عاد ملف موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة إلى صدارة المشهد من جديد، بعد إجراءاتٍ حديثة قامت بها السلطة تمثلت في قطع رواتب آلاف الموظفين، فيما قامت بزيادة نسب الصرف لآخرين، في الوقت الذي من المتوقع أن تلقي هذه الإجراءات بظلالها على المشهد الاقتصادي والمعيشي.
وفوجئ آلاف الموظفين المحسوبين على السلطة الفلسطينية في قطاع غزة المحاصر إسرائيلياً، للعام الثاني عشر على التوالي، بعدم وجود أرصدة في حساباتهم البنكية، في أعقاب صرف الرواتب عن شهر كانون الثاني/يناير الماضي.
في الوقت الذي حصل آخرون على رواتب بنسبة جديدة مختلفة عن تلك النسب التي كانت تُصرف طوال الأشهر الماضية، حيث حصل بعض الموظفين على رواتب بنسبة 75 في المائة منها، في الوقت الذي استمر البعض في تلقّي 50 في المائة من إجمالي نسبة الراتب، بالإضافة إلى حصول المتقاعدين المدنيين والعسكريين على 70 في المائة.
وأسهمت الإجراءات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية، في نيسان/إبريل 2017، بحق موظفيها، في تقليص السيولة النقدية المتوفرة في القطاع، ما انعكس بالسلب على حركة المشهد الاقتصادي في غزة الذي يعتمد على رواتب الموظفين بشكلٍ أساسي.
ويُجمع مختصون اقتصاديون على أن قطع الرواتب سيساهم في زيادة الأعباء المالية لهذه الأسر، وسيعزز من معدلات الفقر والبطالة، في الوقت الذي لن تنعكس خطوة رفع نسبة الصرف لآخرين إيجاباً، كون هذه الزيادة محدودة.
يقول الباحث في الشأن الاقتصادي أسامة نوفل إن السلطة أعادت تدوير العقوبات بطريقة أخرى، عبر زيادة بعض الشرائح، فيما طبقت قانون التقاعد على موظفين آخرين، واستطاعت أن تنجز جزءاً من قانون الخدمة المدنية والعسكرية، إلا أن الجزء الأخطر هو فصل آلاف الموظفين.
ويوضح نوفل لـ"العربي الجديد"، أن الإجراءات الجديدة للسلطة الفلسطينية تزيد الأعباء المالية على الحكومة التي تديرها حركة حماس في غزة، خصوصاً أن جزءا كبيرا من الموظفين المقطوعة رواتبهم هم على رأس عملهم، إلى جانب أسر الشهداء والجرحى والأسرى الذين شملهم القطع.
ويؤكد الباحث في الشأن الاقتصادي أن السلطة لم تزد نفقاتها رغم زيادة نسبة رواتب بعض الموظفين، إذ أن أعداد المستفيدين من هذه الزيادة محدودة، مقارنة مع أعداد المقطوعة رواتبهم، واستمرار شريحة من الموظفين في تقاضي 50 في المائة، كما في الشهور السابقة.
ويشير نوفل إلى أن السلطة وعبر إجراءاتها الجديدة ستقوم بزيادة الأعباء المالية على القطاع، عبر تكثيف الضغط على الحكومة في غزة وتجفيف منابع الأموال كما تحاول خلال الفترة الماضية، ويبقى التخوف من فرض المزيد من الإجراءات حاضرًا.
هناك تخوف من إجراءات جديدة في ملفات صناديق إقراض البلديات وسداد الكهرباء الذي يجري اقتطاعه من رواتب الموظفين، وملف التنمية الاجتماعية الذي يستفيد منه 73 ألف أسرة في غزة وينتظر كل 3 أشهر لصرف هذه المبالغ، وإذا استخدمت السلطة هذا الأسلوب سيتأثر القطاع سلبياً، كما يضيف.
وفرضت السلطة الفلسطينية، في إبريل/نيسان 2017، إجراءات ضد قطاع غزة، للضغط على حركة حماس من أجل تمكين الحكومة في غزة.
ويقول أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة، سمير أبو مدللة، لـ "العربي الجديد"، إن قطع رواتب نحو 5 آلاف موظف سيساهم في زيادة الأعباء المالية والمعاناة لهذه الأسر، خصوصاً أن معدلات الفقر والفقر المدقع بلغت 54 في المائة، إضافة إلى اعتماد 80 في المائة من السكان على المساعدات الإغاثية.
لو افترضنا أن متوسط عدد أسر المقطوعة رواتبهم 7 أفراد، بحسب التقديرات الفلسطينية، فنحن نتحدث عن 35 ألف مواطن غزي ستزيد معاناتهم، خلال الفترة القليلة المقبلة، في الوقت الذي يعيش فيه القطاع ظروفاً معيشية واقتصادية صعبة، كما يضيف.
وحسب الأكاديمي الفلسطيني، فإن الضحية الأساسية للإجراءات المتخذة بحق الموظفين هي المواطن، حيث لن تتأثر حركة حماس بهذه الإجراءات كثيراً، خصوصاً أن الأحزاب والفصائل لها مصادر دخل وتمويل بعيدة عن مؤسسات السلطة الفلسطينية.
وتوقع أبو مدللة أن يدخل السوق الفلسطيني في حالة ركود أكثر مما هو عليه، خلال عام 2019.
وينوه أستاذ علم الاقتصاد في غزة إلى أن الزيادة التي أدخلتها السلطة على رواتب الموظفين لن تظهر لها أي إيجابيات، خصوصاً أن جزءا كبيراً من الموظفين عليهم قروض للبنوك التي زادت الخصومات، في ظل زيادة نسبة الصرف لبعض الموظفين.
انخفاض إيرادات القطاع 2018
على صعيد آخر، كشف الوكيل المساعد لوزارة المالية (تديرها حماس)، عوني الباشا، انخفاض إيرادات قطاع غزة خلال 2018 إلى 50 مليون شيكل (13.9 مليون دولار)، مقارنة بـ70 مليون شيكل (19.5 مليون دولار) في 2017.
ووصف الباشا الوضع الاقتصادي الذي يمر به قطاع غزة، خلال العام الماضي وبداية العام الجاري بـ"الصعب جداً"، متوقعا أن تستمر حالة التدهور الاقتصادية شهراً بعد شهر.