في شارع "فهمي بيك" الذي يكتظ بالبسطات، وسط مدينة غزة، كانت حركة الناس بأحد أيام الشهر ضعيفة، بينما كان الباعة ينشغلون في تجهيز الأكلات والبضائع لعرضها أمام الجمهور.
يقول المسنّ حسن المصري الذي يعمل في بيع حلوى "القطائف الرمضانية"، إن "أزمة كورونا، واشتداد سوء الأوضاع الاقتصادية للناس، دمرت موسم رمضان الحالي، فكثيرون يأتون إلى السوق للمشاهدة فقط".
"أصبح من النادر اقتراب الزبائن من البسطات للشراء"، قالها الرجل الذي يعمل هو وأبناؤه وأحفاده في هذه المهنة التي ورثها عن عائلته منذ نحو 50 عاماً.
وأضاف في حديث للأناضول: "القطائف من أشهر الحلويات في رمضان لدى أهل غزة، ولم أتوقع أن يتأثر بيعها في مرحلة ما، لكن ذلك حصل للأسف، فالمواطن الذي كان يشتريها يومياً، صار حالياً يشتريها أسبوعياً وبكمية أقل".
وأوضح أن أصحاب المهن الرمضانية عامة، كانوا من أكثر المتأثرين بظروف انتشار فيروس كورونا، والإجراءات الاحترازية التي ارتبطت به، وشملت منع التجمعات وإغلاق بعض الأسواق، وذلك لأن عملهم موسمي، ومن الصعب تعويض خسائرهم في الفترات القادمة.
ووصل عدد المصابين بالفيروس في أراضي السلطة الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس) إلى 520 حالة، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.
على بسطة صغيرة يبيع عليها بعضاً من ألعاب الأطفال، ينشغل الشاب محمد الكتناني، في مناداة الزبائن بعبارات تحفيزية تدفعهم إلى الشراء، حيث يعلو صوته مردداً "فرح ابنك ببلاش"، "اشتروا من عنا بتكسبوا".
يقول الكتناني: "عمري 30 عاماً، وحتّى هذا الوقت لم أحظَ بفرصة عمل جيدة، وعملي الوحيد هو هذه البسطة التي أحصّل من خلال البيع عليها دولارات قليلة يومياً، وموسم رمضان بالنسبة إليّ فرصة لتحقيق ربح أكبر، وذلك لأنّ الناس يقبلون على الشراء فيه بشكلٍ كبير".
ويوضح أنّ أزمة كورونا الحالية ضربت أسواق قطاع غزة، التي تعاني بالأساس من الحصار والفقر وضعف الحركة الشرائية، مضيفاً: "المواطنون لا يشترون إلّا الحاجات الأساسية، بسبب ضيق الحال وخوفهم من القادم".
وعن الحركة العامّة للناس خلال شهر رمضان الحالي، يشير الشاب بعد أن انتهى من محاورة أحد الزبائن، إلى أنّ حركة المواطنين في السوق شبه اعتيادية من ناحية الكثافة، لكنها ليست كذلك من حيث القوة الشرائية.
ويروي أنّه اعتاد شراء بضائعه من التجار الذين يتنقلون عبر المعابر لجلبها من الصين ومصر، ومع اشتداد أزمة كورونا وإغلاق المعابر، أصبح من النادر وصول البضائع إلى القطاع، وهذا الأمر أدخلهم في تحدٍّ جديد.
حسن أبو عاصي يقف خلف عربة صغيرة داخل شارع "فهي بيك"، وينشغل في إعداد الفلافل "المحشوة"، وتعتبر من بين أصناف المقبلات التي يحرص معظم الأسر الغزية على وجودها على موائدها خلال أيام شهر رمضان.
الحالة التجارية بالنسبة إلى أبو عاصي لم تكن هذا العام كما في السنوات الماضية، فالأوقات التالية لصلاة العصر، كما يوضح، كانت الذروة في السابق، أما اليوم فأضحت مثل الأوقات الأخرى، ولا يتدفق فيها الناس بكثرة لشراء المقبلات والقطائف.
المواطن إبراهيم إسليم، الذي كان يتجول بين البسطات برفقة ابنه معاذ البالغ من العمر (9 سنوات)، قال إنّ قدومه اليوم إلى السوق، هو لشراء بعض الحاجات الأساسية، وهو يحاول الابتعاد عن شراء ما هو غير ضروري. ويعتقد سليم أن القادم مجهول، وما يحصله اليوم من مال سيكون من الصعب تحصيله مستقبلاً، إذا ما اشتدت أزمة كورونا.
ويعاني قطاع غزة من أوضاع معيشية قاسية، بفعل الحصار، وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي) تبلغ نسبة البطالة في قطاع غزة، حسب بيان صدر في سبتمبر/أيلول الماضي 45%. لكن اللجنة الشعبية الفلسطينية لكسر الحصار عن قطاع غزة (غير حكومية) تقول إن النسبة الحقيقية للبطالة في غزة تفوق 60%.