ما هي مخاطر الاستثمار بأسواق المال في 2018؟

29 يناير 2018
داو جونز حطم كل الأرقام (Getty)
+ الخط -

وسط الانتعاش الكبير الذي تشهده أسواق المال في العالم، تباينت ردود فعل رجال المصارف ومدراء المحافظ الاستثمارية حول مستقبل البورصات العالمية خلال الأعوام المقبلة، والمخاطر التي تكتنف الاقتصاد العالمي، وذلك خلال مداخلاتهم في منتدى دافوس الأخير.

حتى الآن يملأ الاطمئنان والثقة المفرطة رجال المال وكبار المستثمرين في العالم بشأن استمرارية الانتعاش القوي الذي تعيشه البورصات العالمية، والتي حققت مؤشراتها أكبر ارتفاع في تاريخها خلال العام الماضي، حيث ارتفعت مؤشرات أسواق المال في أنحاء العالم بحوالى 22% في المتوسط، فيما سجلت بورصة "وول ستريت"، أكبر البورصات، نسبة نمو بلغت 27%.

وحسب الأرقام، حققت هذه الأسواق، البالغ حجمها السوقي 69 ترليون دولار، في نهاية العام 2016، حسب مؤشر البورصات العالمية، مكاسب تقدر بأكثر من 14 ترليون دولار. كما تمكن مستثمرون أفراد من تحقيق عشرات المليارات في عام واحد من تجارة الأسهم. لكن السؤال الملح: ما هي مخاطر الاستثمار في أسواق المال العالمية خلال العام الجاري؟
من الناحية الاقتصادية، تبدو المؤشرات كلها إيجابية، حسب مؤسسات دولية، حيث تبلغ معدلات النمو مستويات مرتفعة جداً، وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن الاقتصاد العالمي يتجه خلال العام الجاري للنمو بمعدل 4%.

وعلى الصعيد المالي والسياسة النقدية، وحتى الآن تشير التصريحات الصادرة عن مسؤولي البنوك المركزية الكبرى، إلى أن معدلات الفائدة لن ترتفع بمعدلات كبيرة خلال العام الجاري أو حتى في العام المقبل.

وحسب توقعات صحيفة "وول ستريت"، فإن مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، ربما يرفع الفائدة خلال العام الجاري ثلاث مرات وبنسبة نصف في المائة في كل مرة، أي أنه سيرفعها بنسبة 1.5% خلال العام 2018 بأكمله، كما أن المركزي الأوروبي ليس من المعتقد أن يرفع نسبة الفائدة خلال العام الجاري، بسبب ارتفاع سعر العملة الأوروبية الموحدة "اليورو"، إلى أعلى مستوياتها مقابل الدولار.

وبالتالي يتخوف المركزي الأوروبي على تنافسية الصادرات الأوروبية مقابل نظيراتها الأميركية والصينية. يضاف إلى ذلك أن الفارق بين سعر الفوائد بين الاقتصادات المتقدمة ليس كبيراً، بحيث يحدث هزة من ناحية حركة رؤوس الأموال، وهو عامل عادة ما يهدد حجم السيولة المتاحة في بعض الأسواق.

لكن رغم هذه العوامل المشجعة والمطمئنة للمستثمرين، أعرب اقتصاديون ومصرفيون عن مخاوفهم من حدوث مفاجأة تحدث أزمة مالية شبيهة بتلك التي حدثت في العام 2008.
في هذا الصدد، يحذر الرئيس التنفيذي لمصرف "باركليز بانك" البريطاني، جيس ستالي، من حدوث أزمة مالية بقوله "إن الظروف التي تمر بها أسواق المال حالياً، تذكره بما كانت عليه في العام 2006، قبل وقوع الأزمة المالية".

ويضيف في مداخلاته بمنتدى دافوس: "لقد كان هنالك الكثير من التفاؤل في العام 2006، حيث كان النمو الاقتصادي قوياً والبطالة منخفضة، كما هو الآن، حيث يبلغ النمو العالمي حالياً حوالى 4% والبطالة منخفضة في كل من أميركا وبريطانيا، وهذا شيء عظيم، وكل هذه العوامل الإيجابية تحدث في وقت تتوفر فيه نسبة فائدة منخفضة".

لكنه يشير إلى المخاطر غير المحسوبة في حال ارتفاع نسبة الفائدة بسرعة وتغيرت الأوضاع بالنسبة للمستثمرين.

ويشير في هذا الصدد، إلى أن "القيمة الإسمية أو الدفترية للموجودات حالياً مرتفعة جداً، وبالتالي فإن أية مخاطر ستضطر المستثمرين للبيع الكثيف لموجوداتهم في أسواق المال لتلافي خسائر"، وفي مثل هذه الحال، يرى أن الذعر ربما يتسبب في أزمة مالية.

من جانبه، يقول رئيس مجلس إدارة مصرف "يو بي أس" السويسري، أكسيل ويبر: "إن هنالك تقاعساً في التعامل مع المخاطر المحتملة في أسواق المال، والتي من بينها ارتفاع أسعار الموجودات إلى مستويات لم تشهدها في تاريخها القريب، وهذا في حد ذاته يمكن أن ينذر بوقوع أزمة مالية خلال الأعوام المقبلة".

أما رئيس محفظة الثروات الخارجية بمصرف "كريدي سويس" السويسري، مايكل أوسوليفان، فقال في مداخلته بشأن مستقبل الاستثمار: "السوق تحركه حالياً معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة في كل من أميركا وآسيا وأوروبا، ويركز المستثمرون في وضع أموالهم في الأسهم على تواصل دورة الانتعاش، وتتجاهل معظم الأسواق تداعيات السياسة، عدا أسواق الصرف".
لكن المصرفي أوسوليفان يحذر من مخاطر الاضطراب السياسي في عدد من مناطق العالم على مستقبل أسواق المال.

من جانبه، يرى أكثر المتشائمين في المنتدى الاقتصادي، وهو البروفسور كينيث روغوف، الذي يشغل حالياً منصب كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي، أنه "في حال ارتفاع أسعار الفائدة بنسبة متواضعة إلى نصف ما كانت عليه قبل أزمة المال العالمية، فإننا ربما نشهد انهياراً في أسواق المال".

ويضيف في تعليقاته في المنتدى العالمي: "لا أدري كيف ستستجيب أدوات المال العالمية بما فيها الأسهم لحدوث زيادة متواضعة في نسبة الفائدة خلال العام الجاري".

وتتركز معظم مخاوف خبراء المال والمصارف خلال النقاشات التي جرت في دافوس حول تضخم القيمة الدفترية في الموجودات، وهو ما يعني أنها لا تعكس قيمتها الحقيقية.

ويرى العديد من الخبراء أن أي اضطراب يحدث في سوق المال ربما يقود تلقائياً إلى حالة من الذعر بين المستثمرين تؤدي إلى مبيعات ضخمة في وقت وجيز.

ومثل هذه المبيعات الهستيرية حدثت في العام 2007، وكانت نتيجتها انهيار مصرف "ليمان براذرز" الأميركي الاستثماري الذي أشعل فتيل الأزمة المالية.

لكن إلى جانب "بالونة" الموجودات والقلق من انفجارها، هنالك مخاوف من ارتفاع نسب الفائدة المصرفية وانعكاساتها على خدمة الديون.

ولاحظ مصرفيون على هامش منتدى دافوس، أن العديد من الشركات الكبرى استغلت فرص الفائدة المنخفضة ورفعت من حجم موجودات الدين بغرض الاستثمار.

وفي حال ارتفاع الفائدة، فإن ذلك سيشكل عبئاً على هذه الشركات في خدمة ديونها. وكان مصرف التسويات الدولية، الذي يوجد مقره في سويسرا، قد حذر في تقريره الأخير من مستويات الديون المرتفعة لدى الشركات وكذلك لدى الحكومات.

لكن في مقابل هذه المحاذير من حدوث انهيار في أسواق المال، بسبب الارتفاع الجنوني في الأسعار، يرى محللون أن المصارف المركزية التي باتت من بين أكبر المستثمرين في أسواق المال خلال السنوات العشر الأخيرة، ربما ستكون صمام أمان وخط الدفاع الأول ضد أي بوادر انهيار.

في هذا الصدد، يرى المحلل المالي الأميركي مايكل سنايدر، أن المصارف المركزية تقف وراء هذا الارتفاع الجنوني في أسواق الأسهم والثقة المفرطة من قبل الأثرياء ومديري المحافظ الكبرى في الشراء المستمر للأسهم.

كما أكدت كل من صحيفتي "فاينانشال تايمز" و"وول ستريت جورنال"، في تقارير سابقة، أن هنالك عمليات احتكار لمقياس المخاطر الاستثمارية، "فيكس"، الذي يعتمد عليه المستثمرون في قياس مخاطر استثماراتهم.

وعلى الرغم من أن أي من الصحيفتين لم تسم صراحة المصارف المركزية بأنها وراء الهيمنة على مقياس المخاطر، لكن حسب المحلل الأميركي مايكل سنايدر، الذي ينوي الترشح العام المقبل للكونغرس، فإن المصارف المركزية تملكت حوالى 3.6 تريليونات دولار من الأسهم والسندات خلال الأعوام السابقة.

فالمصرف المركزي السويسري وحده يملك حالياً أسهماً في فيسبوك أكثر من مؤسس الشركة مارك زوكربيرغ، كما أن المصرف المركزي الياباني أصبح المالك الأكبر في أسهم 81 شركة من الشركات الكبرى التي تصنع السوق في اليابان.

وحسب التقرير الذي نشره مايكل سنايدر على موقعه، فإن لدى المصارف المركزية الخمسة الكبرى في العالم موجودات تقدر بـ14.6 تريليون دولار تقريباً في أسواق المال العالمية. فالمركزي السويسري مثلاً، يملك أسهماً في سوق "وول ستريت" تقدر قيمتها بحوالى 80 مليار دولار، والمركزي الياباني يملك نسبة كبيرة من أسهم الشركات الكبرى باليابان.

المساهمون