كشفت وسائل اعلام عالمية عن اختفاء نحو 5.6 مليارات دولار من أموال ليبيا المودعة لدي المصارف البلجيكية، ولم يعرف بعد من المسؤول عن جريمة اختفاء كل هذه المليارات، فما قصة هذه الأموال الضائعة؟
حسب أحدث معلومات " لا تزال التحقيقات البلجيكية مستمرة بشأن الأوال المختفية وفي ما إذا كانت مصارف عاملة في هذا البلد الأوروبي قد دفعت فوائد وأرباحاً على الحسابات الليبية المجمدة في إطار عقوبات الأمم المتحدة أثناء انهيار نظام معمر القذافي، وفقا لما ذكرته الإذاعة العامة البلجيكية منذ أيام.
وأفادت تقارير إعلامية إضافة إلى تصريحات لمسؤولين في بلجيكا أن حوالي 3 إلى 5 مليارات يورو قد تسربت من المصارف البلجيكية لحساب مجموعات مسلحة في ليبيا البلد الأفريقي الذي يعيش حرباً طاحنة... في حين نفت المؤسسة الليبية للاستثمار هذا الأمر، ووصفت عمليات تحويل الأموال من بلجيكا بالادعاءات، لافتة إلى أنها ستحقق بها.
فما قصة هذه الأموال؟
خلال الثورة الليبية في عام 2011، جمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الأصول السيادية
الليبية في الخارج، وأُدرجت المؤسسة الليبية للاستثمار ومحفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار ضمن الجهات الخاضعة لتدابير تجميد الأصول.
وتقول المؤسسة الليبية للاستثمار في تصريحات للأمم المتحدة منذ أشهر إن حجم أصولها المجمدة يبلغ 35 مليار دولار، وهي تعود وفقاً للمنظمة الدولية إلى عائلة القذافي وشركائه، وموزعة في عدد من دول العالم، على أن تسلمها السلطات الليبية حين توقف الحرب.
وحسب الأرقام فإن حوالي 15 مليار يورو من هذه الأموال تم تجميدها في البنوك البلجيكية، 12.8 مليار يورو في بنك "يوروكلير" و869 مليون يورو في بنك "كا بي سي"، و376 مليون يورو في بنك "إي إن جي"، و43 مليون يورو في بنك "فورتيس باريبا".
في الخامس من سبتمبر/ أيلول الماضي، قال فريق خبراء الأمم المتحدة في تقرير قدم إلى رئاسة مجلس الأمن الدولي، إن بنك يوروكلير البلجيكي كان "في حالة عدم امتثال لتجميد الأصول".
وأشار التقرير الأممي إلى أن البنك سمح بتسديد مدفوعات الفوائد من الصناديق المجمدة لنظام القذافي السابق إلى حسابات مصرفية تابعة للهيئة الليبية للاستثمار في بلدان ثالثة حتى 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2017... إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة.
فقد جاء في التقرير "أبلغت المؤسسة الليبية للاستثمار فريق الخبراء بأن الأصول المجمدة بلغت حوالي 35 مليار دولار في كانون الأول/ديسمبر 2010. في حين يحظر على المؤسسة إدارة استثماراتها، ولا يُسمح لها بإعادة استثمار إيرادات الاستثمارات المستحقة. ولا يمكنها أن تضع الأصول في أدوات تحقق عائدات تنافسية. ولذلك يمتنع مديرو أموالها وأمناء أصولها عن إدارة أصولها".
ولفت التقرير إلى أنه "لا يزال مديرو الصناديق الخارجيون يتقاضون مقابل أتعابهم من دون أن يقوموا بإدارة الأموال".
وتابع: "يحتفظ مصرف ليبيا المركزي بجزء كبير من الأصول السائلة للمؤسسة الليبية للاستثمار منذ 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2008، بموجب اتفاق ينص على استثمارات من خلال ودائع لأجل في المصارف الدولية. ووفقا للمصرف المركزي، تبلغ القيمة الإجمالية حوالي 17 مليار دولار، يُحتفظ بها كودائع لأجل في عدة مصارف، ولا سيما في أوروبا، بأسعار فائدة تنافسية".
وأضاف: "استمر المصرف المركزي في العمل بهذه الودائع لأجل، وأعاد استثمار الفوائد المستحقة. غير أنه لم يتح هذه الأصول بحرية للمؤسسة الليبية للاستثمار. وتدار الأموال تحت إشراف المصرف المركزي ويتم التعامل بها باعتبارها أموالاً للمصرف المركزي. ولا تعلم المصارف التي تحتفظ بالودائع لأجل بأنها مملوكة للمؤسسة".
واعتبر المصرف المركزي أن إجراءاته ممتثلة لنظام تجميد الأصول لأن الأصول لا تُتاح للمؤسسة الليبية للاستثمار. وعلاوة على ذلك، ذكر المصرف أن الحسابات مجمدة وبقيت على هذه الحال في دفاتره عملا بالقرارات.
ورأى فريق الخبراء أنه كان على المصرف المركزي إبلاغ اللجنة بإدارته للأموال. فإن عدم القيام بذلك، وإدارة الأموال خارج ليبيا، يشكل مخالفة لتجميد الأصول.
دور المؤسسة الليبية للاستثمار
وفي حين تستمر محاولات الفصائل المسلحة الدخول إلى المؤسسات الليبية والسيطرة على
مواردها المالية، أشار التقرير الأممي إلى أن "الفريق تلقى تقارير موثوقة عن تدخل كتيبة النواصي، وهي جماعة مسلحة، في أنشطة المؤسسة الليبية للاستثمار".
وشرح: "أُجبرت إدارة المؤسسة على تعيين مرشحين من الجماعة، وقد هدد قائد الكتيبة الإدارة عندما لم تستجب لهذه الطلبات. وخلال فترة شهرين تقريبا، اضطرت بعض القيادات الإدارية العليا في المؤسسة إلى مغادرة طرابلس.
وفي أيار/مايو 2018، حاولت المؤسسة نقل مقرها إلى خارج الموقع الحالي في برج طرابلس لتظل قادرة على العمل. وقد عارضت الجماعة المسلحة ذلك بشدة، واختُطف موظف لمدة بضع ساعات"...
ودخل التقرير إلى قضية المصارف البلجيكية، وشرح: "في عام 2011، جُمدت الأصول الأصلية، المكونة من أسهم وسندات دين، في الحسابات المصرفية لدى مصرف يوروكلير (Euroclear Bank) في بلجيكا. وتلك الحسابات ممسوكة لمصارف أخرى (الجهات القيّمة على الأصول) لصالح المؤسسة الليبية للاستثمار".
وأضاف: "حوّل مصرف يوروكلير الفوائد وغيرها من العائدات، من قبيل أرباح الأسهم المالية، ومدفوعات القسائم، إلى حسابات مخصصة لتمييزها عن الأصول المجمدة. ثم أُتيحت تلك الفوائد والعائدات لحسابات مصرفية عائدة للمؤسسة الليبية في بلدان ثالثة.
ولفت إلى أن ذلك كان الوضع السائد لغاية 23 تشرين الأول/أكتوبر 2017، عندما أصدرت محكمة بلجيكية أمرا قانونيا بالحجز. ومنذ ذلك الحين، لم تعد الفوائد والعائدات متاحة للمؤسسة الليبية للاستثمار.
وأبلغ المصرف البلجيكي فريق الخبراء بأنه لا يعتقد أن لأمر الحجز أي صلة مباشرة بتجميد الأصول. ويستثمر المصرف الجزء الأكبر من الفوائد والعائدات في ودائع لأجل تُجدد بانتظام، مع الفائدة. ويرى الفريق أن "مدفوعات الفوائد تلك والأرباح الأخرى لا تمتثل لنظام تجميد الأصول".
ورأى الفريق الأممي أن "إتاحة الفوائد والأرباح الأخرى بحرّيّة للمؤسسة الليبية للاستثمار هي مخالفة لنظام الجزاءات. وعلاوة على ذلك، وبالنظر إلى حالة عدم الاستقرار في البلد، وإلى المنازعات بشأن سلطة الإشراف على المؤسسة الليبية للاستثمار، وعدم وجود آلية للرقابة، فإن ذلك قد يؤدي إلى إساءة استخدام الأموال واختلاسها".
استنزاف الأموال
وفقاً لوسائل الإعلام البلجيكية، كانت الفوائد والأرباح على الأصول المجمدة في المصرف
البلجيكي بين ثلاثة وخمسة مليارات يورو، وقد تركت الحسابات منذ عام 2012 على الرغم من قيام الأمم المتحدة بتجميد الأصول.
وأثارت هذه التقارير غضب السياسيين المعارضين للحكومة البلجيكية الذين طالبوا بإجابات من الحكومة. وطالب مشرعون من المعارضة، وفق تقرير نشرته "يورونيوز" أمس الثلاثاء، بأن تجيب إدارة رئيس الوزراء الليبرالي، شارل ميشال، على الأسئلة، بعد أن ربطت قناة تلفزيونية هذا الأسبوع مدفوعات الحسابات الليبية في بروكسل بشحنات أسلحة.
ويركز المشرعون على الإجابات التي يعتبرونها غير كافية من وزير الخارجية البلجيكي، ديدييه رايندرز، الذي كان وزيراً للمالية في العام 2011، بشأن سبب صرف الأموال من الحسابات التي يفترض أن يتم تجميدها بموجب عقوبات الأمم المتحدة.
وبدأت التساؤلات حول الأمر في فبراير/شباط الماضي، بعد أن كشفت تحقيقات صحيفة "بوليتيكو" تدفقات كبيرة في الأموال التي من المفترض أن تكون مجمدة.
وخلصت نتائج التحقيات آنذاك إلى أن المستفيدين غير معروفين، بيد أن الحسابات التي يتم تحويل الأموال إليها موجودة في لوكسمبورغ والبحرين، وفق يورونيوز. كما كشفت التحقيقات أن تحويلات الأموال كانت تتم بين عامي 2011 و2017.
وقال تحقيق "بوليتيكو" إنه وفقًا لنسخ من بيانات يوروكلير الصادرة في 2013 والتي رأتها "بوليتيكو"، فإن الأموال المجمدة المستثمرة في الأسهم قبل عام 2011 ارتفعت قيمتها إلى 14 مليار يورو. وشملت تلك الأسهم ممتلكات في شركات إيطالية كبيرة مثل شركة النفط العملاقة ENI، والبنك Unicredit وشركة الهندسة Finmeccanica، من بين شركات أخرى...
اختلاف في الأرقام
وكانت صحيفة "لو فيف" البلجيكية أعلنت في 8 مارس/آذار الماضي، عن اختفاء أكثر من 10 مليارات يورو من الأموال الليبية من حسابات مفتوحة في بنك "يوروكلير" بين نهاية 2013 و2017.
في حين أشار تقرير لوكالة "يورونيوز" إلى أنه في خريف 2017، حين حاول قاضي التحقيق ميشال كليز وضع اليد على المليارات الستة عشر في إطار التحقيق بقضية تبييض أموال، تبيّن له أنه في الحسابات الأربعة في البنك البلجيكي لم يتبق سوى أقل من خمسة مليارات يورو.
ونقلت "لوفيف" عن المؤسسة الفيدرالية للخدمات العامة المالية قولها إن بلجيكا لم تصدر أي قرار يسمح بوقف تجميد هذه الأموال. وأن هذه الأموال لم يتم نقلها لحساب الجهاز المركزي للحجز والمصادرة بسبب عدم موافقة المصرف على ذلك. وبالتالي فإن هذه الأموال مجمدة ولا يمكن لأحد أن يضع يده عليها... وهو ما يتناقض مع تقرير الأمم المتحدة الذي صدر في سبتمبر/أيلول الماضي.
جورج جيلكينيت عن حزب الخضر، وجه السؤال الأول لوزارة المالية، وفق "يورونيوز"، عاد وسأل مرة ثانية، بأنّ هناك دلائل عديدة تشير إلى أن بلجيكا لم تحترم قرار الأمم المتحدة الذي يفرض تجميد الأموال الليبية في المصارف البلجيكية.
وسأل: "من سمح بإعادة هذه الأموال؟ وما الذي يبرر هذا القرار؟ ولمن دفعت هذه الأموال؟ ألم تستخدم في تمويل عمليات إرهابية؟ هذه أسئلة تقدمت بها منذ أشهر وأتمنى الحصول على إجابات عليها. إنها مسألة تتعلق بمصداقية بلجيكا على الصعيد العالمي".
وقال تقرير لوكالة "رويترز" في العام 2011، إن حكومات أجنبية جمدت أموالا سيادية تقدر بنحو 150 مليار دولار كان الزعيم المخلوع معمر القذافي والدائرة المقربة منه يسيطرون عليها ولدى البنك المركزي الليبي 144 طنا من الذهب.
ولفت التقرير إلى أن المحفظة الاستثمارية لمؤسسة الاستثمار الليبية انتعشت في الربع الثالث من عام 2010 بعد تراجع نسبته 4.5% في الربع السابق وبلغت 64.19 مليار دولار اعتبارا من 30 سبتمبر/ أيلول 2010.
وأشار إلى أنه كان لدى هيئة الاستثمار الليبي ودائع قيمتها 20.2 مليار دولار في نهاية الربع الثالث من عام 2010 وسيولة مالية قدرها 593.2 مليون دولار. وكان لديها حوالي 17.32 مليار دولار من الودائع لدى البنك المركزي الليبي.
وأفاد التقرير أن أموالا سائلة وودائع تقدر بنحو 1.4 مليار دولار كانت لدى بنك "إتش.أس.بي.سي" هولدنغز، بينما كان هناك مليار دولار مودعة في المؤسسة المصرفية العربية.
وأظهرت برقية دبلوماسية سرية نشرت في وقت سابق عام 2011، وفق رويترز، أن هيئة الاستثمار الليبي لديها أموال سائلة حجمها 32 مليار دولار في عدد من البنوك الأميركية كل منها يدير ما يصل 500 مليون دولار.