح شركات تصدير واستيراد في الصين وفرنسا بصفتهما الممونين الأولين للجزائر، سواء بالشراكة مع صينيين أو فرنسيين أو بمفردهم، ويقومون بتضخيم الفواتير المقدمة للبنوك الجزائرية التي تحول الأموال بالعملة الصعبة من أرصدة شركات الاستيراد الجزائرية نحو أرصدة الشركات الصينية أو مهما كانت جنسيتها، وهي مملوكة لنفس الشخص، وبالتالي لا تمكن متابعة المستورد لأن الأمور تتم بطرق "نظيفة".
وأضاف حجاج أن "ما تم تهريبه عن طريق تضخيم الفواتير فاق 120 مليار دولار منذ "انفجار" عمليات الاستيراد مع ارتفاع أسعار النفط".
وكشفت مصادر قانونية لـ"العربي الجديد" أن العدالة الجزائرية قد أحصت ما بين سنة 2010 و2015 ما يقارب 1700 قضية متعلقة بتهريب العملة الصعبة، وقد تورطت في هذه القضايا شركات عمومية جزائرية وشركات خاصة جزائرية وأجنبية، وتم تحويل هذه القضايا على مستوى العدالة من طرف المديرية العامة للجمارك.
وأوضحت المصادر أن العدالة الجزائرية لم تفصل بعد في العديد من هذه القضايا المتعلقة بتهريب العملة الصعبة، وأن الكثير من الشركات الأجنبية الكبيرة التي ارتكبت هذا النوع من الجرائم تمكنت من الإفلات من العقاب نظرا للنفوذ والقوة التي تملكها هذه الشركات الأجنبية.
ويعتبر القانون الجزائري "مخالفة التشريع والتنظيم المتعلقين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج بأي وسيلة، جريمة خطيرة جدا لما لها من آثار سلبية على الاقتصاد الجزائري".
ويقر قانون العقوبات الجزائري "بسجن المتورطين في قضايا من هذا النوع من سنة إلى عشر سنوات، مع مصادرة المبالغ المراد تهريبها".
وتبقى هذه المواد غير كافية حسب مراقبين في ظل غياب إرادة سياسية واضحة لمحاربة الفساد بمختلف أشكاله، فالجزائر تعتبر من أكثر بلدان العالم فسادا حسب التصنيفات الدولية.
وفي السياق، يقول عضو مجلس المحاسبة والخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول إن "السلطة الحاكمة لا تملك أو لا تريد محاربة الفساد وهي تعلم أشكاله وأنواعه ".
وأضاف الخبير الجزائري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "القوانين تبقى غير رادعة إذا كان المخالفون فوقها وهو ما يقع اليوم في الجزائر، فالمتورطون في تهريب الأموال هم في الحقيقة أسماء مقربة من مسؤولين كبار في الدولة."