تونس: سيارات رخيصة تستنزف النقد الأجنبي

04 أكتوبر 2018
وعد حكومي بتوفير السيارات للفئات المتوسطة(فرانس برس)
+ الخط -

يثير وعد حكومي بتوفير سيارات ذات سعر منخفض في السوق بداية من العام القادم جدلا واسعا بشأن جدية هذا الوعد الذي يفي بمطالب اجتماعية، وفي الوقت نفسه تسود مخاوف بالأسواق من تداعيات هذه الخطوة على اقتصاد البلاد ورصيد العملة الصعبة الذي يأكل توريد السيارات نحو 5% منه سنويا، حسب تقارير رسمية.

ويمثل الوعد الحكومي الجديد استعادة لبرنامج قديم وضعته الدولة منذ أكثر من عقدين لتوفير السيارات للفئات المتوسطة سمي حينها ببرنامج "السيارات الشعبية".

ويعد هذا البرنامج الذي يسعى رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى إحيائه، واحدا من أهم الإجراءات الاجتماعية، والذي سيستفيد منه التونسيون، فضلا عن مساهمته في تنمية صناعة مكونات السيارات، باعتبار أن عقود التوريد التي يبرمها وكلاء البيع من المصنعين مرتبطة بنقل جزء من صناعة مكونات السيارات إلى تونس.

ورغم البعد الاجتماعي للقرار، إلا أنه يواجه بانتقادات عديدة من قبل مهتمين بالشأن الاقتصادي ممن يصفونه بالقرار "الشعبوي" الذي يسعى الشاهد من ورائه إلى استرضاء الطبقة الوسطى دون دراسة الجدوى لهذا المشروع.

ويقول الخبير الاقتصادي ووزير المالية السابق حسين الديماسي، إن تكثيف توريد السيارات بمنح وكلاء البيع حصة إضافية خارج نظام التوريد العادي، سيزيد من استنزاف رصيد البنك المركزي من العملة الصعبة، مشيرا في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن الزيادة في كلفة أسطول العربات تعني زيادة في كلفة واردات المحروقات وقطع الغيار، وهي كلها مواد موردة بالنقد الأجنبي، فضلا عما ستخسره الدولة من عائدات جبائية، باعتبار أن تقليص السعر سيجبر الحكومة على خفض الضرائب على هذا الصنف من الواردات أو إلغائها كليا، حسب قوله.

ويضيف الديماسي أن الوعد الحكومي يأتي في إطار حملة انتخابية سابقة لأوانها يسعى الشاهد من خلالها إلى استرضاء الطبقة المتوسطة التي أنهكها الغلاء ولم تعد قادرة على شراء سيارات بسبب تواصل انزلاق الدينار، متوقعا اصطدام القرار برفض وكلاء البيع المطالبين بالتحرير التام للقطاع.

ويوم الجمعة الماضي، تعهد الشاهد بسن إجراءات ضمن مشروع قانون المالية للعام القادم تجيز توريد عربات لا يتجاوز سعرها 20 ألف دينار (7.4 آلاف دولار)، واعدا بالنزول بالسعر الأدنى للعربات المتداولة حاليا بنحو 10 آلاف دينار (3.7 آلاف دولار).

ومنذ عام 1994، خصت الحكومة متوسطي الدخل ببرنامج يعتمد على توريد نحو 8 آلاف سيارة سنوياً لا تتجاوز قوة محركها 1200 سي سي، من وكلاء مختلفين، لتمكين هذه الفئات من شراء سيارات بأسعار مناسبة. وتفرض الحكومة على هذه السيارات تعرفة جمركية منخفضة وتحدد هامش ربح للتجار لا يتجاوز 500 دينار في المركبة الواحدة بأي حال.

غير أن هذا البرنامج تعطل منذ نحو ثمانية أعوام، بعدما أبدى الوكلاء عزوفا عن توريد هذا الصنف من السيارات، بسبب محدودية هامش الربح، ما دفع الحكومة الحالية إلى إحياء المشروع ولكن بضوابط جديدة، في محاولة لإحيائه بهدف تلبية أحد المطالب الاجتماعية في هذا الإطار.

بدوره، قال رئيس غرفة موردي السيارات إبراهيم دباش، إن القرار الحكومي يقتضي النزول بأسعار أصناف بعض العربات المتداولة حاليا ما بين 5 و10 آلاف دينار، مشيرا إلى أنه حسابيا لا يمكن تطبيق هذا الإجراء حتى وإن تم الطرح النهائي للأداء على القيمة المضافة المقدرة بـ13% والأداء على الاستهلاك المقدر بـ10%.

وأضاف دباش في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن توريد سيارات بأسعار منخفضة يصطدم بواقع تدهور قيمة الدينار مقابل اليورو والدولار، مشددا على ضرورة معالجة ضعف العملة قبل اتخاذ هذا الصنف من القرارات.

وتابع: "ننتظر توضيحات من رئاسة الحكومة ووزارة التجارة بخصوص تطبيق المقترح القاضي بتخفيض أسعار السيارات إلى حدود 20 ألف دينار، نافيا أن يكون هذا الإجراء مطلبا من مطالب المهنة.

وتظهر بيانات رسمية أن رقم معاملات توريد السيارات في تونس يبلغ سنويا قرابة 610 ملايين دولار، وهو لا يتجاوز 5% من إجمالي واردات البلاد في مختلف المجالات الأخرى.

كما أظهرت أرقام غرفة وكلاء بيع السيارات أنه تم خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني الماضي حتى نهاية مايو/ أيار 2018 تسويق نحو 22383 سيارة، مقابل 28501 سيارة خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، بانخفاض بلغت نسبته 21.4%.


المساهمون