ونتيجة لذلك يشدّد خبراء في الشؤون الأوروبية على أن أوروبا لم يعد باستطاعتها الاعتماد على أميركا في التجارة والأمن، وأنها بحاجة إلى خطة عاجلة باعتماد سياسات اقتصادية خارجية وأخرى تتعلّق بالأمن تديرها برلين وباريس وبروكسل، لمواجهة الأزمة التي قد يتسبب بها ترامب لأوروبا وتزيد من حالة عدم اليقين في السوق الأوروبي.
ومع ذلك يرى الخبراء أن تلك الخطة لا تعني إهمال العلاقة مع الولايات المتحدة بشكل كامل، التي ما زالت تمثل مركز الثقل في العالم الغربي، وأن أوروبا ما زالت بحاجة إليها.
وطالب هؤلاء الخبراء المستشارة أنجيلا ميركل، بصفتها تمثل ألمانيا صاحبة القاطرة الاقتصادية لأوروبا، بأن تجد طريقة لثني ترامب عن التعريفات العقابية، على الرغم من عدم تمكنها خلال زيارتها الأخيرة إلى واشنطن من انتزاع تنازلات أميركية بهذا الخصوص.
ويبدو أن ترامب، بتوجّهه إلى أكبر شريك تجاري لبلاده، قد تعمد، تبعاً لمصالحه، الحفاظ على مزاج قاعدته الشعبية قبل ستة أشهر من الانتخابات النصفية للكونغرس، ولم يبد استعداده حتى للرد على العرض المقدم من الأوروبيين، متسلحاً بفكرة أن استخدامه التعريفات الأعلى على الصلب من الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك هو لحماية الأمن القومي، وهذا مثير للسخرية، بالإضافة إلى ذلك فإن نظام الحصص ينتهك قواعد منظمة التجارة العالمية التي شاركت الولايات المتحدة في قيامها.
كما أن طلب وزير التجارة الأميركي ويلبر روس من الاتحاد الأوروبي تصدير كميات أقل غير منطقي، لأن تخمة المعروض من الصلب والألمنيوم في السوق العالمية سببها الصين وليس أوروبا.
وفي هذا الإطار، يرى اقتصاديون أن ترامب يحول النزاع التجاري إلى أسواق رأس المال، وهذا مفاجئ قليلاً، لأن أميركا تحتاج إلى حلفاء في النزاع التجاري مع الصين، والغريب أنه يتنكر لصادرات مرحب بها في بلاده، وإذا ما نتجت أزمة نمو عالمية فإنها ستضر بناخبيه أيضاً.
في المقابل ناشد رئيس الحزب الليبرالي الحر كريستينان لاندنر أوروبا وألمانيا التعامل مع الحرب التجارية الوشيكة مع أميركا بإنشاء اتفاقيات تجارة حرة مع كندا واليابان وكوريا الجنوبية، وهي خطوة قد تكون الأولى وإشارة واضحة للولايات المتحدة قبل استئناف المفاوضات اتفاقية شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي، التي توقفت بشكل تام مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض.
وطالب لاندنر أوروبا بأن تتحدث بصوت واحد، وأن يتم التفاوض على الاتفاقيات التجارية من قبل المفوضية الأوروبية والمصادقة عليها من قبل البرلمان الأوروبي.
يأتي ذلك في الوقت الذي يرى فيه بعض المعلقين أن الأشياء السيئة التي يقوم بها ترامب مهمة للاتحاد الأوروبي، وهو يستحق جائزة عليها، لأنه الوحيد القادر على جعل التكتل موحداً لمواجهة تهديداته.
من جانبه، طالب اتحاد الهندسة الميكانيكية في ألمانيا الاتحاد الأوروبي بالسعي إلى حل دائم والاستفادة من الوقت المكتسب لتوضيح نقاط المفاوضات مع الإدارة الأميركية، ومنها قواعد المنشأ والحواجز غير الجمركية، وربما الانتقال إلى الهجوم وبذل محاولات لإعادة إحياء إقامة منطقة تبادل حر واسعة من جانبي الأطلسي، بحسب ما أوضح المدير التنفيذي للجمعية تيلو برودمان.
أما المدير العام للاتحاد الأوروبي للصلب اكسل أغرت فقال في حديث صحافي إن "الإدارة الأميركية يبدو أنها قررت الاستمرار في سياسة انعدام الأمن".
فيما قال رئيس اتحاد الصناعات الألمانية ديتر كيمف إنّ العلاقات عبر الأطلسي عرضة للخطر، وهي أكثر من مجرد صادرات الصلب والألمنيوم الأوروبية إلى الولايات المتحدة المقدرة بقيمة 6.4 مليارات يورو، فترامب يهدد بتصعيد النزاع التجاري على نطاق عالمي.
وعليه، فإن الأسابيع الأربعة المقبلة ستكون بمثابة اختبار للتكتل الأوروبي، وعلى بروكسل أن تجد صفقات جذابة لواشنطن لتجنب حرب تجارية مترامية الأطراف، وأن تبقى 28 دولة الرد المناسب على تعرض أميركا لصادراتها بظروف غير عادية.