غاز الجزائر... الأسعار تهدد بخسارة الأسواق الأوروبية

06 يونيو 2020
منافسة الغاز الجزائري في أوروبا (رياض كرامدي/ فرانس برس)
+ الخط -
يعيش غاز الجزائر ضغطاً كبيراً من الأوروبيين الذين يعترضون على الأسعار، بعد سنة واحدة من تجديد الجزائر عقود إمدادات الغاز مع زبائنها التاريخيين في القارة العجوز، في مقدمتهم إسبانيا وإيطاليا والبرتغال، في وقت لا تزال فرنسا تنتظر انتهاء العقود للفصل في أمر التجديد من عدمه، والبحث عن ممونين يقدمون أسعاراً أقل من تلك التي تطرحها الجزائر.

أول التهديدات التي طاولت غاز الجزائر، كانت من طرف الزبون التاريخي للجزائر، إسبانيا، التي تسعى عن طريق المجموعة الإسبانية "ناتورجي إنرجي" للتوجه نحو التحكيم الدولي لإلغاء عقد إمدادات الغاز بينها وبين الجزائر.

سبق أن كشف مصدر من داخل المجمع النفطي الجزائري (سوناطراك) لـ"العربي الجديد"، في 17 مايو/ أيار الماضي، أن "إسبانيا دعت سوناطراك للجلوس إلى طاولة الحوار لمراجعة العقد المبرم بين الطرفين سنة 2018، والممتد لغاية نهاية 2029، فيما يتعلق بالسعر المحدد بنحو 4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (BTU)، في وقت تشتري فيه الغاز الأميركي بأقل من دولارين، وهو ما ترفضه سوناطراك".

وأكدت وسائل إعلام عالمية تلك الأنباء، حيث قالت جريدة "سينكو ديياس" الاقتصادية الملحقة بيومية "الباييس"، في 19 مايو/ أيار، إن مجلس إدارة المجموعة الإسبانية قرر التوجه نحو التحكيم الدولي، لتجميد العقد طويل الأمد الذي يسمح للجزائر بتصدير 8 مليارات متر مكعب من الغاز إلى إسبانيا، عبر أنبوب "غاز دوك ميد"، بعد رفض شركة سوناطراك مراجعة السعر.

ويلزم العقد الموقع بين العملاقين النفطيين، المبرم في أغسطس/ آب 2018، شركة "ناتورجي إنرجي"، المعروفة سابقاً باسم "غاز ناتورال فينوسا"، بشراء الغاز الجزائري بـ4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (BTU)، بكمية تبلغ 8 مليارات متر مكعب طوال مدة العقد. ويشترط العقد على الإسبان أن يواصلوا شراء الغاز الطبيعي الجزائري، حتى إذا استمرت الأسعار العالمية في الانخفاض، امتثالاً لبند "خذ أو ادفع" الذي تشترطه الجزائر لتأمين عقود الغاز طويلة الأجل.

وكانت الجزائر تموّن إسبانيا بـ34 في المائة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي المسال قبل 2020، إلا أن الأخيرة قررت مطلع السنة الحالية تخفيض حصة الجزائر إلى 22.6 في المائة، بعد رفع حصة غاز الولايات المتحدة إلى 27 في المائة، بسبب انخفاض سعر الغاز الأميركي، وأزاحت بذلك الجزائر عن رأس قائمة مموني إسبانيا بالغاز طوال الـ30 سنة الماضية.

أما الضربة الثانية، للغاز الجزائري، فجاءت من البرتغال، التي أكد مصدر مسؤول داخل "سوناطراك" لـ "العربي الجديد" أنها "لم تستورد الغاز الجزائر عبر الأنبوب الغازي "ميد غاز" الذي يربط الجزائر بإسبانيا، منذ بداية شهر إبريل/ نيسان المنصرم".

وأضاف نفس المصدر أن "أسباب مقاطعة البرتغال للغاز الجزائري يرجع لسببين؛ الأول متعلق بالسعر المرتفع والمقدر بـ 4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (BTU)، أما السبب الثاني تسجيل البرتغال لفائض في التخزين مقابل استقرار الطلب الداخلي بسبب جائحة كورونا، حتى في شهر مارس/ آذار استوردت البرتغال 345 ألف طن من الغاز الطبيعي السائل مقابل 400 ألف شهر فبراير/ شباط المنصرم".

وكانت الجزائر والبرتغال قد اتفقتا على تمديد عقد إمداد الغاز، يعود إبرامه إلى 25 سنة، بين سوناطراك و شركة "غالب"، في شهر يونيو/ حزيران 2019، بحجم 2.5 مليار متر مكعب سنوياً لمدة عشر سنوات أخرى.

وتابع المصدر داخل سوناطراك أن "مجلس إدارة سوناطراك نصّب خلية أزمة تتابع الملفين، وبدأت في وضع الاحتمالات وإمكانية انضمام دول أخرى خاصة إيطاليا لقائمة الأسواق التي تهدد الغاز الجزائري، وستجري سوناطراك اتصالات مع شركائها في البلدين لجس النبض، ولا نستبعد استعمال قنوات ديبلوماسية رسمية لطي الخلافات، خاصة أن الجزائر تحوز على ورقة مهمة وهي أنابيب الغاز التي تربطها بإسبانيا وإيطاليا".

وكانت الجزائر قد دخلت، سنة 2018، مرحلة تجديد عقود الغاز مع شركائها التقليديين، بعد وصول أغلب العقود إلى نهاية آجالها، مع انتهاء سنة 2019.

وكانت البداية، في 16 مايو/ أيار 2019، مع شركة "إيني" الإيطالية الشريك التاريخي للجزائر و"سوناطراك"، إذ وقّع الطرفان على تجديد عقود توريد الغاز لإيطاليا لعشر سنوات اعتباراً من السنة الحالية، وبكميات تتراوح بين 9 مليارات و10 مليارات متر مكعب سنوياً، رغم أنّها كمية أقل مما كانت عليه سابقاً، بالنظر إلى تراجع نمو الاقتصاد الإيطالي.

ثم اتفق الطرف الجزائري مع نظيره البرتغالي "غالب"، في 11 يونيو/ حزيران 2019، على تجديد عقد تصدير الغاز لعشر سنوات أخرى اعتباراً من 2020، بكميات تصل إلى 2.5 مليار متر مكعب سنوياً.

وجاء الدور، نهاية يونيو/ حزيران 2019، على شركة "إينال" الإيطالية التي ستزودها "سوناطراك" بـ3 مليارات متر مكعب سنوياً، لمدة 8 سنوات اعتباراً من 2020.

وفي 13 من نوفمبر/ تشرين الثاني، جددت "سوناطراك" عقود إمدادات الغاز مع "إيديسون الإيطالية'' لـ 8 سنوات مقبلة، ليكون ثالث عقد يجدد مع إيطاليا، بعد تجديد العقود المبرمة مع الشركتين الإيطاليتين ENI وENEL خلال نفس السنة.

ويضاف إلى هذه العقود، تلك التي جددت، سنة 2018، مع كل من "بوتاش" التركية التي ستزودها "سوناطراك" بكميات من الغاز تقدر بـ5 مليارات متر مكعب سنوياً لمدة 5 أعوام، و" ناتورجي إنرجي" الإسبانية بـ 8 مليارات متر مكعب إلى غاية 2029.

ويؤكد عبد المجيد عطار نائب رئيس الجمعية الجزائرية لصناعة الغاز والمدير العام الأسبق لمجمع "سوناطراك" أن "عهد العقود طويلة الأمد انتهى دون رجعة"، معللاً رأيه في حديث مع "العربي الجديد" بالقول إن "تجديد العقود مهما كانت مدتها يعتبر نجاحاً للجزائر، وذلك لتغير المشهد الطاقوي العالمي، بدخول أميركا قائمة كبار مصدري الغاز مع قطر وأستراليا، وصول الغاز الروسي والنرويجي لجنوب القارة الأوروبية يزيد الضغط على الغاز الجزائر المهدد بخسارة أسواقه التاريخية".

وأضاف عبد المجيد عطار أن " سوناطراك تعي جيداً أنها مضطرة لتغيير سياستها التسويقية، بعيداً عن الاعتبارات الداخلية، فالسوق العالمية تغيرت، خاصة مع دخول "فيروس كورونا " كمتغير أحدث زلزالاً عالمياً في أسواق النفط والغاز على السواء، وبالتالي على سوناطراك إدخال مرونة على عقودها وتعرف متى تنحني أمام العاصفة".
المساهمون