لجأت حكومة نور الدين بدوي إلى ورقة مغازلة الجزائريين، ولاسيما الفئات الفقيرة ومحدودي الدخل، عبر اتخاذ جملة من القرارات والإجراءات الاقتصادية المتتابعة ذات أبعاد اجتماعية تستهدف استرضاء الشارع الغاضب.
ويأتي ذلك رغم أن حكومة بدوي تلبس عباءة "تصريف الأعمال" إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في 4 يوليو/تموز المقبل، والتي أعلنت الأحزاب السياسية رفض إجرائها أكثر من مرة.
ولأول مرة منذ استقلال الجزائر سنة 1962، قررت الحكومة الحالية ضخ الإعانات المخصصة للعائلات الفقيرة نقدا عن طريق حسابات مصرفية، بعدما كانت الإعانات تقدم على شكل مواد غذائية تحت مسمى "قفة رمضان"، وذلك حفظا لكرامة العائلات، وإنهاء مسلسل التلاعب بالإعانات التي طاولها الفساد والاختلاس، حسب الحكومة.
وقبيل شهر رمضان، أعلنت وزارة التجارة، حزمة من الإجراءات تحسبا لشهر الصيام، منها تسقيف أسعار بعض أنواع الخضر واللحوم الحمراء المستوردة، على اعتبار أنّ ذلك يهدف، في المقام الأول، إلى التصدي للمضاربة، وجعل هذه المواد الأساسية في متناول المستهلك، بالإضافة إلى إدماج التجار الفوضويين عبر منحهم طاولات للبيع الشرعي في أسواق صغيرة، والتنسيق مع وزارة الزراعة فيما يخص تأمين اللحوم بنوعيها بكميات كافية ومواد غذائية أخرى تسجل طلبا واسعا، على غرار الحليب.
وكانت الأزمات المعيشية وموجة الغلاء التي ضربت الأسواق من الأسباب الرئيسية لاندلاع الاحتجاجات الشعبية الساخطة التي أطاحت بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وحسب إحصائيات رسمية، سجلت الأسعار عند الاستهلاك (التضخم) ارتفاعا بنسبة 2.3 بالمائة خلال الربع الأول من العام الجاري، وبلغ التضخم على أساس سنوي 4.1 بالمائة، في شهر مارس/آذار 2019.
وفي تعليق على مبادرات حكومة تصريف الأعمال، قال الخبير الاقتصادي فرحات علي، لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة اليوم لا تزال تفكر بمنطق الحكومات في عهد بوتفليقة، وتواجه الأزمات بحلول "شعبوية" تهدف إلى شراء "السِلم الاجتماعي".
وأضاف نفس المتحدث أن "حكومة بدوي منقطعة عن الواقع، والدليل هو عدم نزولها منذ تنصيبها قبل أكثر من شهر ونصف الشهر إلى الميدان، فكيف لحكومة عملها كله في المكاتب أن تتخذ قرارات تفيد الشعب مهما كانت النية من وراء اتخاذها؟".
وتابع علي أن "الأيام أثبتت أن ما قدمته الحكومة للشعب من قرارات لم يأت بالفائدة، فالأسعار لا تزال مرتفعة في الأسواق، وهناك المئات من العائلات لم تصلها الإعانة المالية وقد تجاوزنا نصف شهر رمضان. وتحاول الحكومة الابتعاد عن الجدل السياسي في الشارع ما بين المتظاهرين في المسيرات والمؤسسة العسكرية صاحبة القرار في الفترة الحالية، على الرغم من وجود رئيس دولة بصلاحيات "محدودة".
وحسب مراقبين، تسعى الحكومة إلى كسب ود الجزائريين، بالعزف على وتر آخر حساس في البلاد، وهو أزمة السكن التي لم تغادر واجهة الأحداث في البلاد منذ الاستقلال، فقررت إطلاق الصيغة السكنية المسماة "السكن الترقوي المدعّم"، استجابة إلى ضغوط اجتماعية كبيرة في هذا الملفّ، وهي صيغة موجهة للعائلات ذات الدخل الضعيف، التي تُمكنها من حيازة سكن بسعر مدعم ومناسب لدخولهم.
ولم تتوقف إغراءات حكومة تصريف الأعمال عند هذا الحد، إذ قامت بخطوة أخرى تقرّبا للشعب، بإعطاء الضوء الأخضر للبنوك لمنح قروض مصغرة بدون فوائد، موجهة لشراء المواد الأولية للعائلات في المحافظات الداخلية، تصل إلى 250 ألف دينار (2200 دولار). إلى ذلك، يرى الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة الجزائر، عبد الهادي تقية، أن "الحكومة هي مصدر أزمة سياسية أكثر منها اقتصادية يمكن حلها بقرارات "ارتجالية"، فالشعب كله يرفض حكومة يقودها بدوي وعيّنها بوتفليقة قبل ذهابه، أي أنها امتداد للنظام السابق، وبالتالي فإن الحل هو ذهابها وليس محاولة شراء رضا الشعب، ويجب على الحكومة أن تدرك أن الأمور تغيرت".
وتابع الخبير الاقتصادي: حتى من الجانب الاقتصادي والاجتماعي، هذه القرارات لم تلق قبولا لدى الشعب أولا، وليست في مستوى تطلعاته، فمثلا القروض بدون فوائد مع انهيار الدينار لا يمكنها أن تغطي تكاليف شراء المواد الأولية لبناء منزل صغير في المناطق الداخلية، فهي بالكاد تؤمّن ثمن الإسمنت، وبالتالي هي "ذر للرماد في العيون" لا غير. وأكد تقرير سابق للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أن أكثر من 670 ألف عائلة تحتاج للسكن في الجزائر، وأكثر من 15 مليونا من المواطنين يعيشون تحت خط الفقر.
ولم يكتف الحراك الشعبي المتواصل في الجزائر بمطالب تقليص الفوارق الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة وحل الأزمات المعيشية، بل نددوا بظاهرة الفساد التي نخرت البلاد واقتصادها، والتي ما زالت متواصلة بعد استقالة بوتفليقة. وتتقدم الجزائر التصنيفات العالمية في مجال انتشار الفساد. وحسب الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد (مستقلة)، فإن حجم الفساد فاق عتبة 60 مليار دولار منذ سنة 2000.